رحل الناقد التشكيلي الموسوعي والممثل جوزف طرّاب في أول يوم من السنة 2025 تاركاً إرثاً كبيراً من المقالات التي كتبها في الصحف الناطقة بالفرنسية لاسيما الأوريان لوجور. ونعته جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت قائلة "كان جوزيف طرّاب شاهدًا على مراحل مهمة من تاريخ الفن في لبنان، وساهم بإخلاص في تحقيق حداثة إبداعية ستظل رؤية مضيئة لوطن أحبه بصدق".
كتبت سارة أبو مراد: "جوزف طرّاب الرجل الذي سيبقى أثره على الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين محفوراً في الذكريات. طرّاب صنع التاريخ للبنان. ساهم في ظهور الحداثة الفنية والفكرية، وأعطى البلاد رؤية رائعة وزخماً إبداعاً صياغته وشكلته لعقود.
نظرته الثاقبة للمجتمع، ونقده البناء والتزامه بحرية التعبير تغذي حقبة غنية بالتحولات، عند مفترق طرق التقاليد والابتكار". وكتب الشاعر جوزف عيساوي: "وُصف جوزف بـ"اليهوديّ الأخير" في لبنان، مع أنه يقول ان ثمّة بضعة يهود سواه لم يبرحوا البلد حتى اليوم، رغم كل ما جرى منذ عام 1948، وبعد حرب العام 1967، والاجتياحات الإسرائيليّة للبنان. ودوّن انطوان قسطنطين "هذا البيروتي حتى العظم الذي تعرفت اليه في ثمانينات القرن الماضي مع صديق عمره جلال خوري. جو أو جوزيف الذي كان يفاخر بلبنانيته وانتمائه المشرقي العربي، هو حفيد أحد أبرز حاخامات الطائفة اليهودية في بيروت يوسف الطرّاب، وهو الذي رفض مغادرة لبنان في زمن الحرب وتمسك بالدفاع عن قضية فلسطين".
قبل انخراطه في الكتابة النقدية، درس طرّاب الفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد.. في كتاباته وثق المشهد الفني والبصري اللبناني يومياً في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وكان حداثياً مبكراً وشاهداً على حقبات مهمة من تاريخ الفن في لبنان وقد ساهم مع نزيه خاطر وسيزار نمور وسمير الصايغ وسيلفيا عجميان وفيصل سلطان ومهى سلطان في تأسيس جمعية النقاد التشكيليين في لبنان ALCA. على الرغم من سنوات الصراع الطويلة في لبنان، بقي يكتب ويثابر على عمله في معهد غوته وفي الصحافة حتى توقف عن العمل فيها عام 2004. يقول طرّاب إن الصحيفة "لم تعد تريد نقدًا فنيًا. لقد كان مكلفًا للغاية بالنسبة لهم. لقد أرادوا توفير المال". ومن بعدها ثابر على الإشراف على إصدار الكتب الفنّيّة، وكتابة مقدّماتها، والمساهمة في افتتاح صالات عرض، آخرها "غاليري مقام" مع صالح بركات عام 2009، التي حاولت إعادة الاعتبار لسوق الفن التشكيلي.
وربّما أسهم تفرّغ طرّاب للفنون التشكيلية في حجب تجربته المسرحية. بين 1963 و1969، كان من بين الأعضاء المشرفين على "المركز الجامعي للدراسات المسرحية" بين 1963 و1969، برع كممثل في مسرحيات عديدة منذ مسرحية "آرلكان خادم السيدين" بإخراج آن ماري ديهاي، ثم زيارة السيدة العجوز" إخراج ايف تركية، وتميز بالأخص في مسرحية "السيد" اخراج روجيه عساف. كما مثل في أعمال جلال خوري، بالفرنسية أولاً ثم بالعربية. وتميّز في مسرحية "قبضاي". لعب بإدارة بيرج فازليان في مسرحية "الأب لسترندبرغ" وكانت باللغة الفرنسية، كما مثل إلى جانب جلال خوري في مسرحية "فاوست" التي أخرجها برج فازليان في مركز غوته وفي اطار بانوراما من أعمال المؤلفين الألمان. عام 1967 أعد طرّاب مسرحية للمؤلف البولوني غومبروفيتش عنوانها الأصلي "ايفون اميرة بورغونية"، وجعل لها عنواناً اضافياً هو "مزحة كئيبة". تناول طرّاب المسرحية مؤكداً على البعد العبثي فيها. وعمل على تجسيد العبثية. لا في النص وأحداث المسرحية، وإنما في طريقة الاخراج وتحديث الأشخاص على المسرح واستخدام الأدوات المساعدة.
وفي زمانه كان جوزف طراب، "ماركسياً مستقلاً"، كما سمّى نفسه، ولعب دوراً في ثورة أيار 1968. في نهاية 1967، عُقد اجتماع في باريس مهرجان كبير حول القضية الفلسطينية اشترك فيه فرنسيون وعرب واسرائيليون. جرى ذلك في ظل هزيمة 1967. واشترك طرّاب في هذا المهرجان بصفته ممثلاً للجنة فلسطين للطلاب اللبنانيين في باريس، وخلال هذا المهرجان تكلّم الكثيرون. المؤيدون لإسرائيل ركزوا على ما سموه اضطهاد الدول العربية لليهود، وجاء دور طراب فوقف وقال: "أتكلم بصفتي يهودياً عربياً، أتكلم بصفتي يهودياً عربياً من لبنان، وصحتي جيدة". وقال أنه لا مشكلة يهودية في الدول العربية، وهذه المشكلة، إذا وجدت، فسببها قيام اسرائيل، لا الدول العربية. كان طرّاب قبل تفرغه للنقد، مندفعاً للأفكار الثورية، ومناصراً بقوة للقضية الفلسطينية، وداعياً قادتها إلى تبني الأفكار الاشتراكية. ونشر ملحق النهار غلافاً عنوانه "جوزف طراب: سجل أنا يهودي".
لعب دوراً في صالون الخريف، له عدّة مؤلفات عن فنانين لبنانيّين منهم بول غيراغوسيان، حسين ماضي وجميل ملاعب.
في المدة الأخير تبرّع طرّاب بمكتبته لجامعة الكسليك وتتضمن 6000 وقالت الجامعة "سيستمر إرث السيد طرّاب في إلهام الأجيال كجزء من مجموعتنا المتزايدة من الأعمال الاستثنائية".