لم يكن قيام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد بزيارة علنية بالأمر السهل أو التفصيلي، بسبب الظروف الأمنية، وعدم انقضاء فترة الستين يوماً التي تقضي بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان. اللحظة السياسية غلبت الظرفين الأمني والعسكري، على الرغم من أنه لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. جاءت خطوة محمد رعد تزامناً مع زيارة الموفد السعودي يزيد بن محمد بن فرحان. حتى كلمة أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم جاء توقيتها على توقيت جولة الموفد السعودي، فخرج قاسم معلناً أن الرئاسة لا تنجز بغير التوافق وهو ما أكد عليه رعد أيضاً من على منبر عين التينة بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري.
السعودية تزكّي عونحطّ رعد في عين التينة، بعد لقاء استمر نصف ساعة بين بري ويزيد بن فرحان أو (أبو فهد)، إذ للمصادفة أن لقب الموفد السعودي هو نفسه لقب الموفد الأمني القطري الذي أيضاً يتردد إلى لبنان للقاء المسؤولين. أبو فهد السعودي جاء مستشاراً للشؤون اللبنانية في وزارة الخارجية السعودية، من خلفية أمنية أيضاً. كان بن فرحان واضحاً في موقفه إزاء الاستحقاق، تحدث بوضوح باسم قائد الجيش جوزاف عون كمرشح أساسي لرئاسة الجمهورية، بناء على المواصفات التي جرى التوافق عليها بين الدول الخمس المعنية بلبنان. ليرد برّي بوضوح: "جوزاف عون لا يحظى بالتوافق بين مختلف الأفرقاء، والمملكة جزء من الخماسية، وعندما زارني سفراء الدول الخمس انا من طلبت مساعدتهم لمساعدتنا في انجاز الاستحقاق حول من نتوافق عليه، وقد وُعدت بأن تتم مساعدتنا في انتخاب الرئيس الذي يحظى بالتوافق، وقائد الجيش لا يتمتع بذلك".
لم يجر التطرق خلال الاجتماع إلى أي اسم آخر، لكن حصر النقاش باسم قائد الجيش، أرخى بعضاً من الاستغراب في عين التينة كما لدى آخرين، لا سيما أن ما تسرب الى اللبنانيين قبل الزيارة تركز على أن السعودية لا تريد التدخل بالشأن اللبناني، ولا الدخول في الأسماء. وقد عزز وجهة النظر هذه، تأجيل وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان زيارته إلى لبنان، لعدم تبني أي اسم، فيما جرى تثبيت زيارة يزيد بن فرحان كجولة استطلاعية وعلى أساسها يجري التقييم واتخاذ الموقف.
ما قاله الموفد السعودي في عين التينة، قاله في مجالس أخرى وإن بطريقة مختلفة، لكن الجميع استنتج أن الاسم المطروح والمفضل هو قائد الجيش، فشرح جبران باسيل موقفه المعارض لهذا الخيار بوضوح، أما مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فكان النقاش في غاية الوضوح أيضاً، قال جعجع إنه لا يمانع انتخاب جوزاف عون ولكن هناك صعوبة في وصوله بسبب مواقف الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر، وان المسألة تحتاج إلى ضغوط، وبحال توفرت الظروف فالقوات جاهزة للتشاور والتفاوض مع قائد الجيش حول انتخابه، وبالحد الأقصى فالقوات جاهزة لتأمين النصاب وإن مع عدم التصويت".
كان تحرك حزب الله باتجاه عين التينة هدفه تثبيت الموقف الموحد، والتأكيد على عدم قبول ما يعتبره الطرفان تكثيف الضغوط لتمرير انتخاب قائد الجيش كتكريس لحالة استضعاف الحزب أو الطائفة الشيعية. في المقابل فإن بري يكرر مواقفه السابقة والتي أكد فيها ضرورة التوصل الى رئيس توافقي لا يتعارض مع الداخل ولا مع الخارج، وهو قال إنه لا يريد انتخاب رئيس يتعارض مع السعودية، ولا يريد عزل أي طرف في لبنان وحريص على التوافق مع القوات، بخلاف ما يتلسمه الثنائي من القوات أو من محاولة فرض وقائع سياسية بدافع تطورات الوضع الميداني عسكرياً.
جلسة المفاجآتكل هذه الوقائع تجعل جلسة ٩ كانون الثاني في مهب المفاجآت الكثيرة. سيستكمل السعوديون جولتهم وتحركاتهم إما عبر يزيد بن فرحان أو عبر السفير السعودي وليد البخاري. في المقابل فإن الثنائي الشيعي يسعى إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض، وبسبب مساعي كثيرة لتأجيل الانتخابات بانتظار تغير المزيد من الوقائع لبنانياً أو إقليمياً، إما من خلال توجيه ضربة ضد إيران أو زيادة الضغوط عليها، وإما من خلال تغيّر ظروف اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، وذلك يمكن أن يُقرأ في تسريبات الإسرائيليين حول تأخير الانسحاب من الجنوب، وزيادة الضغط العسكري. لذا يريد الثنائي انجاز الاستحقاق في أسرع وقت، كي لا تتغير الظروف وبنتيجة الاعتقاد أن ملفات كثيرة أخرى ستفتح في المنطقة فلا يريد الانشغال بالرئاسة ولا بطموح الكثيرين بتغيير موازين القوى.
هذا يفسح المجال أمام الثنائي في البحث عن إمكانية توفير الأصوات اللازمة للخروج برئيس في الجلسة المقبلة، ولو كان ذلك بخمسة وستين صوتاً أو أكثر بقليل ولو لم يكن ينسجم مع شروط ومتطلبات بعض القوى الإقليمية والدولية. هذا "الرئيس" تطلق عليه قوى المعارضة صفة "رئيس التهريبة" وهي تؤكد رفضه وستسعى إلى منع تمريره ولو بتعطيل النصاب.هوكشتاين على خط الرئاسةقبل ذلك هناك محطة أساسية وهي زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الإثنين المقبل، وهو سيناقش ملف اتفاق وقف النار، وملف الرئاسة. ثمة من ينتظر أن يتحدث هوكشتاين بوضوح حول دعم قائد الجيش، بعض المؤيدين لهذا الخيار يؤكدون أن الضغط الأميركي سيتجلى في مسألة ربط الموافقة على انتخاب جوزاف عون بإعادة الإعمار، وبتثبيت وقف النار في الجنوب، وأنه من دون انتخاب الرئيس القادر على الالتزام بتطبيق الاتفاق فإن إسرائيل لن تنسحب وقد يرتفع منسوب التصعيد العسكري. وهذا ما يراد له أن يكون له عنصر الضغط الأساسي على بري والحزب، علماً أن كليهما يؤكدان عدم الرضوخ للضغوط، ولطالما قال بري لدى سؤاله عن تعرضه للضغط بالقول:" سيعرفون من أنا".
يمكن للجلسة أن تشهد "تصفية" للأسماء، وانتقال أخرى إلى تصفيات نهائية، ويمكن أن ينتج عنها رئيس يشكل مفاجأة بالنسبة إلى الجميع. أما بحال فشل كل المساعي، فذلك سيفتح الأبواب على احتمالات كثيرة وخطيرة، ليس أقلها الدخول في فوضى سياسية ودستورية وأمنية وعسكرية، بانتظار الانتخابات النيابية ورهانات تغيير موازين القوى داخل المجلس النيابي.