سقوط نظام البعث في سوريا، والهروب المفاجئ لرئيسه بشار الأسد، خَلَط الكثير من الأوراق في الداخل اللبناني، سياسيًا إقصاديًا وأمنيًا، إضافةً إلى مسألة الحدود الشائكة وغير المُرَسَّمة في بعض المناطق، لا سيما بعد تأكيد زعيم التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على سورية مزارع شبعا حسب وثائق الأمم المتحدة. استفاق اللبنانيون، أمس، على اشتباكات في منطقة معربون – بعلبك الحدودية، "بين الجيش اللبناني ومسلحين سوريين أقدموا على استهداف عناصره بالأسلحة الرشاشة والمتوسطة، ما أدَّى إلى تعرض أربعة عسكريين لإصابات متوسطة" حسب بيان الجيش اللبناني.
من جهته أعلن المرصد السوري عن وقوع اشتباكات مُسَلَّحة بالقرب من بلدة سرغايا السورية عند الحدود، بين مهربين من البلدة وعناصر الجيش اللبناني، أثناء محاولتهم تهريب أسلحة وعتاد عسكري إلى الداخل اللبناني.تضرر مصالح المهربينحدوث الاشتباكات، وتوقيتها طرح الكثير من علامات الاستفهام، خصوصاً أن كل تصريحات قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، أكَّدت على إرساء العلاقات الأخويَّة مع لبنان، والعمل على تمتينها من دون أيّ تدخلٍ في شؤونه الداخليَّة.
مختار بلدة معربون زياد شبلي، بعد تأكيده وقوف أهالي البلدة ودعمهم الكامل للشرعيَّة اللبنانية والجيش الوطني، شرح في حديث لـ "المدن" حقيقة ما جرى قائلا: "المهربون في بلدة سرغايا أزعجهم قيام الجيش اللبناني بإغلاق المعابر غير الشرعيَّة وتكثيف عملياته لضبط الحدود، فهم وخصوصاً عائلة الشَمَّاط كانوا يحصلون على تسهيلات كبيرة من الجيش السوري أيام النظام السابق (بالرشاوي والسمسرات) للقيام بعمليات التهريب على أنواعها، اليوم باتوا ينظرون للجيش اللبناني بعدائية بسبب منعه أعمال التهريب".
المختار شبلي الذي شدَّد على متانة علاقات الأخوة والقرابة مع أهالي بلدة سرغايا (تزاوج ومصاهرات)، نفى معرفته بأهداف المسلحين، أكانت تقتصر على عمليات التهريب، أم لها أبعادًا سياسيَّة لا سيما أنَّ "غالبية المهربين خصوصاً الكبار منهم كانوا من أزلام النظام السابق، يتباهون دائما ويتفاخرون بقربهم من الفرقة الرابعة" متمنيًا أن تسلك علاقات البلدين: "أفضل السبل وأكثرها نفعًا للبلدين وشعبيهما، فنحن والجوار السوري تربطنا علاقات عائلية تاريخية متوارثة، يفرضها التداخل الجغرافي".خطر أمنيخطر التهريب والبضائع المهربَّة يقتصر ضررهما على الإقتصاد، سواء لجهة التهرب الجمركي أو خروج الدولار من السوق المالي المحلي، أمَّا تهريب السلاح فتتجاوز خطورته البضائع بأشواط، فهو ربما يُستَخدم في خلق مشاكل أمنيَّة وإحداث قلاقل وفِتَن تُربِك الداخل اللبناني، وتزيد الشرذمة، لا سيما أن أبواب البلد غير محصنَّة بما يكفي.
فبحسب بيانات المصدر السوري فإنَّ تُجَّار السلاح في سوريا "استغلوا ترك قوات النظام السابق، لمواقعها العسكرية، وبدأوا يجمعون الأسلحة ويشترونها بأثمان زهيدة، ثمَّ ينسقون مع تجار في لبنان لنقلها وبيعها بأسعار مرتفعة".مخاوف متنوعةأمَّا بما يخص الإشتباكات التي وقعت، جاء بيان الجيش اللبناني واضحًا لجهة "وقوعها مع مسلحين في الداخل السوري" من دون أيِّ ذِكْرٍ أو إشارة إلى العناصر الأمنية التابعة للإدارة الجديدة، كما روَّجت وأشاعت الجيوش الالكترونية وجمهور "الفسابكة" التابعين لمحور الممانعة.
النائب بلال الحشيمي قال في حديث لـ"المدن" أنه "حسب المعلومات المتوفرَّة فإن كل الموضوع مرتبط بالتهريب من الجانب السوري، جرى تضخيمه وتكبيره من جماعة ايران. أرادوه حلقة جديدة في مسلسل سردية "السلاح لحماية السلاح" والعودة لنغمة "سلاحنا حماكم من الإرهاب"، لكن ليكن معلومًا أنَّ محاولة العودة بالناس لبدايات الثورة السورية عام 2011 لن تنجح فقد انكشفت كل الأوراق، وكل الناس تعرف كل الحقائق".
الحشيمي تساءل عن" جدوى الغمز من قناة الجيش اللبناني" في هذا التوقيت، وعن الحكمة من استعداء نظام الحكم الجديد في سوريا؟ ما هي مصلحة لبنان واللبنانيين في ذلك؟ داعيًا إلى "معالجة موضوع الحدود بحكمة وهدوء، بعيدًا عن أصحاب الغرائز المشبوهة وبطولاتهم الوهمية، فقد رأينا ماذا فعلت البطولات بلبنان وكيف أوصلته لمراتب الدول الفاشلة".
قصة الحدود اللبنانية السورية، وعمليات التهريب عبرها، عمرها من عمر الحدود ذاتها، حَلَّها يكون بتعاون سلطات البلدين من الجهتين وضبط الحدود.