2025- 01 - 05   |   بحث في الموقع  
logo عبدالله: المطلوب رئيس توافقي يطمئن هواجس الأفرقاء اللبنانيين logo الذكاء الاصطناعي الطَرَفي (Edge AI): الخيال العلمي أصبح واقعاً logo بيرقدار: يمكن إيصال الغاز القطري لأوروبا عبر سوريا وتركيا logo انخفاض بدرجات الحرارة.. ما جديد الطقس؟ logo وفيات راكبي الدراجات النارية ترتفع بشكل كبير بعد مقتل شخص واحد تقريباً يومياً على طرق نيو ساوث ويلز logo قس محبوب في سيدني يكشف عن صدمته بشأن أعماله الخيرية logo كلايف بالمر يتقدم بطلب لتسجيل علامة تجارية باسم “كلايف وبولين بارتي” logo توني أبوت يدعي أن حكومته “أُحبطت من قبل المؤسسة اليسارية”
المراقد الدينية في سوريا في مرآة الإستشراق
2025-01-03 11:55:45

كان الهاجسُ الطاغي على المراقبين والإعلاميين وبعض الملل الدينية، عقب دخول المقاتلين من الشمال السوري إلى أرباض دمشق، الخشيةَ على مصير المراقد الدينية، لا سيما مرقد الست زينب، من عبث المسلمين الدواعش. وذلك بناء على ما انقضى من أمرهم، قبل انكفائهم السابق، وانحسارهم عن مدن ودساكر خسروها، أمام الآلة العسكرية للنظام الأسدي وحلفائه الدوليين، والميليشيات الرديفة، والنصيرة له. في حين تبين أنّ المقاتلين الزاحفين على المدن الكبرى، لا سيما العاصمة، وإنْ كانوا من الفصائل الإسلامية، إلا أنهم يختلفون عن أفراد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المشهورين بعدائيتهم وتحريماتهم المتشددة للمزارات الدينية، واتهامهم من يرتادها بالكفر أو الشِرك. ولوحظ بعد وصول أنصار الفصائل هذه ومن يواليهم، مراعاتهم في سلوكهم المبادئ الأساسية في الإسلام، والذوق العام في هندامهم البسيط الشائع. وخطابهم المتداول الأقرب إلى الاعتدال.وكان بالحري على هذه العقول الخائفة الوجلة مما ينتظرها، أن تلتفت إلى استرداد حقوق الناس، وحرياتهم التي انتهكها العهد البائد. أما وأننا نعيش كطوائف أكثر من عيشنا كمواطنين، فإنه من البديهي أن يشغلنا مصير معابدنا، وخوفنا على مقدساتنا من التدنيس والامتهان. وليس جديداً علينا هذا الحرص على تبجيل الأولياء والصلحاء الذي يبلغ أحياناً مرتبة التأليه، فقد وَجد في بلادنا وثقافتنا التربة الخصبة لنموه واستمراره. وليست هذه الظاهرة التقديسية التبجيلية تختص بفئة، أو طائفة دون سواها، بل إنّ التمعّن في أصولها ودورها تجعلنا نتجاوزها، إلى ما هو أبعد من كونها مجرد شعيرة دينية، بل إلى اعتبارها ظاهرة مجتمعية سياسية، تسهم بقسط وافر في بلورة الهويات الطائفية من خلال عملية تأطير، تُستخدم بشكل متكرر للتعبئة الاجتماعية والسياسية، وتوفّر مفردات سردية ومفاهيمية تخلق أساساً صلباً لتكوين "نحن" مقابل "هم".وفي مجتمعاتنا الدينية تمثّل المعابد والمراقد والمزارات المرتكزات المعمارية التي تحظى بالمهابة الروحية، وتؤكد على الثنائية المكانية المتعارضة والموروثة في مختلف الحضارات التقليدية، بين الأرضي والسماوي، بين المدنس والمقدس، بين المتجانس والمغاير. وعليه، تحاول كل طائفة أن تحوز على فضائها المكاني الذي تكرّسه خالصاً لها من كل دنس. وسبق للرحّالة الملّاح الإيطالي، كريستوف كولومبوس، المسيحي، أنّه كان يختار لكل بقعة من الأرض التي يستولي عليها اسم أحد قديسي المسيحية، كضرب من ضروب الاستيلاء الرمزي، وتكريسها أرضاً مسيحية مطهّرة.بيد أنّ المزارات الدينية عندنا، وبعضها لا يضم في أرجائه أي ضريح حقيقي، تعمل مع ما يلحق بها من مراكز اجتماعية ودينية وثقافية كمنصة سياسية. وتقوم على التنازع مع سائر الطوائف الأخرى، ومنافستها المحمومة على السلطة والموارد المالية والاقتصادية. وتعتمد هذه الإطارات التعبوية على الرموز والعوائد الموروثة، والمشاركة في الطقوس المقننة والدورية، بوصفها واجباً أخلاقياً ودينياً.وكما لفت نظر المستشرقين ظاهرة الأولياء في المغرب العربي، والمراقد العراقية، فإنّ بعضهم يمم شطر بلاد الشام لدراسة أحوال الناس الذين يعيشون حول المراقد، أو يرتادون أنحاءها ملتمسين البركة، أو الشفاء من عللهم. ومن أشهرهم الباحثة الفرنسية صابرينا ميرفان، التي تنقلت بين لبنان وسوريا، وما زالت حتى اليوم بكامل نشاطها وحيويتها، ومتابعتها اليومية لما يجري من مستجدات في سوريا. وقد قرأتُ منذ أيام في صفحتها، وهي مغتبطة بسقوط بشار الأسد: mabrouk à tous les syriens (مبروك لكل السوريين). وموضوعها الأثير الموضوع الشيعي المعاصر. وقد أنجزت في التسعينات أطروحتها عن حركة الإصلاح الشيعي - علماء جبل عامل، وانتجت أشرطة وثائقية، عن الطقوس الشيعية. وهي زميلة باحثة في المركز الوطني للبحوث العلمية. ومن القلائل العاملين في المجال الشيعي منذ العام 1979.وفرض عليها التمددُ الإيراني وتأثيراته في وضعية العرب الشيعة في سوريا، إشكالياتٍ فكرية وسياسية ودينية، لا سيما تعامل المحيط الشعبي السني الأكثري معهم، عقب ازدياد النفوذ الإيراني في صناعة القرار السياسي والعسكري، داخل منظومة الحكم السوري الأسدي العلوي. وبؤرة التحوّلات كانت في الدور الذي أدّاه مقام الست زينب، مع وجود مقامات أخرى أقل أهمية، مثل ضريح السيدة رقية القريب من المسجد الأموي، الذي تمّ تجديده بأموال إيرانية. وأضرحة عمار بن ياسر، والسيدة سكينة، وحجر بن عدي.ومع صعود الشيعة إلى السلطة في العراق، شكّلت التيارات الشعبية المؤيدة لهم، رغم التباين بين الثقافة الفارسية الوافدة، وثقافتهم العربية الأصيلة، كتلة متماسكة ومتجانسة يقودها نظام الولي الفقيه في طهران. لكن السياسات الإيرانية المتغلغلة في أوساط الشيعة العرب، طرحت في كل بلد من بلادهم معضلة تشكيل خطاب سياسي، يجمع بين النموذج الإيديولوجي الإيراني الثابت والعابر للحدود، والنموذج الوطني الذي يراعي خصوصية الطوائف الأخرى التي تتقاسم مع أبناء بلدها العيش والعمل. وفي سوريا، كانت المعضلة أعمق أثراً، حيث أشرفت الدولة الإيرانية على الأنشطة الدينية الشيعية قاطبة، مثل إنشاء الحوزات الدينية التربوية والدعوية، وعملت على بناء شبكات جهادية تتوزع بين بلاد الشام والعراق واليمن، كصمامات أمان داخلياً وخارجياً، لضمان هيمنتها على مقدرات العالم الإثني عشري، وإمكاناته البشرية والعلمية.وشكّلت منطقة الست زينب مع الوقت، رغم نفور قاطنيها الأصليين من التدخّل الإيراني المتواطئ مع نظام مكروه لديهم، مرتكزاً جغرافياً، وحصناً عسكرياً، تحتضنه بُنية شيعية مدنية حول المقام، متعاطفة معه، وداعمة لبناء ممر إيراني عسكري يمتد من الشرق إلى الغرب، لكن التطورات الميدانية المتسارعة، في المدن السورية المنتفضة على الحكم من جديد، والهجمات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، وعلى ضواحي دمشق، ما لبثت ان أطاحته.وتذكر صابرينا ميرفان أنّ المموّل لرحلات زوار مقام السيدة زينب وتنقلاتهم بالحافلات، كان أحد رجال الأعمال السوريين الأثرياء المقرّب من آل الأسد، ويدعى صائب النحاس، وشركته السياحية (ترانستور) هي الوحيدة المرخّصة لرعاية الزوار الشيعة.أما المدينة فكانت في الأصل قرية صغيرة متواضعة، تسمى راوية، ولم يكن يتجاوز سكانها المئتي نسمة من المزارعين. وقد توسّعت عقب نكبة فلسطين التي هاجر بعض سكانها القريبين من الجولان إليها، لا سيما بلدة الفوعا، وشكّلت حينذاك جزءاً من المخيمات الفلسطينية، قبل أن تجتذب الزوار المتبرّكين، وتتحوّل مع الوقت إلى مركز تبشيري، تنطلق منه المظاهر الحسينية، والمسيرات الكربلائية. وعقب هذا التطور المتزامن مع النهوض الإسلامي في العالم، حظي المقام الديني الزينبي، باهتمام دوائر الغرب الجامعية المهتمة بالمناهج الإناسية (الانتربولوجية) الدينية. وآخر هذه الدراسات الحديثة، هي "على خطى السيدة زينب" للمستشرقة في جامعة تورونتو: أدث اندريا الك زانتو، التي عاشت فصول الثورة السورية الأولى قبل إجهاضها، ووصفت بدقة الطقوس داخل المقام. وركّزت على بدايات الصراع بين الشيرازيين والخمينيين على إدارته، والإشراف عليه، وعلى موارده المالية، وما يرتبط به من حوزات لتدريس العلوم الشرعية. وفي رأيها إنّ المرقد وسواه من مراقد ومزارات في العالم الإسلامي، هي أمكنة لبناء الهويات المذهبية الجماعية، المترافقة وعملية إحياء مستمرة. وترى المستشرقة زانتو دوراً متعاظماً لما تسميه الوعي الزائف بتحقيق الأمنيات المنشودة، عند تقديم النذور لأضرحة الأولياء والقديسين، بما فيهم ضريح الست زينب، ابتغاء التعافي، أو تجنّب ما يحدثه الجن والأرواح الشريرة من أذى وضرر، أو زيادة في البركة والنعمة. وتمثّل الأحلام أحد العناصر المهمة التي تدفع الأفراد إلى تقديم النذور للمقام بهدف إظهار الولاء والاستقامة الدينية، وكذلك بغاية الكشف عن الحظوظ، وما يخفيه المستقبل. وتزداد أهمية هذه السلوكيات في أوقات الحروب والملمّات والتفكك الاجتماعي. وعليه، فإنها تصف ما شاهدته من ممارسات طقوسية، مثل التطبير واللطم، وما سمعته من روايات عن معاجز وكرامات متخيلة ومتواترة. وتقارن بين مدينة الست زينب التي تقول عنها إنها مدينة شيعية تقليدية، تتجه نحو الشرق. بينما مدينة دمشق، رغم عراقتها التاريخية، فهي حديثة وتتجه نحو الغرب.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top