بعد هروب رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، أبدى الإعلام الغربي فضولاً كبيراً تجاه مصير زوجته أسماء الأخرس، طارحاً أسئلة حول مستقبلها وثرواتها ودورها في الجرائم المكتشفة في عموم البلاد، وقبل كل هذا حول انخداعه بها.
"لقد خدعتنا جميعاً"، كان لسان حال المنابر الإعلامية الغربية البارزة، مثل "بي بي سي" و"سكاي نيوز" و"فوكس" و"غارديان"، في مراجعة بدأت بالفعل قبل سنوات إثر الثورة السورية التي انطلقت العام 2011 وتمت مجابهتها بسياسة الأرض المحروقة.ونصبت الآلة الدعائية السخية الميزانية للسيدة الأولى فخاً محكماً للإعلام والرأي العام الدولي حتى كادوا يصدقون أن الشابة "الأنيقة الأكثر نضارة بين السيدات الأول" كما وصفتها مجلة "فوغ" العام 2011 والتي "لا تتزين بمجوهرات في العلن"، وتزور المناطق السورية متنكرةً لتقف على أحوال الشعب كما باحت لمحرر "سكاي نيوز" العام 2009، لا يمكن أن يكون زوجها ديكتاتوراً وسفاحاً.وبجرعة من الندم وطعم الخديعة، تناول الإعلام العالمي "صعود وهبوط" أسماء، وفرارها إلى موسكو وعدم ترحيب بريطانيا التي تحمل جنسيتها بها والعقوبات الأميركية لها ولأهلها وما هربته من ثروات سورية معها.في صحيفة "غارديان" البريطانية كتبت زوي ويليامز الأسبوع الماضي مقالاً بعنوان "كيف خدع بشار وأسماء الأسد الإعلام" موضحةً أن بعض الصحافيين استخفوا بالرئيس الأسد، مظهراً وسلوكاً، وشبهه الكاتب البريطاني الأميركي كريستوفر هيتشنز بـ"فرشاة الأسنان" واستدعى مقولة حنا أرندت "تفاهة الشر" في توصيفه.أقلام أخرى شبهته بالزرافة، ومحرر "سكاي نيوز" اعتبره مثيراً للشفقة مقارنة بأخيه باسل الأوسم والأقوى شخصية، واستخفوا عموماً في أن يكون مصدر تهديد لشعبه، أما زوجته، وفق ويليامز فخدعت الجميع عبر بورتريه مجلة "فوغ" الذي وصفها بـ"وردة الصحراء"، وهو تتويج مهم لسياستها الدعائية في بناء صورة جذابة لها في أوساط النخبة العالمية ونيل إعجاب الغرب وإيهامهم بتغير الحكم في سوريا وقيادة زوجها الشبابية والحيوية والمنفتحة.وسبق ذلك البورتريه دعوة مهمة وجهتها أسماء وزوجها العام 2009 إلى "سكاي نيوز"، واستضافتهما لمحرر الشؤون الدولية فيها، دومينيك واغهوم، الذي تجول مع الزوجين الشابين في بيتهما المتواضع "الكئيب" كما وصفه، قبل انتقالهما للسكن إلى قصرهما الفاخر، حين باحت له أسماء بسرها وهو أنها تتجول متنكرة في أرجاء سوريا لتقف على احتياجات أهلها، وأنها وزوجها يشكلان "أسرة من الطبقة المتوسطة لا يسعدهما شيء أكثر من مفاجأة أهل دمشق وتناول العشاء في مطاعم العاصمة".واستعاد واغهوم تلك الزيارة قبل أيام، وعرض انطباعاته السلبية عن الرئيس السابق، وكيف انكشفت وعوده الخادعة بالتغيير والديموقراطية حين اختار، رداً على الثورة السورية، استراتيجية والده في سحق انتفاضة حماة العام 1982 بدعم من زوجته "الرقيقة".وخلص المحرر الدولي في موقع "راديو نيوزيلندا" الإلكتروني إلى أن صورة أسماء الأسد انحدرت من مثال الليدي ديانا إلى مثال ماري أنطوانيت. أما سام هانكوك في موقع "بي بي سي نيوز" فتتبع تاريخ أسماء وأسرتها الحمصية ورأى منطقياً أن تكون موسكو منفاها بعدما اعتبرتها لندن غير مرحب بها، وهي أدركت باكراً ذلك وخططت لمنفاها الروسي عبر شراء عقارات كثيرة في الفترة الأخيرة في موسكو بملايين الدولارات.وذهب تقرير "ذا ميل أونلاين" إلى ملاحقة والدي أسماء، جراح القلب فواز الأخرس وزوجته الدبلوماسية المتقاعدة، وتحرى مكانهما من الأصدقاء والجيران، معلناً أنهما التحقا بابنتهما في موسكو لمواساتها وزوجها. وأوحى غريغ وينر في موقع "فوكس نيوز" أن أسماء بعدما يئست من لعب دور "ديانا السورية" ركزت على المهام الاقتصادية التي كلفها بها زوجها والتي ما لبثت تتسع وتتعاظم.ودعمت أسماء خيار زوجها، حيث تزوجت ابن حافظ الأسد وتزوجت معه نظامه وإرثه. فقط مَنْ تتمرد على هذه القاعدة هي التي تستحق ربما لقب "ديانا"، رمز التمرد على الموروثات والتوق إلى الحرية قبل أن تكون أيقونة الموضة والرفاهية الباذخة. لكن أسماء بدل أن تغير النظام وتلطف وحشيته أبدت تعطشاً للانتماء له ولدور شريكة المستبد، بل لعلها أبدعت فيه، فيما أطلقت عليها مجلة "دير شبيغل" الألمانية قبل سنوات لقب "وجه الدكتاتورية الحقيقي في سوريا".وبعد عام من الثورة السورية، وبينما استعان الأسد بجيوش نظامية وغير نظامية لقمعها، جواً وأرضاً، سربت منصة "ويكيليكس" رسائل للسيدة الأولى تثبت تسوقها عبر وسيط بمبالغ طائلة، بينها أكثر من 300 ألف دولار ثمناً لأثاث، وحذاء بكعب من الكريستال بقيمة 7 آلاف دولار، مثالاً لا حصراً. صدم الإعلام الذي روج لبساطة أسماء وتواضعها، وفهم أخيراً أن عدم تزينها بالجواهر النفيسة والملابس الباهظة في جلسات التصوير وتمثيلياته المدبرة لا يعني أنها لا تشتريها، وسيفهم لاحقاً أنها لن تترك خلفها تلك الكنوز حين تفر، وما نبش في قصورها العديدة هو البضائع المتواضعة التي زهدت فيها.وحين ضرب الأسد خان شيخون التابعة لمحافظة إدلب بغاز السارين ربيع العام 2017، وافترشت جثث الأطفال القتلى الأرض، نشرت أسماء صورتها بفستان أنيق وهي تتأمل مبتسمة برقة، ونشرت صفحاتها الأخرى تحت هاشتاغ "نحن نحبك يا أسماء" صوراً لها تقرأ قصة لأطفال قتل أهلهم الموالون لزوجها في الحرب.وبين مجزرة وأخرى كانت أسماء تنشر أنشطتها الإنسانية واحتفالاتها وزوجها بعيد الأم والأب والربيع والطفل، لكن كل هذا ما كان ليحجب إجرام زوجها. حوصرت أسماء إعلامياً، فلجأت إلى الإعلام الروسي الوحيد الذي أفسح لها مجالاً دولياً، مع تطبيل لبناني محدود. ثم أعلن عن إصابتها بالسرطان الذي كان يعني توقف أنشطتها في المجال العام، ولكنها لم تغب تماماً بل أشركت متابعيها في مواقع التواصل الاجتماعي مراحل علاجها ودعم زوجها لها وأخيراً إعلان تعافيها الكامل، في "المستشفيات الوطنية"، وباتت صورتها مثالاً لـ"انتصار سوريا على الحرب الكونية" في دعاية النظام.وعادت أسماء المتعافية أقوى من قبل، وأحكمت نفوذها الاقتصادي في سوريا وأقصت منافسها القوي رامي مخلوف. وعاد الإعلام الدولي المغرم بالثروات وبلغة المال، للتركيز على مصادر ثروتها، والملاذات الضريبية التي قد تلجأ لها، وتحايلها على العقوبات الأميركية على شخصها، وعلى الاقتصاد السوري، حتى يوم فرارها من سوريا وسقوط أحد أعتى الأنظمة التوتاليتارية في العصر الحديث.لن يكفي أن يتصرف الإعلام على طريقة "فوغ" العام 2011 حين سحب البورتريه المتملق لأسماء، أو حين وصفتها المحررة بـ"سيدة الإجرام الأولى" بدل "وردة الصحراء". الندم لا يجدي هنا. هذه قضية إنسانية أممية وليست شخصية. الخديعة كانت عالمية وإهانة لمهنة ذات رسائل أخلاقية. لذلك ينتظر أن تترجم الصحافة الدولية ندمها وتنتقم لشعورها بالمهانة والخديعة عبر تبني قضايا إعادة الأموال المنهوبة إلى الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره ومحاكمة من ارتكب جرائم بحقه.