أسبوعٌ واحد، يفصلنا عن الجلسة المرتقبة والمقرّرة في التاسع من كانون الثاني، لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، وفي الوقت الذي يتزايد فيه الضغط على المعارضة لتقديم مرشحٍ قويّ يمكنه توحيد الصفوف وإخراج لبنان من مأزقه السّياسيّ. يبدو أن هناك تخبطًا واضحًا بين الأسماء المرشّحة وتحفظات على تسمية قائد الجيش جوزيف عون، فيما يكتنف التأخير أسبابًا داخليّة وأخرى إقليميّة. وفي ظلّ الاستعدادات لهذه الجلسة الّتي قد تحدّد مسار البلاد للأعوام السّتة المقبلة، تعمل المعارضة جاهدةً للتوصل إلى إجماعٍ حول مرشّحٍ يتمتع بالكفاءة والقدرة الكافيّة على تطبيق الإصلاحات المنشودة.
ولملاقاة هذه الغاية، تستمر الاجتماعات الداخليّة بين القوى المعارضة، على قدمٍ وساق، وبعد الاجتماع الدوريّ لحزب القوّات اللّبنانيّة الذي تمحور حول الانتخابات الرئاسيّة ، عقدت الأطراف المعارضة اجتماعًا بمقرّ كتلة "تجدّد" النيابيّة، حيث تمّ البحث في السّيناريوهات المحتملة واستراتيجيات التفاوض مع الأطراف الأخرى.جهود التوصل إلى إجماعوجاء في البيان الذي تلاه النائب وضاح الصادق بعد الاجتماع تأكيد على ضرورة التخلي عن النهج التقليدي في إدارة البلاد والتركيز على تطبيق الدستور واتفاق الطائف وإجراء الإصلاحات المؤسساتيّة. وأكدّ الصادق في بيانه: "لقد تفاهمنا كمعارضة على خطوات تؤكد على ضرورة التخلي عن النهج والأسلوب السائدين في إدارة وحكم البلاد منذ سنوات طويلة وفتح الآفاق أمام العودة إلى تطبيق الدستور حصرًا والبدء بتطبيق اتفاق الطائف وتفعيل المؤسسات وإصلاحها". وأكد البيان ضرورة استكمال تنفيذ ما اتُفق عليه في اتفاقية وقف إطلاق النار وتقديم شروحات عن الخروقات للبنانيين والإسراع في تسليم السلاح.
وأضاف: "إننا كقوى المعارضة نعي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه كل لبنان من أجل انتخاب رئيس وإعادة إنتاج سلطة إجرائية جديدة بدلًا من السلطة الحالية العاجزة تمامًا وذلك من خلال انتخاب رئيس يتبعه تكليف رئيس حكومة وتشكيل حكومة متجانسة لا محاصصة فيها، لا احتكار طائفي لوزارات ووزراء من أصحاب الكفاءة وأولوياتها سيادة لبنان والإصلاحات البنيوية في الإدارة والاقتصاد والمال ووقف كل أشكال الفساد والهدر لكن هذه الضرورة لا تعني بأي شكل من الأشكال قبولنا بانتخاب رئيس لـ 6 سنوات لا يمتلك كل المواصفات التي تخوله تنفيذ المهام التي تتطلّبها مرحلة العهد الكاملة والتي تشمل بالتوازي: إعادة الاعتبار للدستور وحكم القانون، إستعادة السيادة على القرار والأرض وحصر السلاح بيد مؤسسات الدولة، تطبيق كافة الاتفاقات والقرارات الدولية، القيام بالإصلاحات المطلوبة لمعالجة آثار الانهيار المالي والاقتصادي وإعادة بناء الاقتصاد الشرعي اللبناني وتصحيح علاقات لبنان مع محيطه العربي والمجتمع الدولي".بين التأخير والتنصلومتابعة لمستجدّات وتطورات الملف الرئاسيّ، علمت "المدن" أن التكتم عن الأسماء المطروحة لا يزال الخيار الذي تعتمده غالبيّة القوى المعارضة، ويأتي هذا التوجه كاستراتيجية لتجنب "حرق" الأسماء المحتملة الّتي قد تواجه معارضة شرسة أو تكون محل خلاف بين القوى والكتل المختلفة. بالتالي، يفضل العديد من الأطراف عدم الكشف عن المرشحين حتى اللحظات الأخيرة قبل الجلسة أو حتّى خلالها، مما يسمح بمزيد من المرونة في التفاوض والتنسيق بين الأطراف المختلفة. هذا النهج يعكس حرص المعارضة على حماية مرشحيها من الهجمات السّياسيّة وضمان إمكانية الوصول إلى توافقٍ شامل في اللحظات الحرجة قبل التصويت.
وعلى الرغم من مكانته كقائدٍ عسكريّ يحظى باحترام وثقّة رهطٍ واسع من الأطراف اللّبنانيّة، إلا أن اسم جوزيف عون يواجه تحفظات داخل المعارضة. يأتي هذا التنصل في ظلّ محاولات بعض القوى تجنب تعقيد العملية الانتخابية من خلال اختيار مرشح عسكري، فيما تُشير بعض المصادر إلى أن بعض الأطراف تفضل تجنب ترشيح أسماء من خلفيات عسكرية للحفاظ على صورة مدنية ومحايدة، تعزز فرص التوافق مع مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية في البلاد.
يبدو أن التأخير في تحديد المرشح الرئيسي يعود إلى عوامل متعددة، تتداخل فيها الاعتبارات الداخلية والخارجية. على الصعيد الداخلي، تحاول المعارضة تحقيق توازن بين مختلف التيارات والقوى السياسية، مما يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين للتوصل إلى اتفاق يرضي الجميع. إضافة إلى ذلك، تلعب الديناميات الإقليمية دورًا مهمًا في هذه العملية، حيث تسعى المعارضة إلى تجنب أي تحركات قد تثير ردود فعل سلبية من القوى الإقليمية الكبرى مثل السّعوديّة والولايات المتحدّة الأميركيّة.ضغوطٌ دوليّةمن ناحية أخرى، تلعب الضغوط الدولية دورًا محوريًا في تشكيل المواقف السياسية بما يتعلق بهذا الملف. حيث تسعى القوى الدولية إلى دعم الاستقرار في لبنان، مما يجعل المعارضة حذرة في اختياراتها لتجنب تصاعد التوترات أو فقدان الدعم الخارجي الضروري لتحقيق الإصلاحات. إذا تمكنت المعارضة من تجاوز تخبطها الحالي والوصول إلى إجماع حول مرشح موحد، فقد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الإصلاحات وإعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية.
وإن كانت المعارضة اللبنانية تعيش مرحلةً حرجة تتطلب حكمة وتنسيقًا عاليًا لتجاوز التخبط الحالي واختيار مرشح قادر على قيادة البلاد نحو مستقبل مستقر على الأقل، فإن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار لبنان، فإما أن تنجح المعارضة في توحيد الصفوف وتقديم مرشح قوي قادر على تحقيق الإصلاحات، أو يستمر الوضع الراهن في تأخير الانتخابات، مما يعمق أزمة الثقة ويؤخر الحلول الممكنة لمشاكل البلاد العميقة.