تحولت بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، في الأيام الأخيرة، إلى مركز للنشاط العسكري الإسرائيلي، ما يعكس انتقال ثقل العملية المتواصلة في الشمال منذ نحو 87 يوماً، إلى هذه البلدة، بعد تركزها طيلة الأسابيع الماضية في جباليا وبيت لاهيا.
"ناحال" في بيت حانون
وتحت ذريعة الكشف عن بنية حماس العسكرية الظاهرة والمستترة، سلّم إلى اللواء بالجيش الإسرائيلي "ناحال" مهامه في رفح جنوب القطاع لقوات اللواء الرابع، استعداداً للانتقال إلى بيت حانون، لتنفيذ "مهام عسكرية" فيها.
وروّجت هيئة البث العبرية، لوحدة "ناحال"، على أنها تمتلك "مهارات" في الكشف عن قدرات كتائب القسّام فوق الأرض وتحتها، ثم تدميرها، مدللة على ذلك، باستعراض "إنجازاتها" المزعومة، والتي تمثلت بعثورها خلال فترة عملها في رفح، على "كثير" من الوسائل القتالية لحماس، علاوة على "تدمير" مسارات أنفاق تحت الأرض، كان من أبرزها "نفق تحت مسجد"، وفق الزعم الإسرائيلي.
عملية جباليا شارفت على الانتهاء؟
وبحسب المراسل العسكري لتلفزيون "مكان" الإسرائيلي، فإن توسيع العملية العسكرية في أقصى شمال القطاع، وتحديداً بيت حانون، جاء مع إشارة قيادة الجيش لقرب استكمال قواتها عملية جباليا، مضيفاً أن توسيع العملية في المنطقة يؤكد أن الجيش ما زال تركيزه على شمال القطاع، وأن العملية مستمرة هناك.
لكن المراسل العسكري إيال عاليما اعتبر أن توسيع العملية يثير علامات استفهام كثيرة، خصوصاً مع انعدام وجود خطة عسكرية معلنة وواضحة لما يجري. وهنا، نوه عاليما في إفادته التلفزيونية، بأن قيادة الجيش تكتفي بالإشارة إلى الهدف العام للعملية، وهو "القضاء على قدرات حماس العسكرية"، رغم أن "جميع كتائب حماس في شمال القطاع وبقية مناطقه، قد تم تفكيكها"، على حد قول عاليما.
أكثر من هدف
لكن علامات الاستفهام التي يثيرها عاليما بشأن انتقال العملية العسكرية إلى بيت حانون، تستند إلى الخشية مما أسماه "الخطر الأكبر"، وهو جرّ القوات العسكرية إلى "مستنقع غزة" منذ نحو سنة وثلاثة أشهر، إذ تستمر الحرب دون خطة معلنة، ولا سقوف واضحة.
والحال أن الاحتلال يفضل اعتماد العناوين العامة دون الكشف عن خطة محددة؛ لعدم إلزام نفسه بسقوف محددة عسكرياً وسياسياً، ومن أجل جعل الحرب مستمرة إلى أجل غير مسمى، حتى يناور ويفرض ما أمكن من وقائع جديدة، وبشكل هادئ قائم على التضليل.
وقال مصدر من حركة حماس في قطاع غزة، لـ"المدن"، إن توسيع الاحتلال عمليته في بيت حانون، تندرج في سياق هدفين: الأول، متابعة النهج المتمثل بممارسة الضغط العسكري على حماس من زاوية مفاوضات تبادل الأسرى. والثاني، تفريغ شمال القطاع من السكان، وتكريسه عملياتياً كنموذج للمناطق العازلة، ضمن مخطط أمني مرتبط بـ"اليوم التالي" للحرب.
صواريخ نحو الغلاف: ما القصة؟
وتطرق المصدر الحمساوي إلى صواريخ واظبت الحركة على إطلاقها من شمال القطاع ووسطه، بشكل لافت في الأيام الأخيرة، باتجاه مستوطنات الغلاف، مؤكداً أن إطلاقها بمثابة محاولة من المقاومة لتفعيل هذا السلاح، بعد قرابة 15 شهراً للحرب، لإيصال رسائل "رمزية"، بالنظر إلى عدد الصواريخ ومداها.
وأوضح المصدر أن الصواريخ التي يتم إطلاقها أخيراً، هي قديمة، ولم تُصنّع خلال الحرب، مبيناً أنها جزء مما تمكنت من تفعيله رغم الظروف الميدانية الصعبة. وتابع أن القسام ستحاول إطلاق هذه الصواريخ بوتيرة متقطعة وبالمناسبات، طالما استمرت الحرب.
وفي السياق، نقل مراسلون عسكريون عن قيادة الجيش الإسرائيلي، ردها بشأن إطلاق صواريخ من غزة رغم استمرار الحرب الطويلة، إذ ادعت أنه مهما كانت خسائر حماس كبيرة، إلا أن الجيش لا يمكنه تدمير المنصة الأخيرة لإطلاق الصواريخ، ولا بندقية حماس الأخيرة.
ووفق قراءات عسكرية إسرائيلية، تحاول حماس استثمار كل فرصة لإطلاق صواريخ، ولو كانت متواضعة في مداها وتأثيرها، باعتبارها كافية لنقل رسائل "سياسية"، أبرزها أنها "موجودة.. وتستطيع إطلاق صواريخ باتجاه الغلاف على الأقل، حتى لو خسرت قدراتها العسكرية، بمنظور الاستخبارات الإسرائيلية.
تفسير الاحتلال للصواريخ؟
وبحسب تفسير المستويات العسكرية والأمنية الإسرائيلية لإطلاق "القسّام" صاروخاً إلى صاروخين نحو الغلاف بشكل شبه يومي، فإن السبب يكمن بتكثيف الجيش الإسرائيلي "نشاطه" العسكري في القطاع، ما دفع حماس إلى محاولة "تفريغ" آخر ما تبقى من صواريخها. غير أن مراسل "مكان" العسكري علّق على هذا التبرير، بالقول في إفادته التلفزيونية إن الواقع "قد يكون مغايراً"، بالنظر إلى التأثير المعنوي لهذه الصواريخ.
وشدد على ما تحدثه هذه الصواريخ في الجانب الآخر، من تشويش لمجرى الحياة في منطقة الغلاف، وتسببها بإطلاق صافرات الإنذار، خصوصاً أن المستوطنين يحاولون العودة إلى مستوطناتهم التي أخلوها إثر هجوم 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، وهو أمر يجعل عودتهم إلى المنطقة "صعبة" في هذه المرحلة، ويثير علامات استفهام بشأن الأساليب التي يواصل الجيش الإسرائيلي من خلالها القتال في غزة، بحسب ما جاء حرفياً في إفادة المراسل العسكري على شاشة التلفزيون العبري الرسمي.
"القسّام" تقنّن أكثر.. بالقذائف
وبالعودة إلى عملية بيت حانون، يدّعي الاحتلال أنها "ضرورة" لكشف ما تبقى من بنية تحتية "مستترة" لحماس، خصوصاً منصات صواريخها، بدعوى أن مقاتلي القسام يحاولون استخراج ما تبقى من مخزون صواريخهم الموجودة تحت ركام الدمار بشمال القطاع، ومن ثم إطلاقها، ولو بطريقة تبدو بدائية مقارنة بآلية إطلاقها قبل الحرب. وهي ذريعة إسرائيلية تقول تل أبيب إنها تعمل على تحقيقها، لتحقيق "أمان مُطلق" للمستوطنين الجاري العمل على إعادتهم إلى غلاف غزة.
بيد أن أقلاماً مقربة من الأمن الإسرائيلي، أشارت إلى خطورة القتال الجاري في القطاع، فبينما ترابط القوات الإسرائيلية في نقاط معينة، ثم تتحرك بناء على معلومات استخباراتية، تُفاجأ بقذائف مضادة للدروع يطلقها أفراد "القسام" فجأة باتجاه القوات المتوغلة، ما يؤدي إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوفهم.
وقال مصدر من حماس، لــ"المدن"، إن القسام باتت تقنن وتسترشد بشكل أكبر في استخدام هذه القذائف، بحيث يطلقها القسّامي نحو القوات الإسرائيلية وآلياتهم العسكرية فقط عند "تأكده" ميدانياً ولوجستياً من "الجدوى والنتيجة".