تواجه الدولة اللبنانيّة تحديّات جديدة في قضية الناشط المصري، عبدالرحمن القرضاوي الذي تم توقيفه عند معبر المصنع الحدوديّ قبل أيام، أثناء عودته من سوريا إلى لبنان. وشهد هذا الملف تطورات قضائية متلاحقة سرعت في عملية توقيفه، حيث تسلمت النيابة العامة التمييزية ملفات استرداده من الدولتين المصرية والاماراتيّة واستجوبته اليوم الخميس 2 كانون الثاني، وأصدرت مذكرة توقيف بحقه.
ملف استردادهضغوط عديدة تُمارس على الدولة اللبنانيّة، المتوجب عليها اتخاذ القرار النهائي بحق القرضاوي خلال الأيام المقبلة، أكان لناحيّة تسليمه وترحيله للدول التي تُطالب به أو إخلاء سبيله. وحسب معلومات "المدن" فإن تُركيا تواصلت مع المراجع السياسية اللبنانيّة ومن ضمنهم وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، بسام المولوي، مطالبة بتسليم القرضاوي لكونه يحمل الجنسية التُركية. في المقابل، سارعت الدولتان المصرية والاماراتيّة إلى تحويل ملفات استرداده للقضاء اللبناني بهدف ترحيله من لبنان وتسليمه لمصر أو للإمارات.
قضائيًا، استجوبت المحامي العام التمييزي، القاضية ميرنا كلاس، القرضاوي بملف الاسترداد المتعلق بالبلاغ الاماراتي، على أن تُحدد جلسة أخرى لاستجوابه في الحكم القضائي الصادر عن الدولة المصرية، وبعد انتهاء الجلسة اتخذ المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار إشارة قضائية وأصدر مذكرة توقيف بحقه. ومن بعدها، تُجهز النيابة العامة التمييزية تقريرًا (توصية يُذكر فيها كل تفاصيل هذه القضية وما آلت إليه التحقيقات) يُحوّل للحكومة اللبنانيّة، التي بدورها تُحدد جلسة وزارية لاصدار المرسوم الوزاري مذيلاً بتوقيع وزير العدل، القاضي هنري الخوري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.دوافع قانونيّة لإخلاء سبيلهفي حديث خاص لـ"المدن" أفاد الوكيل القانوني للقرضاوي، محمد صبلوح أنه يتوجب على الدولة اللبنانيّة ترحيله إلى تُركيا التي يقيم فيها وعدم تسليمه إلى مصر أو الامارات، وذلك استنادًا إلى المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، التي صادق عليها لبنان سابقًا وجاء فيها: "لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو الى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب، وأيضًا:" تراعي السلطات المختصة لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك، في حالة الانطباق، وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعيّة لحقوق الإنسان في الدولة المعنيّة". وتابع صبلوح أن المادة 34 من القانون اللبناني واضحة: "يرفض الاسترداد إذا نشأ طلب الاسترداد عن جريمة ذات طابع سياسي، أو ظهر أنه لغرض سياسيّ". لافتًا إلى أن تسليمه لمصر أو الامارات يشكل خطرًا على حياته، وقد طلب من القضاء اللبناني تركه لكونه لم يرتكب أي جرمٍ على الأراضي اللبنانيّة ولبنان يكفل حرية الرأي والتعبير، مؤكدًا أن ما وصل من الامارات هو بلاغٍ فقط وليس مذكرة توقيف أو حكم وبالتالي هذا الأمر يدفع إلى إخلاء سبيله وعدم تسليمه للإمارات".
وتقدّم صبلوح بكتاب رسميّ للنيابة العامة التمييزية محملًا إياها والدولة اللبنانيّة مسؤولية الحفاظ على حياة القرضاوي، في حال أصدر المرسوم الوزاري بإخلاء سبيله، وذلك بالعودة إلى أحداث شهر أيار العام 2023، حين أوقفت السلطات الأردنية المعارض الإماراتي خلف عبد الرحمن الرميثي، لدى وصوله للأردن، وذلك بناءً على طلب الامارات، إلا أن القضاء الأردني أصدر قرارًا بمنع تسليمه للامارات، فاختطفته الاخيرة عبر طائرة خاصة".مكاسب سياسيّة؟وعلّقت مصادر متابعة لمجرى القضية أن لبنان "يتخبط اليوم بين معركة سياسية ومعركة الحريات، فلبنان هو بلد يتغنى بحرية الرأي والتعبير، واليوم يقبع القرضاوي في نظارة قصر عدل بيروت بسبب تعبيره عن آراءه السياسيّة على وسائل التواصل الاجتماعيّ، وبالتالي لا تتمكن الدولة اللبنانية من اتهامه بالتأثير على علاقاتها بدول الخليج لكونه لم يرتكب أي جرم على أراضيها، لاسيما أن حساسية هذا الملف تظهر في محاولة الدولة اللبنانيّة إنتقاء القرار الذي يتماشى مع مصالحها السياسيّة مع دول الخليج، متجاهلةً أسباب الاعتقال التي لا تتخطى التعبير عن الآراء السياسية، فالقرضاوي شخصية أثارت الجدل كثيرًا لكونه يمثل أفكار الإخوان المسلمين، كما أنه هاجم الحكم في مصر وفي دول الخليج ومن ضمنها: السعودية، الامارات".
من جهة أخرى، مؤشرات عديدة يجرى التداول بها تلمّح إلى أن الدولة اللبنانيّة تتجه إلى تسليم القرضاوي إلى الامارات انطلاقًا من مكاسب سياسية قد تنجح في تحقيقها. وحسب معلومات "المدن" فإن هذا القرار قد يأتي بسبب محاولة الدولة اللبنانيّة إرضاء دول الخليج لحثها على المشاركة في إعادة إعمار المناطق التي تعرضت للقصف الإسرائيلي أي الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان والبقاع في ظل الإفلاس التي تعاني منه مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على إعادة الإعمار.
إضافة إلى أن هذا الملف قد يشكل بابًا رئيسيًا لتسوية "لبنانية-اماراتيّة" تتعلق بقضية المعتقلين اللبنانيين الموجودين في الامارات، ما يعني أن يكون القرضاوي ورقة ضغط اماراتية لتسوية ملف المعتقلين وتسليمهم إلى الدولة اللبنانيّة.
وفي الوقت الذي يتخبط لبنان بين معركتي الدفاع عن الحريات وبين مصالح الدولة اللبنانية، وحده المرسوم الوزاري سيُحدد توجهات الدولة اللبنانيّة الواقعة بين خيارين حساسين.