أتاحت الحكومة التركية لوفد من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي التركي (حزب الشعوب الديمقراطية سابقاً)، زيارة الزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في جزيرة إمرالي، في خطوة تعزز الاعتقاد بأن الحكومة التركية تتجه إلى مقاربة جديدة بخصوص القضية الكردية في البلاد.
ضمّ الوفد الكردي الذي زار أوجلان شخصيات ساهمت في التسوية السياسية التي شهدتها تركيا عام ،2013 بين الحكومة والعمال الكردستاني، كما أرسل أوجلان مع الوفد تأكيدات أنه متقبل لمبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحليفه زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي، اللذين دعيا أوجلان لإلقاء كلمة يعلن فيها انتهاء عهد الإرهاب مقابل تمتعه بحق الأمل المتمثل بإجراء تعديلات قانونية للإفراج عنه.
انقسام الموقف الكردي
المبادرة الحكومية التركية لقيت منذ البداية صداً لدى تياراً من حزب المساواة، خاصة وأن ابن شقيق أوجلان، ويدعى عمر أوجلان، هو قيادي ضمن الحزب وفاعلاً فيه، وثمة العديد من القيادات التي تعتبر أن أوجلان هو رمز للنضال الكردي، وأبدت استعدادها للالتزام بما يقرره، مقابل تياراً آخر هو أقرب إلى قيادة حزب العمال الكردستاني الموجودة في جبال قنديل، ينظر للزعيم الكردي على أنه لا يمتلك تصوراً عن الواقع الحالي بحكم سنوات سجنه الطويلة.
ويبدو أن هدف الحكومة بالأصل من هذه المبادرة، إحداث المزيد من الانقسام داخل صفوف الحزب الكردي، والعمل على المسارين السياسي والأمني بشكل متوازٍ، بحيث يزداد اندماج التيار المرحب بإنهاء استخدام السلاح ضد الدولة التركية ضمن الحياة السياسية، وعزل التيار الآخر واستكمال إضعافه من خلال العمليات العسكرية التركية التي باتت على مشارف جبال متين وغارا وقنديل شمال العراق، المعاقل الأبرز لحزب العمال.
سحب الورقة الكردية من الاستثمار
إن العودة إلى مسار التسوية السياسية بين الحكومة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني، وتعزيز المشاركة الكردية في الحياة السياسية ضمن البلاد، بإشراف من الحزب الحاكم، من المتوقع أن تحقق مكاسب مهمة، أولها، استعادة شعبية التحالف الحاكم لدى الشرائح الكردية، ومحاولة وقف التحالف المعلن تارةً والخفي تارةً أخرى، بين حزب المساواة بمختلف مسمياته السابقة، وحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، حيث أدى هذا التحالف إلى استمرار سيطرة الشعب الجمهوري على رئاسة بلدية إسطنبول، كبرى البلديات التركية، بحكم تأثير المكون الكردي على عملية التصويت.
من جهة أخرى، فإن الحكومة التركية تبدو متوجسة من إعلان النية الواضح من جانب إسرائيل للعمل على تقوية الأقليات في المنطقة، وهذا ما يعكف على تكراره وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر، الذي يؤكد ضرورة دعم الأكراد في تركيا والعراق وسوريا لأن هذا يصب في مصلحة إسرائيل.
وبحسب المعطيات، فإن الإدارة الديمقراطية الحالية وفرنسا تقودان محاولات التقريب بين المكونات الكردية في العراق وسوريا وتركيا، لتعزيز موقف المكون الكردي في مواجهة تركيا وحكومة بغداد المركزية والإدارة السورية الجديدة، وبناءً على ما سبق، بات من المهم قطع الطريق على أي جهود دولة وإقليمية لخلق المزيد من التوتر للجانب التركي عبر استثمار الورقة الكردية.
الانعكاسات المتوقعة للمقاربة الجديدة على الملف السوري
تؤكد قيادات كردية مطلعة على فكر أوجلان، أنه تخلى منذ مدة طويلة عن فكر كردستان الكبرى، ويدعم ما يشبه كونفدرالية بين المكونات الكردية في البلدان الثلاث، وبالتالي هذا يفضي إلى عدم الدعوة للانفصال والمزيد من التقسيم.
نجاح مسار التسوية السياسية في تركيا وتعزيز المشاركة الكردية في العمل السياسي، سينعكس بطبيعة الحال على الحالة الكردية السورية التي تأثرت خلال العقد الأخير كثيراً بالصراع المركزي بين الدولة التركية والعمال الكردستاني، وبالتالي من الممكن أن نشهد المزيد من الابتعاد عن مشروع الإدارة الذاتية لصالح فكرة لامركزية إدارية، خصوصاً في حال نفّذ ترامب ما يعد به فيما يخص الانسحاب من سوريا أو تقليص حجم القوات الأميركية على أقل تقدير، مقابل انفتاح من الإدارة السورية الجديدة على التفاوض مع قسد لإدماجها ضمن مؤسسات الدولة وفق محددات معينة.
عموماً، يوجد تحديدات أمام نجاح مسار التسوية السياسية في تركيا، وستكون السياسة التي ستتبناها الولايات المتحدة في عهد ترامب، من العوامل المؤثرة على قرار الأكراد الذين تلقوا دعماً كبيراً من الإدارات الأميركية الديمقراطية التي تتبنى فكرة دعم الأقليات، على عكس ترامب اليميني الذي يرتب لعلاقات جيدة مع الرئيس التركي، لكن يبقى العامل الإسرائيلي مؤثراً نظراً لما يتمتع به اللوبي الإسرائيلي من تأثير لدى ترامب.