2025- 01 - 05   |   بحث في الموقع  
logo توقيف 209 أشخاص بجرائم مختلفة logo الحكومة السورية: زيادة 400% على الرواتب.. ابتداءً من شباط logo إسرائيل تحذر جنودها من الاعتقال بالخارج لارتكابهم جرائم حرب logo روسيا: أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في منطقة كورسك الروسية logo حسين الموسوي: لنبذ الفتن وحفظ دماء وتضحيات الشهداء logo الحاج حسن: المقاومة تعافت وهي قوية ومقتدرة وتستطيع ان تواجه كل التحديات التي يمكن ان تضغط عليها logo صفا من موقع استشهاد السيد نصرالله: لن يكون هناك اي امكانية لأحد بأن يكسر معنوياتنا logo المفتي قبلان: لن نقبل ببقاء الجيش الإسرائيلي ساعة واحدة بعد مدة الستين يوماً
في المقارنة بين حافظ الأسد وأحمد الشرع..(عمر قدور)
2025-01-04 00:55:42


ضمن أجواء النقاش السوري الذي لا يهدأ حالياً، يستعيد البعض تجربة حافظ الأسد، مع التحذير من أن يكون رأس السلطة الحالي أحمد الشرع في سبيله إلى اقتفاء أثر ذلك المستبد. حتى من دون إجراء مقارنة مباشرة، يجوز القول أن شبح حافظ الأسد لم يختفِ نهائياً مع تحطيم الألوف من تماثيله في الساحات والطرقات، فالشبح ماثل مع تخوّف فئات عديدة من عودته بلبوس آخر، ولدى فئات عديدة أخرى تريد الانتقام منه وإزاحته ولو بصناعة بديل له.باستخدام مفردات العهد البائد، يظهر الشرع كأنه قام بـ"حركة تصحيحية" انقلب بها على الجولاني. إلا أن هذا الوصف، في الحالتين، يشير إلى براغماتية مطمئنة لجهة ضرورتها لممارسة السياسة، وغير مطمئنة إذا كانت على سبيل اكتساب القبول من أجل الاستفراد بالحكم لاحقاً. المخاوف تتغذى من أن حافظ الأسد أيضاً، عندما قام بانقلابه على زملائه في البعث، حظي بقبول واسع من فئات ترحّب اليوم بالشرع. فالأسد قدّم نفسه وجهاً معتدلاً بالمقارنة مع رفاق الأمس الذين اتجهوا إلى اليسار، تحديداً إلى اليسار الماوي، ما جعلهم يفقدون حتى الدعم السوفياتي. والصورة الرائجة أنه أحسن أولاً مخاطبة البرجوازية السنية وأرضاها، ولولا ذلك لما كان قادراً على الإمساك بالسلطة ثم الاستفراد المطلق بها، وصولاً إلى الاستثمار الطائفي المغاير لما أبداه من قبل.تدبّر الأسد إنجاز وحشه المخابراتي-العسكري على مهل، في حين وجد الشرع الفرصة سانحة أمامه للبدء من الصفر على قاعدة التخلص من ذلك الوحش. هكذا أتى حلّ الجيش وأجهزة المخابرات القديمين متوافقاً مع مطلب سوري كان يُعبَّر عنه بالدعوة إلى إعادة هيكلتهما، لكنّ (كما هو واضح ومعلن) حلّت "هيئة تحرير الشام" مكان "النواة الصلبة" للجيش القديم، وحلّ جهاز المخابرات التابع للهيئة مكان الأجهزة القديمة. ومن دون أن يعني هذا اتهاماً للأجهزة الجديدة، فإن تجربة استثمارها من قبل الأسد تجعل التشكك إزاء الجديد مفهوماً، بما في ذلك التخوف من استثمار طائفي مضاد.
في موضوع الجيش والمخابرات تحديداً، ثمة أسئلة برسم العهد الجديد، لم تكن موجودة في زمن التأسيس الأسدي. فضمن فصائل الجيش الجديد هناك تشكيلات متهمة بعمليات اعتقال واختطاف وقتل ناشطين مدنيين في الثورة، وهناك تشكيلات متهمة بعمليات أقل ما يُقال عنها أنها ثأرية. سلوك عناصر ما كان يُسمى الجيش الوطني في عفرين هو مثال صارخ يتعدّى ما هو فردي، سواء من حيث التمييز ضد الأكراد، أو من حيث ارتكاب جرائم تخضع للقوانين الجزائية، إذا لم يُنظر إليها كجرائم حرب ممنهجة.نظرياً على الأقل، هناك عدد قد لا يكون قليلاً من منتسبي الجيش الجديد الذين سيكونون عرضة للاتهام على جرائم، بموجب دعاوى من حق المتضررين رفعها حتى إذا أُسقطت عن المتهمين دعاوى الحق العام. هذا قد يكون استهلالاً جيداً لإنشاء جيش يحظى بمشروعية وترحيب وطنيين. وهذا العامل يتضافر مع صعوبة بناء جيش من الصفر، بعدما أودت الغارات الإسرائيلية بمعدات الجيش السابق، بصرف النظر عن التقادم التكنولوجي لمعظمها. يبقى، على الصعيد الشكلي، أن الأسد انتقل من فكرة الجيش إلى الميليشيات عبر قوات النخبة المعدَّة لحماية السلطة، والمعلَن أن الشرع يأتي من الاتجاه الآخر، إذ يريد حل الميليشيات لإنشاء جيش نظامي، وهذا ما سيُختَبر عملياً في زمن لن يطول.خارج المنظومة المخابراتية-العسكرية، استولى الأسد على السلطة بانقلاب شديد السهولة، واستولى على مقدرات بلد غير محطم بمؤسساته وبنيته الخدمية والصناعية والزراعية، ولا مثقل بالديون ويحتاج مئات مليارات الدولارات لإعادة الإعمار. المقارنة بين سوريا 1970 وسوريا 2025 تشير إلى وعورة ما ينتظر الشرع إذا سلك سبيل الأسد نفسه، فتجربته في حكم إدلب غير كافية لمداواة بلد بأكمله. وحديث مسؤولة مكتب شؤون المرأة في إدارته، عن الموارد التي ستُجنى مع ضم مناطق سيطرة قسد الحالية، فيه سوء تقدير لموارد سوريا الفعلية، وعدم معرفة أو عدم اعتراف بأن "ثرواتها" الطبيعية أقل بكثير من احتياجات سكانها.ورغم كل يُقال عن أهمية رضا الخارج، وهذا صحيح نسبياً على الأقل، فإن قوى الخارج لم تكن في سوريا كما هو الحال الآن، أي أن الأسد وقت انقلابه لم يكن محكوماً بتوازنات شديدة الوطأة كما هو الحال الآن. على الأراضي السورية الآن، هناك أربع قوى لا تخفي نواياها للتدخل، أو لمعاقبة السلطة الجديدة في حال لم تُنفّذ شروطها. هناك الولايات المتحدة، بوجودها العسكري وسلاح العقوبات الاقتصادية، وتركيا التي ورثت مكان إيران فوق نفوذها السابق، وروسيا بقواعدها العسكرية وديونها، وقبلهم وبعدهم إسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه هو عمّا إذا كانت الظروف الاقتصادية الكارثية وحضور قوى الخارج يسمحان للشرع بأن يقتفي أثر الأسد.كان حافظ الأسد، في أفضل أيامه، يتقرّب من السوريين لا عن خبث فحسب، بل عن حاجة حقيقية لاكتساب شرعية داخلية، وقد نال الأخيرةَ بعد حرب تشرين إلى أن تدخل في لبنان. ويجدر التوقف عند واقع أن الأسد استغنى عن التودد للسوريين عندما صار له وزن إقليمي بعد دخوله لبنان، ومنذ ذلك التاريخ بدأت مخابراته حملات الترهيب والاعتقال الكبرى، أي أن علاقته الجيدة بالخارج تُرجمت استقواءً على السوريين بالثقل الإقليمي المكتسب. هذا ما يخشى سوريون كثر تكراره اليوم من الجهتين، من جهة الشرع الذي يُخشى أن يغلِّب رضا الخارج على رضا الداخل، ومن جهة قوى الخارج المؤثِّرة التي يُخشى ألا تتحلّى ببعد النظر في العلاقة مع السلطة، وهذا ليس بغريب عن سياساتها.
إلا أن خشية السوريين من تغليب اعتبارات الخارج على الداخل قد يكون مبالغاً فيها، لأن إهمال السوريين لم يعد ممكناً على النحو الذي كان ممكناً قبل نصف قرن. فقد استلم حافظ الأسد السلطة في بلد أُفرِغ من السياسة بانقلاب البعث، والحراك شبه الوحيد بين عامي 1963 و1970 هي عداوات الرفاق فيما بينهم. أما الآن، فالشرع إزاء سوريين خاضوا تجربة مريرة وشاقة منذ انطلاق الثورة عام 2011، والذين شاركوا فيها (والذين لم يشاركوا أيضاً) يرون أنهم دفعوا ثمناً يعفيهم من العودة إلى ما يشبه حكم الأسد.من المستحسن التوقف ملياً عند العبارة الأخيرة، لأن المقارنة بين الأسد والشرع تستحضر الفوارق الفردية بينهما ومجمل الظروف العامة، من دون توقف كافٍ عند السوريين أنفسهم، رغم أنهم (ضمن تحول ديموقراطي منشود) هم المناط بهم تبديد المخاوف من شبَه محتمل بين الأسد والشرع، بصرف النظر عن إسلامية الثاني منهما. ولعل أزمة الثقة بين السوريين، فوق ما قد يكون قلة ثقة بالنفس، هي المصدر العميق للخشية من تكرار الماضي.
السوريون اليوم لا يُقارنون بما كان عليه الأسلاف قبل نصف قرن، لجهة المعرفة وما يُبنى عليها، وتحديداً لجهة الخبرة بالاستبداد، وهذا ما يؤهّلهم لعدم التخوّف من الآتي، لولا أن هناك ما يستدعي المخاوف بوجود أصحاب رؤوس حامية يريدون الثأر من الماضي الأسدي بالتحريض على اصطناع أسد للسنة، وهو ما يعزز في المقابل رؤوساً حامية خذلها الأسد بهروبه. وفيما عدا هؤلاء على الجانبين هناك كتلة هي الأوسع لم تنتقل إلى ما بعد سقوط الأسد، إما بسبب هول الصدمة، أو بداعي الفرح. من المرجّح أن هذه الشريحة المتعددة الواسعة لا تريد العودة إلى الاستبداد، إلا أنها لم تختبر بعدُ فعاليتها السياسية، ولم تمتلك التجربة التي تجعلها واثقة من قدراتها.فيما مضى، كان الكثير مما يُنسب إلى حافظ الأسد، من حنكة ودهاء... إلخ، يجد تبريرُه الأهم (الذي لا يُفصح عنه) في غياب السوريين أولاً، ثم في القدرة على تغييبهم. ولا تزال ماثلة في أذهان كثر من السوريين تلك الصورة التي اصطُنعت لبشار الأسد، ثم هوت وتلاشت ما أن انطلقت الثورة ضده. اليوم ثمة فرصة (بالسياسة) ليتخلص السوريون من شبحي الأسد الأب والابن، ومن ذكرى استغفالهم مع انقلاب الأول، وبها أيضاً (بالسياسة وحدها) يستطيع الشرع أن يصنع لنفسه صورة تستبعد المقارنة بتلك الحقبة السوداء.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top