2025- 01 - 04   |   بحث في الموقع  
logo تفاصيل تعطّل أنظمة الكمبيوتر في مطارات ألمانيا logo رئيس إدارة الطيران الاتحادية الأميركية: على “بوينغ” أن تضع معايير السلامة قبل الأرباح logo تشخيص إصابة رئيسة المفوضية الأوروبية بنوع حاد من الالتهاب الرئوي logo مقدمات نشرات الاخبار logo الجلسة رقم 13 لإنتخاب الرئيس.. التشاؤم يتقدم!.. حسناء سعادة logo ملامح سوريا الجديدة.. بين غياب الرؤية وتحديات المشروعية!.. بقلم: حمد رستم logo في المقارنة بين حافظ الأسد وأحمد الشرع..(عمر قدور) logo إيران على عتبة موجة احتجاجات دورية..(بسام مقداد)
إدلب: محافظة همشها نظام الأسد طويلاً.. واحتضنت الثورة ضده!
2025-01-01 14:55:43

طوال العقد الماضي، اقتصر حضور الإعلام في محافظة إدلب على الإعلام السوري البديل والناشطين المحليين، الذين نقلوا أخبار النازحين في مخيمات اللجوء وقصف النظام الهمجي والعلاقة بين المجتمع المحلي والسلطات القائمة والفصائل المسلحة مغ غياب شبه تام للإعلام العربي والغربي. وامتد ذلك ليشمل حتى الأفراد العاديين في مناطق النظام من صحافيين ومؤثرين فرض عليهم النظام النظر إلى إدلب كثقب أسود على الخريطة بوصفها "جيباً للإرهابيين".
وبعد سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر الماضي، برزت إدلب بوصفها المدينة التي تحدت النظام منذ بداية الثورة، كرمز للحرية والصمود، فيما انزاحت التغطية عنها جزئياً للحديث عن المدن الأكبر في البلاد كدمشق وحلب، ليبرز سؤال عن إمكانية استعادة المدينة التي طالما تم تهميشها وتشويهها لعقود، مكانتها المستحقة في التاريخ السوري، أم ستظل في ظلال التهميش؟وتحت حكم حافظ وبشار الأسد، واجهت إدلب تهميشاً منهجياً، حيث تم تجاهل مشاريع البنية التحتية، ولم تستثمر في المحافظة، ووصلت الخدمات الأساسية متأخرة بعقود. على سبيل المثال، لم يتم إدخال خطوط الهاتف إلا في أوائل الألفية الجديدة. كما منع المزارعون من حفر الآبار، ما أدى إلى تضرر الزراعة، وهي العمود الفقري لاقتصاد إدلب. بالإضافة إلى ذلك، منذ العام 2012، قطع النظام الكهرباء وخدمات الاتصال والإنترنت عن المدينة كعقوبة لسكان المدينة لمشاركتهم في الثورة واحتضان فصائل المعارضة، في محاولة لزيادة عزلتها ومعاناة سكانها. كما عانى القطاع التعليمي في ريف إدلب من نقص حاد في المدارس حتى قبل الثورة، حيث كانت المدارس الثانوية محدودة للغاية، ما أجبر العديد من الطلاب على السفر لمسافات طويلة تصل إلى ساعة أو أكثر يومياً لمواصلة تعليمهم، في ظل بيئة تنعدم فيها البنية التحتية المناسبة، ومنهم من كان يضطر إلى الذهاب إلى حلب المجاورة مثلاً.وواجه أهالي إدلب الذين انتقلوا إلى دمشق مثلاً تمييزاً منهجياً. فغالباً ما تم حرمان العائلات من حق تسجيل الوثائق المدنية محلياً، ما أجبرهم على السفر إلى إدلب للحصول على الأوراق الأساسية. ورغم أن شهادات ميلادهم كانت في دمشق، إلا أن بعضهم لم يتم تسجيله كأهالي دمشق، وكتب على هوياتهم أنهم من إدلب، وهو تمييز واضح يعكس سياسات النظام الممنهجة لإقصائهم. خلال الثورة، تضاعف هذا العزل حيث تعرض أهالي إدلب لاتهامات بالإرهاب والتطرف، وواجهوا معاملة غير إنسانية على حواجز النظام، تضمنت الإذلال اليومي وتضييقاً على حركتهم ومعيشتهم.واستغل النظام الصراع لتغيير التركيبة السكانية في إدلب عبر عمليات التهجير القسري. ونقلت عائلات من مناطق محاصرة في سوريا إلى إدلب، بينما تم تهجير السكان الأصليين قسراً إلى أماكن أخرى. كانت هذه السياسات تهدف إلى خلق تغييرات ديموغرافية تخدم مصالح النظام السياسية والطائفية. هذه الاستراتيجية عمقت الانقسامات الاجتماعية وأثقلت كاهل الموارد المحدودة في المحافظة التي اعتبرها نظام الأسد المخلوع بأنها من المناطق غير المفيدة في خريطة سوريا المفيدة التي حددها. ولم تولد معارضة إدلب للنظام العام 2011. خلال حكم حافظ الأسد، عرفت المحافظة بمعارضتها منذ وقت طويل، ما أدى إلى قمع وحشي في ثمانينيات القرن الماضي. واستمرت تلك المعارضة في عهد بشار، وبلغت ذروتها بدورها المحوري في الثورة. ورد النظام بالدعاية، متهماً إدلب وأهلها بالإرهاب والتخلف، ما عزز وصمة العار التي مازالت قائمة حتى اليوم. وحتى الإعلام السوري، بما في ذلك بعض الإعلاميين المحسوبين على النظام السابق، لم يسلم من هذا النهج، حيث وصفوا أهالي إدلب أحياناً بالهمجية والتخلف، في استمرارية للصور النمطية التي زرعها النظام عن سكان المحافظة.وعلى عكس الصورة التي رسمها النظام، تتمتع إدلب بتراث ثقافي غني يجسد تاريخها العريق. كانت مدينة معرة النعمان، الواقعة في المحافظة، منارة للمعرفة والحضارة لقرون، واشتهرت بمكتباتها ومعالمها الأدبية التي تركت بصمة في الثقافة العربية والإسلامية. إلى جانب ذلك، يزخر ريف إدلب بالمواقع الأثرية التي تعود إلى العصور الرومانية والبيزنطية، والتي تمثل شاهداً على عظمة هذه المنطقة عبر التاريخ.وجبل الزاوية، على وجه الخصوص، يعد من أبرز المناطق الأثرية في المحافظة، حيث يحتوي على مدن أثرية مهجورة مثل البارة وسرجيلا، التي تضم معابد وكنائس ومنازل تعود إلى القرون الميلادية الأولى. رغم القيمة التاريخية لهذه المواقع، تعرضت للإهمال المستمر من قبل النظام، ما أدى إلى تدهور حالتها وزيادة تعرضها للتخريب والنهب. هذا التجاهل يعكس استراتيجية النظام في تهميش الهوية الثقافية للمحافظة.ولعبت النساء في إدلب دوراً محورياً خلال الثورة، حيث قدن جهوداً إنسانية، وعملن كمسعفات ومعلمات في ظروف قاسية، كما وشاركن في نقل الحقيقة عبر الإعلام. وأصبحت المرأة رمزاً للصمود والإصرار، متحدية القيود المجتمعية وظروف الحرب القاسية. من الأمثلة البارزة على ذلك، رحاب برني، المتطوعة من جسر الشغور، التي انضمت إلى "الخوذ البيضاء" بعد أن شهدت معاناة الجرحى والعالقين تحت الأنقاض نتيجة القصف، متجاوزة التحديات المجتمعية لتقديم المساعدة للمحتاجين. كذلك، وثائقي "قصصها" ألقى الضوء على نساء مثل ملكة من حلب، التي عملت كممرضة في مستشفيات المدينة منذ العام 2007 وواجهت مخاطر الموت نتيجة القصف واستهداف المراكز الطبية. وتأثرت الأجيال الشابة في إدلب بشكل كبير بالنزوح ونقص التعليم، حيث يعاني الأطفال من انقطاع متكرر عن الدراسة وتدهور البنية التحتية التعليمية. رغم ذلك، يبرز الشباب كأمل لمستقبل إدلب، حيث انخرطوا في مشاريع صغيرة ومبادرات تعليمية محلية لإعادة بناء مجتمعهم ولكنها لم تكن كافية لاستيعاب الكم الكبير من النازحين إليها من كل المناطق في سوريا، كحمص وريف دمشق ودرعا وغيرها من المناطق.وجاء تحدي إدلب للنظام بتكلفة باهظة، فتم تدمير قرى بأكملها، وتفرقت الأسر. كل منزل في إدلب يحمل عبء الخسارة، سواء من خلال الموت أو الاعتقال أو النزوح. ترك القصف المتواصل للنظام ندوباً ستستغرق أجيالاً لتلتئم. وفي الوقت نفسه، يعيش عشرات الآلاف من النازحين في مخيمات تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، حيث يعانون من ظروف مأساوية تشمل نقص الغذاء والماء والرعاية الصحية. ورغم ذلك، فإن تغطية الإعلام لهذه المعاناة تكاد تكون معدومة، حيث ينصب التركيز غالباً على مدن كبرى مثل دمشق، أو على شخصيات عامة مثل الممثلين السوريين، بينما تهمش قصص هؤلاء النازحين الذين فقدوا كل شيء.وتعبر أوضاع المخيمات في إدلب عن مأساة مستمرة، وانتشرت مئات الصور لمخيمات تغرق في مياه أمطار الشتاء وخيام تتهاوي بشكل سنوي تحت تأثير الثلوج، كان آخرها خلال العام الفائت عندما قتل رضيع تحت الثلج عندما انهارت الخيمنة على رؤؤس النائمين، لكن التغطية بخصوصهم هذا العام تكاد تكون معدومة. وتفتقر المخيمات إلى خدمات الصرف الصحي، والكهرباء، والرعاية الطبية، ما يجبر العديد من الأسر على مواجهة الفقر المدقع وحالات الزواج المبكر بين الفتيات انتشرت نتيجة للظروف الاقتصادية، ما يضيف مزيداً من الألم لهذه المجتمعات. ورغم هذه المآسي، مازالت المخيمات تتلقى اهتماماً محدوداً من الإعلام والمجتمع الدولي.وغالباً ما يتم تجاهل قصة إدلب أو تحريفها في الإعلام، حيث رسمت دعاية النظام المخلوع صورة للمدينة كمعقل للتطرف، بينما اختزلت التغطية الدولية سرديتها إلى معاناة وصراع. حتى بعد الثورة، اقترب صانعو المحتوى من معاقل النظام من قصة تعافي إدلب بتعال، معربين عن دهشتهم من تقدمها وكأن صمود المدينة كان استثناءً.ورغم عقود التهميش وسنوات الصراع، أظهر أهل إدلب صموداً مذهلاً. من خلال جهودهم الشعبية، بدأوا في إعادة بناء مدينتهم، وخلقوا مجتمعاً نابضاً يتحدى الصور النمطية المفروضة عليهم. وحصد صانعو المحتوى من إدلب جماهير عالمية من خلال توثيق واقعهم بصدق وشجاعة.وبرز صحافيون مستقلون مثل جميل الحسن الذي وثق معاناة المدينة بصدق وتعاطف، مضيئاً على أصوات أولئك الذين أسكتوا. وكشفت تقاريره عن التمييز الذي واجهه مرضى السرطان من إدلب في مستشفيات النظام، مما أظهر عمق الظلم المنهجي. واحدة من أبرز القصص التي رواها الحسن كانت عن والده، الذي عانى من سرطان عضال وكان يحتاج إلى رعاية طبية مكثفة. وأثناء تواجده مع والده في "مشفى البيروني" بدمشق، كان يشهد على إخراج بعض المرضى من من غرفهم لإفساح المجال لمريض آخر مرتبط بأشخاص نافذين في النظام، ما يعكس المحسوبية والفساد الذي استشرى حتى في القطاع الصحي. في المقابل، كان صانعو المحتوى في "تيك توك" و"يوتيوب" ومذيعون كانوا يظهرون على الشاشات الرسمية وشبه الرسمية، يزورون إدلب بعد سقوط النظام لتلميع صورتهم بدلاً من الحديث عن هموم الناس في المحافظة، مثلما يجب.ومع عودة الإعلام العربي والغربي إلى سوريا، كانت التقارير الإعلامية الاحترافية بعيدة عن المحافظة أيضاً، بينما انتشرت وصمة اجتماعية ضد أهالي المدينة في مواقع التواصل، مدفوعة بعقود من الدعاية، حيث كرر كثيرون حديثهم عن مخاوف من أن تصبح إدلب "القرداحة الجديدة"، في إشارة إلى معقل عائلة الأسد في محافظة اللاذقية، نتيجة لدور المحافظة كمعقل للمعارضة المسلحة طيلة سنوات الثورة، بدلاً من الحديث عن المحافظة كمكان دافئ جمع ملايين السوريين من كل أنحاء سوريا طوال أكثر من عقد، كانت فيه المحافظة وأهلها بعيدين عن المناطقية والطائفية في معاملاتهم اليومية.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top