2025- 01 - 05   |   بحث في الموقع  
logo دفعة ضخمة من تدابير تكلفة المعيشة ستدخل حيز التنفيذ اعتباراً من شهر يناير logo النصائح الخمس لتوفير المال قد تعيد آلاف الدولارات إلى جيبك في عام 2025 logo 20 في المائة من أصحاب العمل يخشون قوانين العمال الجديدة logo الهوة بين حماس وإسرائيل عميقة.. ونتنياهو يسعى لصفقة جزئية logo اشكاليات الحدود معبر الرسائل السياسية بين لبنان وسوريا logo ناشطون مسيحيون: من سوريا الغضب إلى سوريا العيش الواحد logo وثيقة سوريّة جامعة بحبر "مسيحيّ" logo والنقابات السورية أيضاً بحاجة إلى ثورة.. نقابة الفنانين مثالاً
في صيدنايا الأحمر: التعذيب الشيطاني والطّبيب الذي يقتل المرضى
2025-01-03 10:25:43


"التغت عقوبة الدّولاب .. فعّلنا عقوبة تكسير الإيدين". هذا ما قاله المُساعد منهل حبيب سليمان، مُساعد ضابط الأمن في سجن صيدنايا الأحمر، في الشّهر الثّالث عام 2020 لمعتقلي أحد المهاجع، ومن بينهم الشّاب محمود موصلي، الّذي حدّثنا عن معاناته ومعاناة كل شاب كان معه في الدّاخل مع رحلة التّعذيب.الحرق ببلاستيك مشتعليقول محمود: في فترة بقائي في السّجن أذكر تماماً أسوأ شهرين مرّوا علينا، كانوا لا يسمحوا لنا بالحركة أو النّوم أو الأكل إلّا بإيعاز منهم! فعندما دخل المُساعد منهل حينها، أكّد لنا بأنّه إذا أردت أن تخسر يديك تحرّك أو اهمس أو تكلّم. يمنع عليكم فعل أي حركة إلّا عندما أقول. وكان كل حديثه يترافق مع الشّتائم والإهانات. وبدأت من هذا اليوم المعاناة. ففي كل صباح عندما يحضرون صينيّة الطّعام يضعونها في الخارج ثمّ يفتحون الباب ويطلبون منّي وضعها أمامنا، ولكن ممنوع علينا الاقتراب منها أو تناول الطّعام لحين يقرّروا، وإذا لم يقرّروا تنتهي مهلة الطّعام ويسحبون الصّينية كما هي.
يُكمل محمود بحسرة، كنت رئيس المهجع حينها، وكان يُطلب منّي كلّ يوم إخراج المُخالفين، وبالحقيقة لم يكن يوجد أي أحد قام بمخالفة أي أمر، فبكلّ تأكيد لا أحد يتجرّأ على ذلك. كان المساعد يَطلب منّي إحضار أكبر عدد من المُخالفين ويكون معه عدد كبير من الشّبيحة للمساهمة في تنفيذ العقوبة.
يكون العقاب أنّه يحمل "البينسه" (الأداة الّتي يفكّوا بها مصفاة زيت السّيارات)، وبعد جعلنا نمدّ أيدينا أو قدمينا من تحت باب الحديد، يقوم بقلع الأظافر. وممنوع أن تسحب يدك لأنّه يقوم بضربك بعصاة الكهرباء أو بحرق يديك ببلاستيك مُشتعل."إبرة هواء"بدأت قصّة محمود عندما نُقل إلى سجن صيدنايا الأحمر في سيّارة القفص، والتقى هنالك بشابّين كانا وفقاً لوصفه "إعادة تحقيق". قالوا له يجب أن تضع رأسك على البلاط عندما ما تدخل، ممنوع أن تنظر إلى أحد، وممنوع أن تتلفّت يميناً أو يساراً. يُخبرنا محمود: عند دخولي قضيت ثمانية أيّام في المنفردة، والّتي كانوا يضعون فيها أربعة شباب، لكنّ مساحتها فقط متر ونصف بمتر ونصف. يتركوننا أوّل يومين من دون طعام أو ماء، وبعدها "إذا حنّوا علينا" يُحضِرون لنا رغيف خبز وقطعة بطاطا، فقط لنبقى على قيد الحياة ريثما ينتهي التّحقيق.
"ماذا أُخبرك. هل أتكلّم عن الجوع، أم عن الضّرب والتّعذيب، أم عن الإهانة والشّتائم الّتي كنّا نتعرّض لها بمجرّد دخولهم علينا. كان التّعذيب بشكل يومي، وعلى مزاجهم. وبكثير من الأحيان من دون أيّ سبب. فتخيّلي أنّه إذا لم يعجبهم شكلك كانوا يقومون بجلسة تعذيب خاصّة.
فقدت الكثير من رفاقي أمام عيني تحت التّعذيب، فضلاً عن رفيق لي مات بين يديي، ففي أحد الأيّام ارتفعت حرارته، وقلنا له دعنا نُخرجك إلى الجولة الطبيّة، فقال أرجوكم لا تفعلوا. كان يخاف من الطّبيب، ذلك الطّبيب الّذي عرفت فيما بعد أنّه جزّار. وعندما ارتفعت حرارة صديقي، بقي فقط ثلاثة أيّام على قيد الحياة. في اليوم الثّالث من مرضه اضطررنا إلى إخراجه للطبيب، أعطاه إبرة. وأدركنا فيما بعد أنّها كانت "إبرة هواء". وعندما عاد إلى المهجع طلب منّا أن يأكل ويشرب، فلم يكن لدينا شيء. ثمّ بعد ساعات قليلة فارق الحياة بين يديّ وهو جائع.الطبيب الجزّار يغص محمود ويحاول أن يكمل حديثه، "نعم .. إنّه الملازم أوّل لجين عبدالله خير بيك الطّبيب الجزّار، الّذي قتل كثيراً مِنّا، كان صوته مخيفاً، وكان مُقنّعاً كي لا يتعرّف أحد على ملامح وجهه. نجوت من الموت تحت يديه ثلاث مرّات. في إحدى تلك المرّات، كان يريد فحصنا، ليرى من مِنّا ضعيف فيكمل عليه وينهني حياته. جعلنا نخلع ملابسنا، ونبقى بلا حتّى ملابس داخليّة، وبما أنّي كنت رئيس المهجع طلب منّي أن أدقّ على كتف الشّباب واحد واحد بالتّتابع، كان الجميع خائفاً، حتّى من صوته. وعندما بدأت بتنفيذ أوامره وضربت على كتف أوّل شاب، من شدّة الخوف اندفع خمسة وراء بعضهم، وكانت تلك لحظة غضب الله عليّ".
"كانت العقوبة لي، لأنّه اعتقد أنّي جعلت الخمسة يذهبون دفعة واحدة، كان ينوي إنهاء حياتي، بدأ بضربي بعصاتين على كل مكان في جسمي، حتّى رأسي لم يسلم وسالت منه الدّماء. وبعد ذلك كانت الضّربات متتالية على صدري، 14 ضربة بقدمه، الّتي كان يرتدي فيها حذاء من حديد. كان ذلك الحذاء مخصّصا للتعذيب، يضربنا به في كل مكان ولا يهتم. ممكن أن تكون الضربة على العين أو على الرّأس وقد تنهي حياتك. لم يكتفِ بذلك، أكمل ضربه، وكانت الضّربة القاتلة تقريباً بالنّسبة لي على خاصرتي. بقيت بعد ذلك ثلاثة أشهر لا أستطيع التحرّك ولا أقوى النّهوض من الأرض حتّى إلى الحمّام".الإعداماتبعيداً عن التّعذيب الّذي كان محمود يتعرّض له، كان أصعب ما عاناه وفقاً لتعبيره، أنّه بقي ثلاث سنوات ونصف السنة من دون محاكمة.
يقول محمود، كنت أعيش برعب يومي، وفي كل ليلة أتخيّل أنّها قد تكون اللّيلة الأخيرة في حياتي، وبعد كل تلك الفترة أُصدر الحُكم بحقّي: إعدام. ولكن إعدام مع وقف التّنفيذ، لحين يرغبون هم بتنفيذه. هذا ما زاد عذاباتي اليوميّة.
ثمّ يحدّثنا محمود عن الإعدامات الّتي كانت تحصل قائلاً: كان الإعدام أسبوعيّاً، تحديداً يوم الأربعاء، كان يحدث في ساحة الدّم "السّاحة الحمراء" كما يسمّونها. يُخرِجونهم إلى غرفة ويقطعون عنهم الطًعام والماء، ولا يخبرونهم أنًهم سيعدمون. ثمّ في ذلك اليوم يقومون بوضع منصّة الإعدام ويقومون بإعدامهم هناك.
يقول لنا أسماء رفاقه الّذي تأكّد أنّهم أُعدموا: الأوّل كان ابن عمّتي وهو شادي الحنتوش. وإلى الآن لم أستطع أن أخبر عمّتي، لأنّها لا تزال تعيش على أمل عودته. شادي أُعدم عام 2021 ومعه ثلاثة من رفاقي: رياض حمّص، فارس فقعة، ومحمد حسن الراعي.
يُكمل محمود، تخيّلي أنّ هناك شباباً قُتلوا في المشفى، فقط لأنّهم أعطوا أسماءهم لسجّان أو لشرطي أو لممرض، بمشفى تشرين العسكري أو بمشفى قطنا، على أمل إيصال أي خبر لذويهم.
أولئك الشّباب قُتلوا بالفعل، أمّا محمود ورفاقه فكانوا يُقتلون باليوم مئات المرّات. كانوا بالاسم فقط على قيد الحياة. فقد كانوا يُخرجونهم إلى التّنفّس كل أسبوع وفي بعض الأوقات كل أسبوعين دقيقتين فقط لا غير. يخرجون إلى باحة السّجن مُجنزرين وهم يُضربون ويُهانون. ثمّ يعودون ليتنفّسوا هواء الذّل والتّعذيب في الدّاخل.حدس الأمبعد خمس سنوات انتهت معاناة محمود، تحرّر هو ومن بقي من رفاقه حيّاً. ذهب إلى منزله وهو بوعيه، استقبلته والدته الّتي فقدت ابنها الأوّل ببرميل متفجّر سقط على منزله، وابنها الثّاني الّذي لا تعرف عنه شيئاً إلى الآن، ولكنّ محمود أخبرنا أنّه عَلِمَ أنّهم أعدموه، ولم يخبرها إلى الآن. وابنها الثّالث عاد إليها حيّاً يرزق.
بدموع هامرة استقبلتنا أم محمود وقالت لنا: "والله العظيم يا بنتي شفتن عميفتحوا باب سجن صيدنايا، شفت ابني طالع عايش. والله يا بنتي صدقيني والله العظيم شفتن فتحوا البواب"، تعبيراً منها عن رؤيتها لما كان سيحدث قبل حدوثه. أمّا من حولها فظنّها فقدت عقلها أو أنّها تهلوس. ولكن حدس الأم لا يخيب ويقينها بأن ولدها سيتحرّر كان أكبر من كل شيء. فقد صدق إحساس أم محمود وعاد ابنها لأحضانها.
أم محمود فرحت بعودة ابنها، ولكنّ هناك عشرات آلاف الأمّهات اليوم ينتظرن عودة محمودهم.


المدن



كلمات دلالية:  محمود ال تي أم الت أي الث الط
ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top