لا يزال الحدث السوري يحتل مكاناً بارزاً في عنايون مواقع الإعلام، وسيبقى كذلك إلى أن ينجلي الضباب المحيط بمآل سوريا، نظاماً ومجتمعاً وجغرافيا. ويتلازم الخبر السوري بالضرورة مع ذكر الأطراف التي خرجت خاسرة من سوريا. لكن ذكر إيران على رأس قائمة الخاسرين، يترافق دائماً مع المقارنة بين الوضع الحالي للنظام الإيراني، وبين نظام الأسد في أيامه الأخيرة. كما يترافق مع التوقع بأن يكون نظام الملالي هو المستهدف التالي بعد نظام الأسد. والعوامل التي تدفع لمثل هذا التوقع ليست مقتصرة على وصول ترامب إلى البيت الأبيض ولا ضرب المفاعل النووي الذي تستعد له إسرائيل علناً وتكاد تعلن موعده، بل يتصدر قائمة هذه العوامل الوضع الداخلي الإيراني، وارتفاع مستوى هشاشته بعد الخروج من سوريا وضياع المليارات التي كان يمكن أن تنفق على تحسين ظروف حياة الإيرانيين. ويبدو أن خروج إيران من سوريا ـ-واسطة العقد في "محور المقاومة"- زاد من شهية المتربصين بنظام الملالي وتكسير ما أمكن من جوانحه في الداخل والخارج. حتى إدارة بايدن المغادرة بعد أيام تبحث في أمر توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، بعد أربع سنوات من محاولات كبح جماح إسرائيل المتلهفة لتوجيه مثل هذه الضربة. وقد تكون اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين إيران وروسيا التي سيتم التوقيع عليها في 17 الجاري في موسكو، قد اثارت قلقاً فعلياً في واشنطن، سيما وأنها تتضمن بنداً يلزم أي من الطرفين الموقعين بدعم الطرف الآخر في حال تعرضه لاعتداء طرف ثالث.
وفي 18 الشهر الماضي افتتحت هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني التركية TRT خدمة بث باللغة الفارسية تغطي إيران وجمهوريات آسيا الوسطى الناطقة الفارسية. وحسب موقع الخدمة الروسية في haqqin الأذري في 2 الجاري، أثارت الخطوة التركية قلق إيران. ومع أن السلطات الإيرانية الرسمية لم تعلق حتى الآن على الخطوة التركية، إلا أن الإعلام الإيراني المرتبط بالحرس الثوري يعبر عن قلق جدي، ويعتبر الخطوة تهديداً محتملاً لأمن إيران التي تراجع نفوذها في الشرق الأوسط بعد الأحداث التي وقعت في لبنان وسوريا، حسب الموقع.
نقل الموقع عن الخبير الإيراني في السياسة الخارجية والقضايا الاستراتيجية نافيد كمالي قوله في مقال للمطبوعة Iranian Diplomacy التابعة للخارجية الإيرانية، قوله إن تركيا تهدف بخطوتها هذه إلى "خلق المشاكل لإيران".الخبير الروسي بالشؤون الإيرانية المعروف Nikita Smagin ( نشر منذ حوالى الشهر كتاباً تحدث فيه عن الحياة في ظل نظام تسلطي تيوقراطي) نشر في 27 الشهر المنصرم على موقعه في الفايسبوك، تعليقاً على نبأ تحديد موعد التوقيع على اتفاقية التعاون الاسترايجي بين روسيا وإيران. استبعد الخبير أن ترتقي الاتفاقية بالعلاقات الحالي بين البلدين إلى مستوى أعلى، بل رأى فيهاً تثبيتاً لواقع التعاون الاستراتيجي الراهن. لكن ما ستؤدي إليه الاتفاقية بالتأكيد هو طفرة من المشاعر المعادية لروسيا في إيران. فالجمهور الإيراني، الذي يكره بمعظمه نظام الملالي، يوجه اللوم إلى موسكو لدعمها نظام خامنئي. وثمة اعتقاد شائع في إيران بأن نظام خامنئي كان ليسقط منذ مدة طويلة لولا روسيا وبوتين. وإذا ما اندلعت احتجاجات جديدة فجأة في إيران، فلا ينبغي أن نفاجأ بكتابة "الموت لروسيا" على السفارة في طهران. فروسيا تدعم في إيران بشار الأسد ذاك نفسه الذي يكرهه الإيرانيون.صحيفة NG الروسية نشرت في 19 الشهر المنصرم نصاً تحدثت فيه عن قرب اندلاع احتجاجات الإيرانيين على الإنقطاع الدوري في التيار الكهربائي. نقلت الصحيفة عن الناطقة بإسم الحكومة الإيرانية فاطمة المهاجراني قولها إن قطع التيار الكهربائي ودعوة الإيرانيين للاقتصاد في استخدام الطاقة، هي خطوات تفرضها سياسة الحكومة في دعم الإنتاج الصناعي في البلاد، المهدد بالتوقف بسب النقص في الموارد. وأضافت المهاجراني بالقول إن الإدارات المعنية تعمل على تخفيض فترات التقنين إلى الحد الأدنى.
أشارت الصحيفة إلى أن السلطات الإيرانية سمحت بقطع التيار الكهربائي عن المنازل والشوارع والأوتوسترادات. ونقلت عن قناة التلفزة الإيرانية المعارضة Iran International قولها إن 18 محافظة إيرانية (من 31 محافظة) في حالة عزلة بسبب الإنقطاع في التيار الكهربائي. ويتم في كل مكان إغلاق مؤسسات تربوية ومرافق إدارية، وتتزايد الدلائل على أن المناطق الصناعية في البلاد لا تزال تواجه مشكلة الإنقطاع في التيار الكهربائي.
قالت الصحيفة إن السلطات الإيرانية ليست في عجلة من أمرها لمصارحة المواطنين بالسبب الحقيقي الذي أدى إلى هذه الأزمة الشاملة. ودعا الرئيس الإيراني مواطنيه إلى الاقتصاد في استخدام التيار الكهربائي، وذلك بارتداء الملابس الأكثر دفئاً في المنزل، والاستعمال الأدنى للمدافئ. وتقدم باعتذاره من الإيرانيين، ووعدهم بمعالجة المشكلة السنة المقبلة.نقلت الصحيفة عن المنصات الإيرانية المعارضة توقعها بأن الاستمرار في إجراءات التقشف في فترة درجات الحرارة المنخفضة، بوسعه أن يؤدي إلى اندلاع احتجاجات واسعة النطاق في إيران. وأشارت إلى "احتجاجات المحروقات" التي هزت إيران في فترة 2019-2020، وتطورت بسرعة حينها إلى حركة مناهضة للسلطة، ودعت إلى إسقاط النظام السياسي.
وترى الصحيفة أن وضع إيران الضعيف في الشرق الوسط الآن، هو نتيجة للضعف الذي أصاب "محور المقاومة" إثر ما عصف بلبنان وسوريا. وتزيد الطين بلة التحقيقات الدورية التي تنشر في الأشهر الأخيرة، عن حجم الموارد التي ينفقها الحرس الثوري على دعم المجموعات الموالية في المنطقة، مثل حزب الله. ونقلت عن وكالة رويترز إشارتها منذ مدة قريبة إلى أن الحرس الثوري يسيطر على ما يقرب من نصف عائدات النفط الإيراني.صحيفة القوميين الروس المتشددين SP نشرت في 15 الشهر المنصرم نصاً بعنوان "بيريسترويكا أو عودة الشاه؟ ما الذي ينتظر إيران بعد سقوط الجمهورية لإسلامية"، وأرفقته بآخر ثانوي "ضعف "محور المقاومة" ينبئ بتغيرات داخلية في إيران".
عناوين نص الصحيفة لا تشي بمضمونه. فالقوميون الروس يرون في كل حراك شعبي ضد نظام تسلطي صديق لروسيا بوتين، "ميداناً" أوكرانياً آخر يقف وراءه الغرب الجماعي بزعامة الولايات المتحدة. فالحدث السوري وتأثيراته المحتملة على الوضع الداخلي في إيران، لم يشغل سوى بضعة أسطر في مطلع النص، نقلت فيها الصحيفة عن وزير الخارجية الإيراني قوله إن بلاده كانت على إطلاع على مخططات أميركا وإسرائيل لتنشيط المجموعات المسلحة في سوريا. واستهجنت كيف أن إيران التي كانت على إطلاع على هذه المخططات، لم تفعل شيئاً لتفادي "الأزمة السورية". والبريسترويكا والتغيرات التي تحدث عنها العنوان، رأتها الصحيفة أنها قد تكون نتيجة لصراع النخبة الحاكمة الإيرانية على خلافة المرشد الأعلى العجوز معتل الصحة، ولا علاقة للاحتجاجات محتملة الوقوع بمثل هذه التغيرات.
وقالت الصحيفة أن الصراع على السلطة في إيران الذي يدور خلف ظهر المرشد الأعلى، يقود بالبلاد إلى طريق البريسترويكا، التي تراها بأنها الانفراج مع الغرب والتغييرات في أسس الحياة الداخلية. وترى أن طريق البريسترويكا يمكن أن تؤدي بإيران إلى المصير عينه الذي لحق بالاتحاد السوفياتي. وترى الصحيفة أن البريسترويكا الإيرانية تعني نمو النزعة الانفصالية وانهيار البلاد، خسارة للدولة الحالية، التحول الكامل نحو الغرب وحتى استعادة النظام الملكي.