اتجهت الأنظار والاهتمامات في المنطقة والعالم، وفي لبنان على وجه الخصوص نحو التطور الدراماتيكي الذي حدث في سوريا وتمثل في فرار رأس النظام السابق بشار الأسد الى روسيا، ما ادى الى سقوط النظام بأكمله على يد تحالف هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع. هذا التطور الذي اعتبره كثر بمثابة زلزال دمر النظام السابق والبنية السياسية والسلطوية في الدولة والنظام السوري، اعتبره اخرون بمثابة سقوط جدار برلين الذي كان فاتحة تحول في أوروبا والعالم وتحديدا أوروبا الشرقية.
من الطبيعي، ان يكون الاهتمام في لبنان بالحدث السوري، مضاعفا ومكثفا لاكثر من سبب وسبب. وتحديدا بسب تاثر لبنان بشكل مباشر بالتطورات في سوريا. ليس الان فقط، بل عبر تجارب التاريخ المتعددة، منذ ما قبل قيام الكيان اللبناني، مرورا بكل التجارب السياسية الماضية، وصولا الى لحظة ولادة لبنان الكبير. لقد ثبت ان هناك اتصالا والتصاقا بكامل الاحداث التي تبعت ذلك وتحديدا ولادة لبنان كجمهورية. بينت الاحداث، كما ان الذاكرة ما تزال طرية بشانها، وماثلة امام اللبنانيين في اغلب فئاتهم، على وجه الخصوص في الخمسين سنة الأخيرة، وتحديدا منذ اندلاع الحرب الاهلية وانطلاق التدخل السوري العسكري والسياسي في لبنان وشؤونه وصولا الى 2005.
لهذه الأسباب فان العيون والاذان اللبنانية شاخصة باتجاه التطورات في سوريا، بسبب تاثر لبنان الشديد، وشبه الالي، بما يحدث في سوريا الان وما يمكن ان يتطور في المستقبل.
خلال فترة سيطرة السلطنة العثمانية التي دامت اكثر من 500 سنة كانت المنطقة التي تضم سوريا ولبنان بمثابة فضاء واحد يعيش عبر ولايتين الأولى مركزها دمشق والثانية صيدا او عكا. وبالتالي فان الفضاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي كان واحدا. وحين اندلعت المسالة الشرقية كانت منطقة لبنان وسوريا تقريبا واحدة في التاثير والتأثر المتبادل.
الجدير ذكره ان فتنة الجبل المؤلمة، 1860، كانت باحداثها حاضرة في جبل لبنان ودمشق في ذات المستوى. بل ان عدد الضحايا من المسيحيين الذين سقطوا في دمشق يومها، كان اكثر من الضحايا والقتلى الذين سقطوا في جبل لبنان.
اتوقف عند هذه النقطة، للاشارة فقط الى الترابط الوثيق الذي كان موجودا بين منطقة جبل لبنان نواة الجمهورية اللبنانية الراهنة، ومنطقة دمشق، حيث يجلس الان احمد الشرع مستقبلا الوفود اللبنانية. وحيث جلس قبله ولاة دمشق تحت اشراف السلطان العثماني الذي ورث الرئيس التركي الحالي رجب طيب اردوغان في القرن الواحد والعشرين كرسيه.
مفارقة دالة جدا، بين البلدين تكمن في ان اعلان لبنان الكبير من على درج قصر الصنوبر، تم في الأول من أيلول/ سبتمبر 1920. بعد ان كانت وقعت معركة ميسلون، وتم فيها القضاء على الجيش العربي السوري بقيادة يوسف العظمة، الرافض لسقوط وعد الدولة العربية المستقلة، بقيادة الشريف حسين، بعد تنصل الدول الأوروبية وتحديدا فرنسا وانكلترا من وعودهما للعرب بدولة واحدة.
أي ان دولة لبنان الكبير، ما كانت لتعلن وتولد بهذه السهولة واليسر والاجماع، لولم يتم قبلها القضاء على الحركة الاستقلالية التحررية العربية في سوريا.
المفارقة الثانية، الدالة ايضا. تكمن في ان انتصار وتمدد وسيطرة قوى الثورة السورية ممثلة بهيئة تحرير الشام بقيادة احمد الشرع، الذي قبض على المدن السورية انطلاقا من حلب مرورا بحماه وحمص وصولا الى دمشق. كان سبقها مقتل امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في لبنان، وتلقي قواته في الجنوب المدعومة إيرانيا، ضربات متتالية وقوية من قبل إسرائيل في لبنان، مما استدعى انسحابها من سوريا.
ما يجب التوقف عنده هنا، ان مقتل يوسف العظمة في 1920 سبق اعلان لبنان الكبير. كما ان مقتل السيد نصرالله وتقهقر قواته في لبنان وتدمير الجنوب والضاحية، فتح الطريق 2024 امام فرار بشارالاسد وسقوط حكم عائلته، وانتصار قوى الثورة السورية بقيادة احمد الشرع ووصولها الى القبض على سلطة دمشق.
الجدير ذكره أيضا ان الثورة السورية الكبرى التي انطلقت بقيادة سلطان باشا الأطرش في صيف 1925، هي التي مهدت الطريق امام الحركة الوطنية السورية للحصول على استقلال سوريا 1941 ما فتح الطريق امام القيادات الوطنية اللبنانية ممثلة برياض الصلح وبشارة الخوري للتقارب وتوحيد الرؤية والعمل بالتنسيق مع القيادات الوطنية السورية انذاك، على استقلال لبنان الذي اعلن عام 1943.
اليوم نحن امام متغير كبير واساسي في سوريا التي قبض على سلطتها احمد الشرع قائد اكبر ائتلاف لفصائل اسلامية متحالفة مع تركيا اردوغان قائد حزب العدالة والتنمية.
الجميع يتابع حركات وتصاريح وتوجهات هذا الرجل الذي كان يلقب بالجولاني وماذا يمكن ان يفعل والى اين يمكن ان يتجه؟
السؤال الان سوريا الى اين؟ لان الجواب سيتجه بشكل مباشر نحو لبنان الى اين ايضاً، انطلاقا من التجربة الماضية وحكم الواقع.
المطمئن حتى الان هو كلام الشرع في اتجاهين:
الاول قوله ان لا فدرالية في سوريا.
والثاني قوله ان لانية لتصدير الثورة السورية الى خارج سوريا. "فنحن نريد ان نبني بلدنا الان".
بالرغم من ذلك ما تزال تجربة سوريا الجديدة محل اختبار وترقب ومتابعة. وبالتالي فان باقي الاسئلة ما تزال مطروحة بانتظار ما تبقى من اجوبة، اذ ان الاكيد ان استقرار سوريا هو استقرار للبنان، وفشل سوريا من المؤكد، انه سينعكس على لبنان المضطرب وغير المسقر حتى الان.