2025- 01 - 03   |   بحث في الموقع  
logo واشنطن تنفي نيتها إنشاء قاعدة عسكرية بعين العرب: شائعات logo إسرائيل تطالب بـ34 محتجزاً.. تقدّم مفاوضات غزة دونه فجوات logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الجمعة logo إتصال بين ميقاتي والشرع.. ودعوة لزيارة سوريا  logo وصول الوفد السعودي إلى مطار بيروت logo غزة: الاحتلال يرتكب 8 مجازر والضحايا 222 شهيداً وجريحاً logo توقيف مواطن صدم عسكريين على متن دراجة نارية logo رغم السماح بدخولها...الجدال مستمر حول الحقيبة الدبلوماسية الإيرانية
حزب الله ومصيره: من المقاومة إلى ذراع إيرانية
2025-01-01 00:55:44


يصعبُ على عقل الإنسان البسيط باختلاف انتمائه استيعاب حجم التحول الذي جرى ويجري في المنطقة. يأتي مصيرُ حزب الله على رأس هذه التحولات الإقليمية التي ستحدد شكل الشرق الأوسط لسنوات مقبلة. خسر الحزب في حربه الأخيرة مع إسرائيل ما لم يخسره منذ نشأته في ثمانينيات القرن الماضي وبات أقرب للعودة إلى سيرته الأولى: مجموعات مسلحة تحاول لملمة السلاح من هنا وهناك. يطرح ما جرى أسئلة كثيرة، بعضها يمكن القول إنها بأثرٍ رجعي لن تغير من السيناريو الحاصل إنّما تجعله أكثر قابلية للاستيعاب.
كيف اخترقت إسرائيل حزب الله بهذا القدر الذي سمح لها باغتيال قياداته كلها تقريبًا؟ كيف تمكنت من القضاء على هذا الكم من ترسانته الصاروخيّة؟ وما هي صعوبات إعادة البناء التي تكاد تكون مستحيلة؟ تحولات النشأة والذروةتأسس حزب الله في مطلع الثمانينيات في ظل ظروف إقليمية ودولية أشبه بعاصفة مثالية ساعدت على نشوئه وترسيخ دوره. جاء ظهوره نتيجة تلاقٍ استثنائي لعدة عوامل:
* الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982: خلق الاحتلال واقعًا جديدًا يتطلب مقاومة منظمة، خاصة في الجنوب اللبناني.* الدعم العربي للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي: كانت دول مثل ليبيا والجزائر داعمة لحركات التحرر، مما وفر بيئة سياسية داعمة لفكرة مقاومة الاحتلال.* انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979: شكلت الثورة الإيرانية نقطة تحول كبيرة، حيث عملت على تصدير نموذجها الثوري، وسرعان ما وجدت في حزب الله أداة مثالية لنقل أيديولوجيتها إلى الساحة اللبنانية.* وجود حركة مقاومة فلسطينية قوية: منظمة التحرير الفلسطينية كانت لاعبًا مركزيًا في الساحة الإقليمية، وشكّل وجودها في لبنان إطارًا داعمًا لظهور حزب الله، الذي استفاد من خبراتها وتكتيكاتها.من المقاومة إلى ذراع إيرانيةشهد حزب الله تطورًا نوعيًا في دوره بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000، وهو الحدث الذي عزز مكانته محليًا وإقليميًا. وتجلت هذه القفزة النوعية من خلال النقاط التالية:
1. القناعة الإيرانية بدوره كذراع فاعلة:* أثبت الحزب بعد التحرير قدرته على تحقيق إنجازات عسكرية وسياسية كبرى.* تبنّيه الأيديولوجية الإيرانية، وخصوصًا مبدأ "ولاية الفقيه العامة"، جعله أداة مثالية لإيران، التي باتت ترى فيه ذراعًا استراتيجيًا في مواجهة إسرائيل والغرب.* لم يكن الحزب مجرد شريك لإيران؛ بل نظر إليها كمرجعية القرار الحاسم، مما عزز ولاءه المطلق لطهران.2. توسيع الدور بعد خروج سوريا من لبنان (2005):* انسحاب القوات السورية من لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري شكّل فراغًا كبيرًا.* تولى حزب الله، بتوجيه إيراني، ملء هذا الفراغ، حيث تحول من حركة مقاومة إلى لاعب سياسي وأمني ينفذ أجندات إقليمية.* اغتيال الحريري كان أحد أولى المهام التي تجاوزت مفهوم المقاومة التقليدية، ووضعت الحزب في موقع جديد على الساحة الإقليمية.3. حرب تموز 2006 كمنصة إقليمية:* في تموز 2006، خاض الحزب حربًا واسعة مع إسرائيل، وهي الحرب التي أظهرت بوضوح رغبة طهران في تعزيز دوره الإقليمي.* الحرب، التي استمرت 34 يومًا، كانت محطة مفصلية، حيث يُعتقد أنها كانت جزءًا من حسابات إيرانية تمهيدًا لتوقيع الاتفاق النووي الأول مع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما (الذي بدأ عام 2009 وانتهى بتوقيع الاتفاق عام 2015).* أظهرت الحرب حجم الاستثمار الإيراني في الحزب، سواء من حيث التمويل أو التدريب، مما رسّخ مكانته كأداة مركزية ضمن محور المقاومة.
من خلال ما سبق، اتضح أن الحزب لم يتحرك في فراغ طوال هذه السنوات، بل ضمن استراتيجية إيرانية بعيدة المدى تتجاوز حدود لبنان.والحقيقة الصعبة: حزب الله أبسط بكثير مما اعتقد كثيرونبساطة حزب اللهلا يعني امتلاك القوة أن مالكها عبقري أو واعٍ بشكل كامل على المتغيرات التي تحكم العالم. وقد لخّص هذا المفهوم فولتير بقوله: "القوة ليست دائمًا دليلًا على الحكمة، فكثيرًا ما تقود القوة غير المدروسة إلى الهلاك".هذه الحكمة تنطبق بشكل كبير على قيادات حزب الله، الذين، رغم نجاحاتهم العسكرية في مراحل معينة، لم يظهروا وعيًا كافيًا بالتغيرات العالمية أو التطورات التقنية التي طرأت على ميادين الصراع.
قيادات الحزب الأساسية لم تتبدل منذ نشأته في الثمانينيات، وظلت محافظة على تركيبتها الكلاسيكية، حتى أمينه العام حسن نصرالله، الذي تولى منصبه عام 1992، بقي في موقع القيادة من دون تغيير، مما عزز من استمرارية النهج ذاته دون تحديث أو تجديد فكري.
تعود هذه البساطة إلى خلفياتهم الاجتماعية؛ فأغلبهم ينتمون إلى قرى وأحياء فقيرة في الجنوب اللبناني أو ضواحي بيروت والبقاع. لم يكن لديهم فرصة لرؤية العالم خارج إطار لبنان وسوريا وإيران والعراق، مما خلق نوعًا من الانغلاق في الرؤية. بالنسبة لهم، كان العالم محصورًا في محور محدد، وهو ما جعلهم غير قادرين على مواكبة التحولات الكبرى التي طرأت على مستوى التكنولوجيا العسكرية أو الاستخباراتية، والتي باتت إسرائيل تتفوق فيها بشكل كبير.هذه البساطة انعكست حتى على شخصية حسن نصرالله، الذي بقي قريبًا جدًا من بيئته الشعبية في فهمه للعديد من القضايا. كان من صالح الحزب في مراحل معينة أن يتبنى سياسات مختلفة، أو أن يتعامل مع تطورات العالم بمرونة أكبر، إلا أن النهج التقليدي لقياداته حال دون ذلك، مما وضع الحزب أمام تحديات متزايدة في مواجهة عدو يتطور باستمرار. أخطاء حزب الله ونتائجهاحزب الله، رغم قوته العسكرية وتنظيمه الصارم، لم يكن بمنأى عن الأخطاء الاستراتيجية التي أضعفت مكانته داخليًا وإقليميًا. ومن بين أبرز هذه الأخطاء:
* اغتيال رفيق الحريري وارتداداته: بدأت سلسلة أخطاء الحزب باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، وهي التهمة التي أُدين فيها أحد عناصره، سليم عياش، من قبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في 18 أغسطس 2020. كان هذا الاغتيال بداية لتحولات خطيرة في علاقة الحزب مع الداخل اللبناني، حيث اتُّهم بتحويل لبنان إلى ساحة صراع تخدم الأجندة الإيرانية والسورية.
* التدخل في سوريا: كان قرار الحزب بالتدخل العسكري في سوريا عام 2011 من أكثر القرارات تأثيرًا على مساره. حينها، كان الشعب السوري يطالب بحقوقه المشروعة في التغيير، وبرزت شخصيات معتدلة وسطية مثل ميشال كيلو، برهان غليون، وحسن عبد العظيم، كبدائل محتملة لنظام بشار الأسد. إلا أن الحزب اختار دعم النظام، مبررًا ذلك بخشيته من انقطاع خط الإمداد الإيراني عبر سوريا، وهو تخوف مفهوم لكنه لم يكن بالضرورة السيناريو الأسوأ. في ذلك الوقت، كان يمكن للحزب تأمين استمرارية الإمداد عبر تفاهمات إقليمية ودولية، لكنه بدلاً من ذلك انساق خلف سياسة إيران في المنطقة.أتى هذا التدخل بثمن باهظ:* خسائر بشرية: آلاف القتلى من مقاتلي الحزب سقطوا في معارك لا تخدم المقاومة ضد إسرائيل، بل أجندات إقليمية.
* خسارة التأييد العربي: دعم الحزب لنظام الأسد أدى إلى نفور كبير من الجمهور العربي، الذي كان يرى في حزب الله رمزًا للمقاومة، قبل أن يتحول إلى قوة طائفية تتبنى شعارات مثل "سوريا الأسد".* تعميق الانقسام الطائفي: انحياز الحزب للنظام السوري ساهم في تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة، مما أضر بصورته حتى داخل لبنان.
* الاختراقات الأمنية: أدى تمدد الحزب الكبير إلى سهولة اختراقه من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، كما كشف تحقيق نشرته نيويورك تايمز مؤخرًا. أشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل استطاعت استهداف مراكز حساسة للحزب، بما في ذلك مخابئ السلاح ومنشآت قيادية، عبر شبكات تجسس واسعة. وجاء في التقرير إن إسرائيل تمكنت من كشف عدد كبير من مراكز الحزب السرية من مخازن أسلحة ومخابئ القادة المحصنة، وقد ظهر هذا جليًا في استهدافاتها منذ تصاعد وتيرة الحرب بعد حادثة سقوط الصاروخ في مجدل شمس بالجولان المحتل.هذه الخروقات الأمنية ليست مجرد هفوات، بل تمثل تحديات وجودية للحزب، الذي لطالما اعتمد على سمعته كمنظمة منيعة أمام الاختراقات.أخطاء الحزب المتراكمة وضعت ثقله الإقليمي والشعبي على المحك. بين التدخلات غير المبررة والخروقات الأمنية، بات الحزب يواجه أزمات تهدد استمراريته بالشكل الذي عرف به في العقود الماضية.مصيرُ حزب اللهلم يكن حزب الله يوماً صاحب هدفٍ واضح. قام الحزب على مفهوم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذه المشروعية انتهت بعد تحرير عام ٢٠٠٠. كان اغتيال الحريري أول عمل يخرج عن إطار "المقاومة" التي قام الحزب على أساسها.لم يدفع الحزب نحو بناء دولة إذ يعرف يقينا أن بناء دولة قوية يناقض مفهوم وجوده وسلاحه على الساحة اللبنانية. وأحاط الحزب نفسه بأهداف عبثية. حارب في دول عربية عدّة بقناع المقاومة. نادى الحزب بتدمير إسرائيل وتحرير فلسطين وهو طموحٌ تعرف راعيته إيران أنه مستحيل الحدوث.لا يجدر بالحزب إذا شاء إعادة بناء نفسه أن يستخدم السواعد والعيون ذاتها التي استخدمها بعد العام ٢٠٠٠. بيئة حزب الله في نهاية الأمر لبنانية وإن كان الحزب قد جرّ ولاءها نحو إيران، وخيارات الحزب أمام كل الوقائع التي ذكرناها تكاد تكون معدومة. يقف الحزب اليوم بين خيارين: إما الانسحاب نحو الوطنية وتحوله إلى حزب لبناني يمارس العمل المقاوم بعيدا عن أجندات الخارج وإما دفعه إلى الانعزال بالقوة لأن ظروف نشأته التي بدأنا بها المقال اختفت كلّها وما بقي منها، أي إيران، مصير نظامها الحالي يكاد يقترب من مصير الشاه في نهاية حقبة حكمه.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top