كثفت قوات الاحتلال الاسرائيلي في الأيام الأخيرة، قصفَ مدينة غزة بشكل عنيف ما أسفر عن استشهاد وجرح العشرات وإحداث مزيد من الدمار، ما زاد المخاوف من أن يكون القصف المكثف مقدمة لانتقال عملية الاحتلال العسكرية إلى المدينة، بعد نحو 90 يوماً من تركيزها على المناطق الواقعة شمالها في جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن القصف الإسرائيلي على القطاع خلال 72 ساعة أدى إلى استشهاد أكثر من 180 فلسطينياً وإصابة العشرات، وأن مدينة غزة "الأكثر تضرراً" بالاستهدافات الإسرائيلية المكثفة.ترافق القصف المكثف مع إعلان الاحتلال في الساعات الماضية، إنهاء ما وصفها بالعملية العسكرية الخاصة في "حي الضباط" ببلدة بيت حانون شمالي القطاع، والتي تمخضت عن تدمير الحي بشكل كامل، مدعياً استهداف بنى تحتية لحركة حماس ومبان كانت تطل على منطقة غلاف غزة، تحديداً مدينة سديروت.حصيلة عملية الشمالوأكدت مصادر فلسطينية في شمال القطاع لـ"المدن" أن العملية العسكرية التي ينفذها الاحتلال في جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا منذ 3 أشهر، نتج عنها إجبار معظم السكان على النزوح جنوباً باتجاه مدينة غزة، علاوة على تدمير كامل المنازل والبنى التحتية ومقومات الحياة، مروراً بإخراج المستشفيات من الخدمة، بعد إحراق مستشفى كمال عدوان واعتقال مديره حسام أبو صفية. وبينما لم يتبقَ شمالاً سوى مستشفى العودة- تل الزعتر، الواقع بين جباليا وبيت لاهيا، والذي خُصص خلال الحرب للولادات فقط، فإن الاحتلال حاصر المستشفى وطالب بإخلائه في الأيام الماضية.جاء القصف الإسرائيلي المكثف على مدينة غزة ليعزز التساؤلات عما يدور في عقل الاحتلال، خصوصاً أنه في اليوم السابق لعملية جباليا الثالثة، لم يكن أحد يتوقع ما كان ينوي الاحتلال فعله في شمال القطاع. وتعزز القلق أكثر في الآونة الأخيرة من استكمال جيش الاحتلال ما فعله في شمال القطاع، بمدينة غزة، خصوصاً في حال تعثر جولة المفاوضات الحالية وعدم عقد صفقة لتبادل الأسرى.750 ألفاً.. في مدينة غزة المقلّصة!الصحافي حكمت يوسف في قطاع غزة قال لـ"المدن" إن مدينة غزة لم تعد بالمساحة الجغرافية التي كانت عليه قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، لأن الجيش موجود حالياً في حي الصفطاوي حتى شارع 10، بينما تفرض قوات الاحتلال مسافة نارية فاصلة عن نقطة تمركزها بالمنطقة، وتقدر بكيلو ونصف إلى 2 كيلو لا يمكن للسكان الاقتراب منها، بينما تكتظ المدينة الصغيرة والمقلّصة مساحتها بعدد كبير من النازحين والسكان، بواقع 650 إلى 750 ألف نسمة، وسط مخاوف متصاعدة من إجبارهم على النزوح نحو جنوب القطاع في حال نفذ الاحتلال عملية عسكرية فيها، على نحو مشابه لما فعله في البلدات والمخيمات الواقعة شمالها.وأفاد شهود عيان من مدينة غزة لـ"المدن" أن قوات الاحتلال تدخل بشكل يومي إلى منطقة الصفطاوي ثم تخرج منها، فيما بدا ذلك بمثابة "بروفة" على اقتحام المدينة إذا انهارت المفاوضات. وحسب مصادر "المدن"، فإنه من ناحية لوجستية وعملياتية يمكن إجبار سكان المدينة على النزوح جنوباً خلال 48 ساعة، إذا ما نفذ الاحتلال عملية دخول إلى المدينة من كافة الجهات، أي على شكل كماشة. مع العلم، أنه يوجد في مدينة غزة مستشفيان فقط، هما مستشفى الشفاء والمستشفى الأهلي المعمداني، حيث يعملان ضمن ظروف معقدة.أكثر من سيناريووفي ظل غموض يكتنف نوايا الاحتلال تجاه مدينة غزة، فإن هناك سيناريوهات متعددة لغايات القصف العنيف، بحسب إفادات خبراء عسكريين ومصادر من حركة حماس لـ"المدن"، الأول أن يكون متصلاً بنمط الحرب، إذ يشتد القصف كلما حدّث الاحتلال معلوماته الاستخباراتية المزعومة، وخصوصاً ما يتعلق بملاحقة كل مَن شارك في هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر على منطقة غلاف غزة. وأما السيناريو الثاني، فيرتبط بالمفاوضات في الدوحة، حيث يشدد الاحتلال ضغطه على حماس عبر رفع فاتورة الدم. فيما يرتبط السيناريو الثالث باحتمال التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى، في ظل حديث عن فرص متزايدة لإبرامها. إذ يسعى الاحتلال إلى الاستنفاد بأكبر قدر ممكن من الأهداف العسكرية قبل التوصل إلى أي هدنة محتملة. بينما يفترض السيناريو الرابع أن يكون القصف العنيف ممهداً لعملية برية مقبلة، ما يستدعي استهدافاً لما يدعي الاحتلال أنها "مراكز سيطرة لحماس". وأمام هذه السيناريوهات، يسود الترقب في صفوف السكان والنازحين بمدينة غزة وسط قلقهم مما تحمله الأيام المقبلة، خصوصاً إذا فشلت المفاوضات؛ لأن الحرب لن تقف في حالة ركود، بل سينتقل الاحتلال إلى خطوة تالية، سواءٌ في مدينة غزة، أو وسط القطاع الممتلئ بالنازحين، والذي يقول الاحتلال إنه لم يتعامل مع آخر كتيبتين لحماس فيهما، ويقصد النصيرات ودير البلح.لجنة إسرائيليةواللافت أن علامات الاستفهام لا يطرحها الفلسطينيون فقط، بل أيضا مراسلون عسكريون إسرائيليون، بينهم مراسل التلفزيون العبري الرسمي، حين أقرّ بأن الجيش الإسرائيلي دمر شمال القطاع "بشكل ممنهج"، متطرقاً أيضاً إلى قصف مدينة غزة، واصفاً إياه بـ"غير المسبوق".وأشار مراسل "مكان" العسكري إلى عقد لجنة منبثقة عن الكابينت الإسرائيلي أول اجتماع لها الخميس الماضي، تحت عنوان "بلورة خطة للقضاء على قدرات حماس السياسية في القطاع"، معتبراً أن اللجنة تثير تساؤلات بشأن النشاط العسكري الإسرائيلي في القطاع، وماهية الخطة التي تدرسها اللجنة المذكورة، خصوصاً أن أعضاء هذه اللجنة معروفون بتوجهاتهم المتطرفة، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير العدل ياريف ليفين، ووزيرة الاستيطان أوريت ستروك، إلى جانب وزير الأمن يسرائيل كاتس.وختم المراسل الإسرائيلي حديثه، بالقول إن الشخصيات المشاركة في اللجنة قد توحي بشكل الخطة التي تعمل عليها إسرائيل بخصوص القطاع، خصوصاً شماله، مضيفاً أنها "قد تتعلق بالسيطرة.. لكن لا نعلم الخطة المقصودة".