2025- 01 - 05   |   بحث في الموقع  
logo هذا آخر ما كُشف عن موقف “التيار” رئاسياً! logo فيديو لجريمة في الجنوب.. شاهدوه! logo إشكالٌ بين مهربين في الهرمل.. مُعطيات توضح ما يحدث logo أمين سر فريق "قيصر" يكشف هويته...ورحلة توثيق جرائم الأسد logo التهمة: عدم تمجيد الجلاد logo المنتخب البحريني يتوّج بلقب “خليجي 26” logo عن قائد الجيش.. ماذا أبلغ بري الموفد السعودي؟ logo "صحافة التضامن"...لاستعادة الثقة في الإعلام
الاعتقال السياسي بسوريا: حوار مع المترجم عبد الله فاضل
2025-01-02 13:25:45



التقت "المدن" بعدد من المعتقلين السياسيين السابقين المتواجدين في وقفة التضامن مع ضحايا الاعتقال السياسي في ساحة الحجاز بعد ثمانية أيام من سقوط النظام وفتح السجون السيئة الذكر، وكان لها الحوار الآتي مع المعتقل السابق في سجون النظام عبد الله فاضل، حول تجربته وتجربة عائلته مع الاعتقال السياسي. و عبد الله فاضل اليوم أحد أهم مترجمي الكتب المؤسسة للفلسفة النسوية من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية ومنها:(كتاب "اللغز الأنثوي" لبيتي فريدان وكتاب "المرأة المخصية" لجيرمين غرير وكتاب "دفاع عن حقوق المرأة" لماري ولسترنكرافت وغيرها).
- لماذا أنت هنا اليوم؟
أتيت إلى هنا اليوم مع أهالي الشباب الذين اعتقلوا ولم يعرف مصيرهم حتى هذه اللحظة ويرجح أن يكونوا ماتوا أو أعدموا ولم يتم الإعلان عنهم رسمياً، ومن حق الأهل معرفة مصير أبنائهم حتى لا ينسوا ولا تنسى قضيتهم.
- هل لك أشخاص مفقودين؟
نعم ضمن هؤلاء المفقودين لنا عدد من الأصدقاء المقربين أنا شخصياً لدي 25 شخصاً من المقربين المغيبين من هؤلاء الذين لم يعرف مصيرهم حتى الآن، وبقدر فرحتنا بتغيير النظام لكن غصة بالقلب بقوا في حلق أهلهم الآباء والأمهات والأخوة والأبناء، هؤلاء الذين بقي مصيرهم مجهولاً خاصةً أننا نعرف كم التعذيب والقهر الذين تعرضوا له.
- هل تعتبر نفسك ناجياً؟
نعم أنا وعدد من رفاقي نُعتبر من الناجين وفي هذه الوقفة التضامنية اخترت أن أحمل صورة رفيق لنا هو "مضر الجندي" الذي اعتقل سنة 1987 لأنه كان عضواً في حزب العمل الشيوعي وتعرض لتعذيب شديد، وكان مصاباً بمرض الربو بسبب شروط السجن الرهيبة وبسبب ساعات التحقيق الطويلة على الكرسي الكهربائي سيء الذكر ومعظم من تم تعذيبه على هذا الكرسي، يعرف أنه يشكل ضغطاً شديداً على الجهاز التنفسي، مات رفيقنا مضر بهذه الطريقة المؤلمة تحت التعذيب، ولم يتم الاعتراف رسميا بموته، لكننا عرفنا من معتقل آخر اعتقل معه بنفس التوقيت ومن تقاطع المعلومات من معتقلين آخرين أنه استشهد تحت التعذيب، لكن لم تسليم جثته لأهله ولم يعترفوا بذلك وأمه وزوجته وابنته لا يعرفن مصيره.
أنا شريكه بالتجربة (يتحدث هنا عن مضر الجندي) وإن كنت من جيل أصغر قليلاً أنا اعتقلت بمرحلة لاحقة بعده بخمس سنوات، هو اعتقل 1987 وأنا اعتقلت في 1992 / 1 شباط نقلت أثناءها إلى محكمة أمن الدولة مع كل المعتقلين السياسيين الذين أحيلوا في تلك الفترة وحُكِم علي بــ 10 سنوات إضافة إلى التجريد من جميع الحقوق المدنية، وعندما خرجت في 2000 كان مجرد اخلاء سبيل لأنني بقيت مجرداً من جميع حقوقي المدنية لمدة تسمع سنوات حتى عام 2009.
- كيف كان وقع الاعتقال على العائلة، خاصةً أنك لست المعتقل الوحيد فيها؟
ربما كان هناك أمراً خاصاً بتجربة الأسرة لأنه لدي أخ من أخوتي الأكبر سناً في العائلة اعتقل سياسياً سنة 1980 وبقي في السجن 11 عاماً وخرج في شهر 12 عام 1990 بعد أن عرض على لجنة طبية وكان مصاباً بمرض عضال واطلق سبيله على هذا الأساس، لكنني اعتقلت بعد اخلاء سبيله بسنة وشهرين، لكن أسرتنا جميعها بقيت أسيرةً للسجن لعشرين سنة والسجن كان محور حياتها، وكان همها دائماً كيف ستؤمن مستلزمات الزيارة شراء الأغراض وتكاليف السفر.
- عاينت تجربة الاعتقال السياسي من أكثر من زاوية هل يمكنك أن تحدثنا عن ذلك؟
ربما كنتُ من المحظوظين الذين عرفوا تجربة السجن من الخارج ومن الداخل، كنت زائراً ثم صُرت مُزاراً، بدور الزائر كنا نزور أخي في إدارة أمن الدولة بكفر سوسة لمدة ست سنوات، وهناك كانت شروط الزيارة سيئة جداً لأنه لم يكن معترف لهم بالزيارة فكنا كل مرة نضطر أن نأتي من مدينة جبلة في ريف اللاذقية إلى دمشق لعدة أيام لنقوم بواسطات كثيرة وفي أحيان كثيرة كان الطعام الذي حضرناه لأخي ورفاقه يفسد ويُرمى ونعيد تحضيره ثانية، كان أمراً مجهداً ومكلفاً لعائلة فقيرة وكانوا يماطلون كثيراً في منحنا إذن الزيارة فنضطر لقضاء وقت إضافي في الشام لأنهم يقولون لنا رئيس الفرع ليس لديه وقت اليوم، تعالوا غدا وهكذا لعدة أيام بقي هذا الحال من عام 1980 حتى عام 1986 إلى أن تم نقلهم إلى سجن تدمر وصارت الزيارة في تدمر من الشرطة العسكرية ولم نعد مضطرين للواسطة، لكن شروط الزيارة صارت أصعب بكثير إذ يجب أخذ موافقة على الزيارة من الشرطة العسكرية بالقابون بالشام ثم يجب أن نذهب إلى تدمر والعائلة موجودة بالضيعة بجبلة في هذه الفترة انتقلت إلى الشام وكان علي في كل مرة أن أوقع كرت الزيارة وأذهب لجبلة لنسافر مع العائلة من جبلة إلى تدمر أو علي أن ألتقي أفراد عائلتي في حمص، ثم نذهب إلى سجن تدمر كانت الزيارة مهمة شاقة لكن في 1986 نُقل من سجن تدمر إلى سجن صيدنايا وبقينا نزوره في سجن صيدنايا حتى خروجه في 1990.
أنا اعتقلت في 1 شباط 1992 من قبل فرع فلسطين ضمن أواخر المجموعات التي كانت متبقية من حزب العمل الشيوعي ومن الجيل الأصغر في هذه التجربة، بقينا في فرع فلسطين شهر في 1 آذار تحولنا إلى فرع التحقيق العسكري ووضعنا في منفردات لمدة شهر ونصف حتى 14 نيسان 1992 حولت الى سجن صيدنايا وكنا مجموعة من سبعة أشخاص وعزلونا أربعة أشهر لأنه اتخذ قرار بتلك الفترة بتحويل كل المحكومين السياسيين إلى محكمة أمن الدولة العليا، وبعد سنتين من الاعتقال 1994 اصدر الحكم بحقنا، حٌكم علي بـ 10 سنوات، الحكم كان حكمين، حكم بموجب المادة 306من قانون العقوبات معطوف على المادة 304 التي تقول محاولة تغيير كيان الدولة الأساسي باستخدام وسائل إرهابية وهو أمر غير صحيح أبداً، المادة الثانية التي حكم علي بها كانت المرسوم 6 وهو يتعلق بمناهضة تطبيق النظام الاشتراكي وهو كان أمراً مضحكاً بالنسبة لشخص شيوعي.
- ومتى تم رد الاعتبار لك؟
لم أتمكن من رد اعتباري لبعد اخلاء سبيلي بسبع سنوات ونصف حتى 2009 أن تكون مجرّد مدنياً أمر مضحك لأننا في الأصل ليس لدينا حقوق لكن هذا الأمر بكل الأحوال يشل حركة الشخص تماماً فلا يمكنه العمل أو التوظف حتى القطاع الخاص كان لا يقبل توظيفنا، إلى أن تمكنت من العمل صدفةً مع شخص أجنبي في موضوع الترجمة ثم عملت مع صديقنا علي برازي في مجال الترجمة وهو أيضاً معتقل سابق وقدم عملاً في الترجمة لعدد منا.
- هنا بدأت قصتك مع الترجمة؟
ربما كان من حسن حظي أنني توجهت لموضوع الترجمة بشكل كامل نتيجة حرماني من فرص العمل الأخرى، واعتقد أن هذا التركيز كان إيجابياً في حياتي لأنه جعلني أقدم ترجمات جيدة، فعندما سجنت أول مرة لم أكن قد أنهيت دراستي الجامعية في كلية الاقتصاد، تابعت دراستي بعد خروجي وتخرجت في 2002، وفي عام 2007 درست في المعهد العالي للترجمة الفورية وحصلت على ماجستير بالترجمة التحريرية لأنني أردت أن أخذ جانباً نظرياً في الترجمة التي كنت أمارسها بشكل عملي منذ ست سنوات، ليس أكاديمياً لكنه ماجستير تأهيل وتخصص وكان مفيداً لأن يكون للشخص منهجية في مهنته.
- هل يمكن أن تحدثنا عن فترة اعتقالك الثانية؟
في الفترة الأولى من 2011 كنت من الأشخاص المتحمسين للتغيير، لكن الأمور جرت على غير ما نشتهي، من النظام وقصفه للمناطق ومن الفصائل المسلحة، وعمليات الخطف والاعتقال والقتل والفوضى الرهيبة التي ذهب ضحيتها عدد من المعارف والأصدقاء وجزء من الشعب السوري، وكأننا دخلنا بنفق مسدود من العنف والعنف المضاد، وكل عنف وحشي، من النظام ومن الفصائل كجيش الإسلام لزهران علوش الذي عمل فظائع حتى مع الناس الذين كانوا ضد النظام، في مناطق سيطرته، شعرت بنوع من الإحباط الشديد أنا وعدد كبير من المثقفين، احد القرارات التي اتخذتها في تلك الفترة هو الابتعاد والصمت حتى انني أغلقت صفحتي على الفيسبوك، حتى لا أدخل في المهاترات المجانية التي تهدر الوقت فقط وتعزز تباعد للناس وانصرفت لعملي في الترجمة فقط، لكن في 2016، 17 نيسان اعتقلت للمرة الثانية ومن المضحك أنها كانت ذكرى عيد جلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا وأنا ذهبت للسجن فيه للسخرية، حتى الآن لا أعرف لماذا اعتقلوني، ربما يراقبون هاتفي اوصفحتي على الفيسبوك لأنهم لم يعطوني معلومة دقيقة لكن كان هناك شخص معنا في السجن وحسب ما قالوا أن هذا الشخص يتواصل مع أشخاص في الغوطة يقولون عنهم مسلحين وإرهابيين، لكنني أعرف أنه ليس شخصاً من انصار العنف لكنهم كانوا يسألوني ان كنت أخذ منه المال أو الرسائل. كنا مجرد أصدقاء لكنهم فتحوا ملفي القديم ورأوا أن لي أصدقاء في المعارضة موزعين في بلدان العالم والموجودين في تشكيلات المعارضة فلم يصدقوا انني شخص غير ناشط، لم أنكر أن لي نشاطاً سياسياً له علاقة بتداول أفكار فقط لكنني أنكرت أن يكون لي نشاطاً حزبيا، وكان أصدقائي مقسمين قسم بالائتلاف وقسم بهيئة التنسيق وقسم ذهب إلى تشكيلات أخرى، وكان هناك المعارضة المعتدلة التي تعمل على قيم المواطنة وهي ما كنت قريب منه أكثر، بقيت في الاعتقال الثاني 84 يوماً تدخل أهلي بوساطات فخرجت، ولم أحول إلى المحكمة.
- هل كان هناك فرق بين تجربتي الاعتقال؟
في الحقيقة تجربة السجن الأولى كانت شديدة بالأيام الأولى في الشهر الأول بفترة التحقيق وخاصة الأسبوع الأول لأن كان في تعذيب شديد الهدف منه نزع معلومات، يركزون عليها أنهم يريدون أسماء أشخاص من حزب العمل خارج السجن ليأخذوا اسمه أو عنوانه او مكان إقامته الخ وبالصدفة البحتة أنا كنت ضمن آخر مجموعة اعتقلت في تلك الحملة وآخر شخص اعتقل فيها، ولكنني لم أكن أعرف انني آخر شخص لأن حملة الاعتقال هذه حدثت في يوم واحد في يوم شديد البرد شباط 1992 يتذكّر من كان في الشام ذلك اليوم، كان نشاطنا قليلاً جدا لكن بيوم واحد كنت ذاهباً إلى بيت وتم اعتقالي وأُغلقت الحملة عندي، معظم الأشخاص المستهدفين في ذلك الوقت كان قد تم اعتقالهم، مثل عبد العزيز الخير، وبهجت شعبو، ومحمد غانم، ومنذر جمعة، ومحمد سميح الخطيب، ومجموعة كبيرة من الرفاق.
الاعتقال الثاني بالنسبة لي لم يكن فيه تعذيب أثناء التحقيق لم أُضرب أو اشتم، لكن شروط الاعتقال والمعاملة السيئة كانت مطبقة على الجميع، وهي أسوأ بما لا يقاس مع التحقيق لأن المعاملة جدا سيئة قضيت 65 يوماً في المنفردة، لكن لم أكن فيها ولا يوم لوحدي عرضها 120سم وطولها مترين في الحد الأدنى كنا ثلاثة أشخاص وفي الحد الأقصى كنا سبعة أشخاص في جو خانق لا يصلح للتنفس الشروط كانت سيئة جدا كنا نخرج لحمامات مرتين في اليوم لوقت قصير كتير، كل شخص مسموح له ب 30 او 40 ثانية في الحمام (المرحاض) فقط فالزمن كان غير كاف حتى للتبول فصرنا نقلل شرب الماء، عشنا معاناة شديدة، وان لم نلحق راحت علينا 12 ساعة أخرى قد تتسبب لنا بالضرب أو الحرمان من حصتنا بالماء، كانوا يخرجوننا من الزنزانة مرة واحدة مع بعضنا، وعندما نسمع الأبواب تفتح كنا نتعرى من ثيابنا كاملةً وجوهنا للحائط ونضع أيدينا خلف رأسنا ورأسنا موجه للأرض ثم نخرج للحمام لقضاء الحاجة لمدة 40 ثانية فقط، ثم نعود لزنزانتا، والطعام كان قليل جداً وبسبب حالتنا النفسية السيئة كنا نأخذ حتى أقل من الوجبة المعطاة لنا، كنتُ أقسم رغيف الخبز أجزاء وآخذ جزء منه فقط، وحتى الماء كان قليلا جدا، وكان يحدث معنا جفاف بالأمعاء ونحول شديد عندما خرجت كان وزني قد نقص أكثر من عشرين كيلو خلال 84 يوماً فقط وكان يبدو عمري كشخص عمره 70 سنة، وبعد 65 يوماً بالمنفردات أخذونا على مهجع كبير وفيه عدد كبير من الأشخاص فيه تقريبا 50 شخص لكن كان من الممكن لي أن أجلس وأن انام وهناك مرحاض داخل المهجع فكان من الممكن قضاء الحاجة والحمام في الأسبوع مرتين حتى الطعام كان أفضل. ومن هذا المهجع أخذوني على الآمرية "آمرية الطيران" وهي مبنى تابع للمخابرات الجوية بالأركان بقيت فيه 12 يوماً وآخر يوم من الاعتقال رحلوني منه وأعادوني على مطار المزة وأخلي سبيلي من مطار المزة كل تجربة من هاتين التجربتين شهدت عدداً كبيراً من القصص والتفاصيل الإنسانية المهمة مع المعتقلين الآخرين قد أكتبها في يوم من الأيام.




المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top