لا تزال مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد في سوريا غير مستقرّة تماماً، وينسحب عدم استقرارها على الأوضاع في لبنان، لاسيّما على المستوى الاقتصادي لناحية تنظيم عمليات الاستيراد والتصدير عبر الحدود بين سوريا ولبنان. وعوضَ استقرار الأوضاع، أصبحت الحدود مشرّعة أمام التهريب أكثر ممّا كانت عليه سابقاً، الأمر الذي يضرّ بالإنتاج اللبناني من جهة، ويفتح المجال للتوتّرات الأمنية على غرار عملية الاشتباك التي حصلت يوم أمس بين الجيش اللبناني وسوريين في منطقة معربون - بعلبك، على الحدود بين البلدين. فماذا ينتظر المُنتِجون اللبنانيون في المرحلة المقبلة، وكيف سيؤثِّر هذا الواقع على صادراتهم؟.
من الغموض إلى الوضوحمع استلام السلطة الجديدة زمام الأمور في سوريا، أبدى رئيس تجمع المزارعين والفلاحين، إبراهيم الترشيشي، قلقه من بعد التداعيات التي قد تتفاقم ما لم تضبط السلطة الجديدة الوضع في الداخل وعلى الحدود، ورأى في حديث لـ"المدن" أن الأمور في سوريا "لا تزال غامضة"، وعودة التصدير البرّي إلى طبيعته "ينتظر استلام السلطات السورية الجديدة مهامها والسماح بحركة العبور الترانزيت، وهي خطوة تحتاج إلى المزيد من الوقت". (راجع المدن).ذلك الغموض تحَوَّلَ إلى شيءٍ من الوضوح الذي حَمَلَ المزيد من الصعوبات أمام الإنتاج اللبناني. فيقول الترشيشي إنّ "الأسبوع الأوّل من استلام السلطات السورية الجديدة مهامها، انعكس إيجاباً على الإنتاج اللبناني إذ سمحت باستيراد الموز والكثير من البضائع التي تحتاجها سوريا. حتّى أنّ التهريب توقَّفَ، وقلنا أن هذا الأمر بادرة خير". لكن الأمور انقلبَت سريعاً "فاليوم وَضَعَ الجانب السوري ضريبة على الموز اللبناني بمعدَّل 66 دولاراً لكل طنّ. وبالأمس تم إيقاف كل الشاحنات التي تخرج من لبنان بحجّة عدم حيازة السائقين إقامات أو تأشيرات دخول إلى سوريا".
صعوبات منتَظَرةالتصدير اللبناني في الوقت الراهن "بحالة ركود، ويتمّ بالحدّ الأدنى"، وفق الترشيشي الذي يتوقَّع المزيد من الصعوبات أمام حركة تصدير المنتجات اللبنانية، إذ يعتبر أن الإجراءات التي يقوم بها الجانب السوري "هي عراقيل أمام الطريق الشرعي للتصدير والاستيراد". فالتصدير اللبناني يُعَرقَل، فيما طرق التهريب من سوريا "تعجّ بالمهرِّبين الذين لا يجدون مَن يَردَعهم. وهؤلاء يشكِّلون عصابات ليحموا أنفسهم ضد كلّ مَن يعترضهم".استفحال التهريب وإضراره بالمنتجات اللبنانية، ستؤدّي بالمصدِّرين إلى "إعلان الإضراب وإقفال الطرق واعتراض شاحنات التهريب"، وفق الترشيشي الذي أوضح أنّه "يدخل إلى الأراضي اللبنانية أكثر من 300 طن من البطاطا السورية ويتم توزيعها على أسواق الخضار في طرابلس والعبدة وسن الفيل وبيروت وقبّ الياس والبقاع وصيدا والجنوب، ممّا يحرم المزارع البقاعي من تصريف إنتاجه قبل موعد دخول البطاطا المصرية بتاريخ الأول من شباط المقبل". ولفت الترشيشي النظر إلى أن "التهريب يطال أيضاً لحم الدجاج والبيض مما يلحق ضرراً فادحاً بهذا القطاع الذي لا يتحمل هذا التهريب".سهولة التهريب وما يحمله من ربح مالي إضافي للمهرِّبين وأصحاب المصالح، جَذَبَ المزيد من أصحاب المصالح، فتوَسَّعَ نطاق التهريب ليشمل تهريب البضائع التركية عبر سوريا إلى لبنان، مما زاد الضغط على الإنتاج اللبناني.وفي الوقت نفسه، إن نشاط طرق التهريب يستدعي حمايتها، أي تصعيد الخطر الأمني على الحدود، والذي ظهرت أولى بوادره عبر اشتباك الجيش اللبناني مع مجموعة من المسلّحين السوريين الذين أطلقوا النار على عناصر الجيش. وبحسب ما أعلنه الجيش، فإنه "أثناء عمل وحدة من الجيش على إغلاق معبر غير شرعي عند الحدود اللبنانية السورية في منطقة معربون - بعلبك، حاول أشخاص سوريون فتح المعبر بواسطة جرافة، فأطلق عناصر الجيش نيراناً تحذيرية في الهواء، وعمد السوريون إلى إطلاق النار نحو عناصر الجيش ما أدى إلى إصابة أحدهم ووقوع اشتباك بين الجانبين. وقد اتخذت وحدات الجيش المنتشرة في القطاع تدابير عسكرية مشددة، وتجري المتابعة اللازمة للحادثة". وربطاً بهذه الحادثة وغيرها من الأحداث، يشير الترشيشي إلى أنها "صورة عن الصعوبات المنتَظَرة في حال لم يعمد الجانب السوري إلى مكافحة التهريب على الحدود".البضائع المهرَّبة "تستبيح الأسواق اللبنانية"، وتشديد الإجراءات على الحدود الشرعية "تشجِّع على التهريب"، خصوصاً أن "الكثير من البضائع التي كانت تأتي من سوريا إلى لبنان عبر الطرق الشرعية، باتت تُهَرَّب طالما أن طرق التهريب آمنة"، وعليه، فإن الصادرات اللبنانية أمام خطر حقيقي، والبضائع التي تباع في السوق أمام منافسة غير مشروعة.