2025- 01 - 06   |   بحث في الموقع  
logo قتيل بالرصاص في البرج الشمالي logo ميقاتي خلال لقائه هوكشتاين: نية إسرائيل تمديد مهلة وقف النار مرفوض بشدّة logo هوكشتاين من السرايا: ميقاتي أظهر قيادة عظيمة للوصول إلى هدنة لبنان logo مباحثات أميركية سورية بدمشق: التطورات وتمثيل كل المكونّات logo افتتاحية “اللواء”: هوكشتاين في الرياض قبل بيروت: تنسيق حول المرشح الرئاسي logo افتتاحية “الديار”: مصير الرئاسة والهدنة يحسمه هوكشتاين logo البطريرك الراعي بعيد الغطاس: لرئيس يقود لبنان إلى حسن الالتفاف والعمل معًا  logo سلامي: حزب الله فرض إرادته على إسرائيل
التهمة: عدم تمجيد الجلاد
2025-01-04 21:55:47

الاسم كما دوّن في الهوية: معاذ الخالدالمؤهلات العلمية: طالب في كلية الإعلامالعمل: صحافي متدربالتهمة: النيل من هيبة الدولة وعدم تمجيد شخص الرئيسأحدق في وجهي في المرآة. أتأمل ملامحي جيداً. من أنا؟ من أكون؟ سحنتي نحيلة جداً، أكاد لا أتجاوز الـ45 كيلوغراماً. ترهقني الأسئلة: أين أنا؟ ومن هؤلاء الرجال ذوو الظهور المثقوبة والمتقرّحة؟ لماذا أفترش حذائي كمخدة؟ ولماذا أهذي من شدة الحرارة فيما هؤلاء الذين لا أعرف عنهم سوى مشاركتهم لي قبواً تحت سابع أرض، يهتمون بي ويحاولون تدفئتي بتغطيتي بسراويلهم الداخلية لعدم وجود غطاء أتدثر به؟قبل أن أفقد عقلي في سجن صيدنايا، كنت أعرف نفسي جيداً وأعرف ما أريد. الحرية. كنت أنظم الشعر وأعشقه، وأكتب مواد صحافية توثق لفساد الدولة. إسمي معاذ الخالد. عمري 22 عاماً. أقطن في برزة، وأتمتع بحساسية مفرطة تجاه الأشياء. شاب حالم ببلد لا مكان فيه للقسوة فيه. في إحدى المرات، نشرت مقالاً انتقدت فيه ما يحدث في كلية الإعلام من تجاوزات ورشوة من قبل بعض الأساتذة، لأقابل بوشاية من دكتورة عُرفت بتسلميها الكثير من الشباب الناشطين سراً في تلك المرحلة. وشاية، أعترف أنها حقيقية. فقد قمت بتوزيع مناشير تحض على التظاهر والثورة في اليوم السابع من شهر آذار، أي بعد انطلاق الثورة بيومين. رميتها في الشارع، وتكفل الهواء بتوزيعها. هواء تحول إلى إعصار هدّ باب بيتي بالكامل، في يوم 3/6/2012 مع ضرب مبرح وتحطيم كامل لأثاث المنزل.وها أنا الذي رفضت كل نصائح أصدقائي بالمغادرة، بعد اشتداد القبضة الأمنية، إلا في حال سقوط النظام، أُعاقب بالشبح في فرع الأمن السياسي، حيث كنت أوضع في زنزانة منفردة مليئة بمياه المجارير، ما إن أغفو حتى أغرق ويوقظني الماء، ليتم اقتيادي وضربي ومن ثم إعادتي مع أمر قسري بإلقاء شِعر يمجد النظام الحاكم. أرفض، فأبرح ضرباً ويغمى علي، ليتم إيقاظي بماسّ كهربائي. والحقيقة أنني لم أكن أدرك يوماً أن في العالم كله مثل هذه البشاعة.أقف أمام المحقق الذي ألصق بي تهماً لا تُعد ولا تحصى، من تهريب السلاح إلى التمويل الخارجي، وأنا الذي لم أرَ السلاح يوماً ولم أُرِد إلا بلاداً حرة. أحببت سوريا كثيراً، أكثر من نفسي، لذلك آثرت البقاء والامتناع عن التلفظ بكلمة واحدة تمجد هؤلاء القتلة، والثمن كان هذه المرة أقبية سجن صيدنايا.موت بطيءبالكاد أقوى على السير. أنا في سيارة تابعة للأمن السياسي، معصوب العينين، لكني أستطيع أن أتخيل الطريق إلى صيدنايا التي كنت أزورها دوماً وأتساءل: كيف يحيا المساجين في هذا السجن المتربع على يمين الطريق، فيما على مقربة منه تنتشر المطاعم والحياة الصاخبة. مفارقة لم أفهمها يوماً. إلى أن أصبحت واحداً من سجنائه. قبو تحت الأرض، غرفة ضيقة جداً، وجوه ميتة، وآثار التعذيب تأكل الأجساد. خرائط وعبارات دوّنت على الحائط. أضع حذائي تحت رأسي وأنام لمدة نصف ساعة كي يتمكن شاب آخر من النوم. يخبرنا السجان أنه وقت الذهاب إلى الحمّام، خلال دقيقة واحدة، يتدافع الجميع لتكون الصدمة الأولى التي تعرض لها عقلي. عليك المرور فوق الجثث للوصول إلى الحمّام. يغمى عليّ من هول المشهد. أستيقظ وأنا مربوط على كرسي وأمامي شاب وُضع على كرسي أيضاً، ووُضعت شمعة في الأسفل ليتلوى ويصرخ ولحمه يذوب ويفصل عن عظمه. يأمرني السجان بفعل ما رفضته في سجن السياسية، أو ألاقي ذات المصير. أرفض، فتذيبني الشمعة أيضاً، وأعود إلى الزنزانة مرتعشاً. لا أعرف وقتها كم يوماً غبت عن الوعي، حتى أيقظني صوت جلاد للاستحمام وتنظيف أنفسنا من العفن.عذاب جديد. مياه تغلي تنسكب على أجسادنا مع أسواط تستقر على ظهورنا، يتبعها ماء بارد. أغلق عيني كي لا أرى ما يحدث، وأحاول أن أصمد أمام لسعات الكرباج، ودرجة غليان الماء. أتذكر وجه أمي، إخوتي. لكن الألم أقوى من كل شيء.نعود إلى الزنزانة. تسقط جثث بيننا، لشبان فارقوا الحياة يطلب مني السجان أن أسحب الجثة إلى حفرة الأسيد. أرفض. لم يعد الموت يخيفني، بل كنت أتمناه في كل لحظة كنت أرى جثتي على الأرض كما البقية، وأحدهم يقوم بجرّها. يتم سحب الجثة واقتيادي عنوة لأرى تذوبيها بالأسيد. إنه المشهد الأخير الذي فضّل عقلي تخزينه. يقولون إنني فقدت عقلي بعدها، وأصبت بمرض عصبي، وأن السجان كان يتندر عليّ ويقول: "مجنون ليلى..وين طارو العقلات...". مَن هذا الرجل؟ ومن أنا؟أنا جثة هامدة فارقت الحياة بعد نقلي إلى العزل السياسي في سجن عدرا. يتم الاتصال بعائلتي في أحد أيام 2013 لاستلام هويتي من دون جثة طبعاً. يقال إنني فارقت الحياة، وأنا لست بكامل قواي العقلية. لكنني أذكر جيداً أنني لم أمجّد الجلاد يوماً.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top