أثارت زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، إلى مقر بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، في دمشق، كثيراً من التساؤلات في وسائل التواصل الاجتماعي بسبب غياب علم الثورة السورية عن اللقاء. وظهر البطريرك يوحنا العاشر، مع بارو، في الصور الرسمية التي وثقت الزيارة، وخلفهما شعار البطريركية الذي يتضمن رموزاً دينية مثل القديسين بطرس وبولس، من دون وجود لأي علم وطني، سواء الرسمي السابق أو علم الثورة.وعبّر ناشطون سوريون عن استيائهم من غياب علم الثورة السورية، معتبرين أن غياب العلم الوطني، سواء كان الرسمي القديم أو الثوري، يمثل تجاهلاً للرمزية الوطنية في مرحلة حساسة تمر بها البلاد، وأعادوا نشر صور من زيارات دبلوماسية سابقة للبطريركية، حيث كان العلم السوري الرسمي وصور الرئيس بشار الأسد جزءاً من البروتوكول المتبع.
وقارن ناشطون، بين هذه الحادثة وأخرى مشابهة، عندما وضع رئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، علم التوحيد إلى جانب علم الثورة في إحدى كلماته التي ألقاها عبر الإعلام، وهو ما اعتبره البعض حينها انحيازاً غير مبرر، كون رئيس الحكومة يمثل كل السوريين، لا مجموعة محددة فقط.
وفي ظل غياب تفسير من البطريركية، نشرت صفحة "جاكلين" السياسية الساخرة، تحليلًا تناولت فيه تقاليد الكنيسة الأرثوذكسية. وأوضحت الصفحة أن الكنيسة، وفقاً لتقاليدها، لا تعتمد رفع أعلام وطنية أو سياسية في مناسباتها الرسمية، وتركز على رموزها الدينية مثل الصليب وشعار القديسين بطرس وبولس. وأشارت إلى أن الكنيسة تعرضت خلال حكم نظام الأسد، لضغوط لرفع العلم السوري وصور الرئيس بشار الأسد في لقاءاتها الرسمية، وهو ما كان يفرض على كافة المؤسسات في ذلك الوقت لإظهار فروض الطاعة. وأضافت الصفحة: "غياب العلم السوري، سواء الرسمي أو علم الثورة، يفتح الباب أمام التأويلات ويثير تساؤلات حول الرسائل التي تبعثها المؤسسات الوطنية، خاصة في لقاءات دولية كهذه".
من جهته، استنكر رئيس تحرير صحيفة "سيريا نيوز"، نضال معلوف، وهو شخصية مسيحية معروفة، غياب علم الثورة عن الزيارة. وكتب معلوف في صفحته: "عدم رفع العلم خطأ، لكن وضع صورة بشار الأسد سابقًا في الكنيسة هو جريمة يجب أن يحاكم المطران عليها". وأضاف: "أنا لا أريد للكنيسة أن تمثلني في قضايا المواطنة، وأفضل أن يكون صوتي ممثلًا من قبل شباب مثقف وواعٍ مثل كرم شعار وغيره من النشطاء".
وأشار ناشطون إلى أن الكنيسة الأرثوذكسية، كونها تمثل دولاً متعددة، ربما تسعى للحفاظ على الحياد من خلال عدم رفع أي علم وطني. وقارنوا هذا الوضع بالمساجد في سوريا التي لا ترفع أعلاماً وطنية أيضاً، معتبرين أن ذلك يعكس طبيعة المؤسسات الدينية التي يجب أن تفصل الدين عن الدولة، كما هو الحال في الدول ذات الحكم الديموقراطي.
وفي حين اعتبر البعض أن غياب العلم يعكس محاولة الكنيسة للحفاظ على الحياد الديني، رأى آخرون أن هذا الغياب يضعف من رمزية اللقاءات الرسمية التي تجمع بين شخصيات دينية ودبلوماسية. ودعا ناشطون إلى ضرورة وضوح المؤسسات الدينية في مواقفها الوطنية، خصوصاً في لقاءات كهذه تسهم في تشكيل صورة سوريا أمام المجتمع الدولي.وكان قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، التقى في 30 كانون الأول/ديسبمر الماضي، في دمشق، وفداً يضم مسؤولين دينيين يمثلون الكنائس المسيحية، حسبما أفاد مكتبه، وذلك وسط مشاعر قلق تسود صفوف الأقليات في سوريا، ومساع للحصول على ضمانات من السلطات الجديدة. ونُشرت صور في حساب "القيادة العامة" في تطبيق "تلغرام"، تُظهر الشرع مجتمعاً بالعديد من قادة الكنائس المسيحية من أرثوذكس وكاثوليك وأرمن أرثوذكس وسريان أرثوذكس وبروتستانت.من جهته قال بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، يوحنا العاشر، في لقاء مع "التلفزيون العربي"، رداً على سؤاله عن عدم تواصل الإدارة الجديدة معهم، أنه يتمنى أن يتم هذا التواصل، "فهو مفيد للجميع، لنا وللإدارة الجديدة"، وأضاف: "مطالبنا أن يضمن الدستور السوري الجديد حرية جميع السوريين وكرامتهم".
وفي ظل هذه الانتقادات، يبقى السؤال مطروحاً حول دور المؤسسات الدينية في تمثيل الهوية الوطنية ومدى قدرتها على تحقيق التوازن بين التقاليد الروحية والرموز السياسية. وبينما تسعى الكنيسة الأرثوذكسية للحفاظ على استقلالها الروحي، تبقى التساؤلات حول مدى تأثير مواقفها في الصورة العامة لسوريا في المحافل الدولية.