2025- 01 - 02   |   بحث في الموقع  
logo لبنان يتحرك لمنع طائرة إيرانية في طريقها إلى المطار.. إليكم التفاصيل! logo الصادق: لن نقبل بانتخاب هذا الرئيس.. logo مصادر "المدن": تحديد موعد المؤتمر السوري العام وعناوينه الأساسية logo فيدان يتعهد بحماية تركيا لـ"لأقليات" في سوريا logo 21 بندا على جدول اعمال مجلس الوزراء المقبل logo تيار المستقبل: نأسف لمحاولات الضغط على القضاء اللبناني logo شيخ العقل عرض مع جنبلاط المستجدات في لبنان وسوريا logo غارات على إقليم التفاح.. ومسير على علو منحفض في الجنوب (فيديو)
الشرع على "العربية" ينفق مما جناه على BBC
2024-12-31 00:25:42


بفارق عشرة أيام على ظهوره على قناة BBC، ظهر أحمد الشرع على قناة العربية، بوصفه القائد العام للسلطة الجديدة في دمشق. لم يتغيّر الرجل في هذه المدة، إلا أنه في لقائه التلفزيوني الأول ظهر مطَمْئناً شريحة واسعة من السوريين، بخلاف لقائه الثاني. ما هو مشترك بين المقابلتين أنه أجاد في الأولى إرسال الإشارات إلى الغرب، وأجاد في الثانية إرسال الإشارات إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج، بل حتى إلى روسيا، في حين لا يبدو أن توجيه رسائل مماثلة للسوريين في طليعة اهتماماته.في لقائه الأول، علاوة على رسائله إلى الخارج عموماً، طمأن الشرع شريحة واسعة من السوريين لكونه ظهر على غير النموذج المتوقع من إسلامي كان مبايعاً تنظيم القاعدة فيما سبق. وبالمقارنة مع بشار الأسد، التي لا بد أن تحضر في الأذهان، سجّل الشرع حضوراً بسيطاً، غير متكلّف أو متوتر. عموماً، كان الاعتدال الذي طبع تلك المقابلة يلاقي نزوعاً عاماً إلى الاعتدال والتصالح بعد سنوات الانقسام المرير، وكان مبشّراً بمزيد من الانفتاح على الداخل السوري.
بين اللقاءين، ظهر الشرع مستضيفاً شخصيات عربية وأجنبية، بل استضاف صانعي محتوى على السوشيال ميديا، وكان مفهوماً أنه (برغبة شخصية منه أو بنصيحة ممن حوله) يشتغل على ترويج نفسه لدى الخارج، وأيضاً لدى الأجيال الجديدة من متابعي السوشيال ميديا. الغائب الأكبر في هذه الأيام أن الشرع لم يتوجّه بكلمة مباشرة مخصصة للسوريين، فلم يظهر ولو لدقائق على شاشة التلفزيون الرسمي متوجّهاً للداخل حصراً، ومتحدّثاً عن رؤيته (بحكم موقعه الحالي) للتعاطي مع الكثير من الاستحقاقات الملحّة.كان يمكن، في الحد الأدنى، أن تبدر عن الشرع لفتة ولو من خلال لقائه على العربية، كأن يقول أنه يتوجّه من خلال شاشتها إلى السوريين بقولٍ ما. وقبل ذلك، كان مفيداً لو خرج بكلمة عشية أحداث العنف التي اندلعت في حمص والساحل، وأثارت مخاوف جدية من انفلات يهدد السلم الأهلي. لم يحدث هذا مع الأسف، إلا أن الفرصة تبقى قائمة للاستدراك إذا كان لديه نوايا مطمئنة لعموم السوريين، بل هذا ملحّ عاجلاً بعد الإشارات التي تثير القلق في حديثه الأخير.
في حديثه إلى العربية أو مجمل أقواله السابقة، لم يذكر الشرع السوريين بوصفهم فاعلين سياسياً، وشركاء أنداء في تقرير مصير بلادهم. وإذا كان كلامه عن كتابة دستور جديد، ثم إجراء انتخابات على أساسه، قد أثار المخاوف من السقف الزمني الذي حدده بأربع سنوات، فإن هذا السقف يُفترض ألا يثير الخشية لو اقترن كلامه بما هو واقعي لجهة حاجة السوريين إلى الوقت، من أجل الانتظام سياسياً في أحزاب أو هيئات أو تيارات.
أي أن السوريين ليسوا فقط غير جاهزين في المدى القريب تقنياً من أجل الانتخابات، وإنما هم أيضاً بحاجة إلى مناخ من حرية العمل والانتظام السياسي ضمن مهلة واقعية، وضمن تكافؤ في الفرص لإيصال تصوراتهم وبرامجهم للجمهور السوري. وإذا كان الشرع قد قدّم تبريراً مقبولاً لتعييناته الحكومية من اللون الواحد، فإن حديثه عن التشاركية بقي في إطارين؛ إما النظر إلى السوريين كمجموعات دينية وإثنية، أو النظر إليهم كأفراد، وفي الحالتين هناك قفز على السياسة التي بموجبها ينتظم السوريون كجماعات سياسية، بعضٌ منها على الأقل عابر لما يسمّيه "المكوّنات".في مثال صارخ على رؤية الشرع هذه، رأى في إجابة له على أحد أسئلة العربية أن ائتلاف المعارضة لم يبقَ له مبرر مع سقوط الأسد، وأن مشاركة الائتلاف الممكنة في الحكومة اللاحقة هي مشاركة أفراد حصراً. أن لا يحظى الائتلاف بسمعة طيبة لدى السوريين، وكذلك هو حال العديد من هيئات المعارضة الأخرى، فهذا لا يحرم تلك الهيئات من الحق في الوجود والعمل لمجرد سقوط الأسد، ومطالبتها بحلّ نفسها لا يوجّه رسالة إيجابية إلى النشاط السياسي المطلوب في سوريا الجديدة.
لا يكفي على صعيد التعاطي إيجاباً مع النشاط السياسي إقرار الشرع بحق التظاهر، فالسياق الذي ورد فيه ينص على حرية إبداء الرأي، من دون تعريفه كحقّ ديموقراطي لا يقتصر على حرية النزول إلى الشوارع لإبداء الرأي. وقد ربط الشرع ممارسة الحق بعدم التعرّض للمؤسسات، وهذه إشارة لها إرث سلبي جداً لدى السوريين، لأن إعلام الأسد ادّعى بعد انطلاق الثورة أن المتظاهرين هاجموا وحرقوا العديد من المؤسسات الحكومية الخدمية.في إطلالته التلفزيونية على العربية، حافظ الشرع على تجاهله الديموقراطية، والتجاهل في صلب قوله أن قرار مجلس الأمن 2254 تم تنفيذه مع إسقاط الأسد، والإفراج على ما تبقى من معتقلين أحياء في سجون. هو تحدث عن تنفيذ روحية القرار، لأنه سقط بحَرْفيته مع إسقاط الأسد. هنا أيضاً تجاهل روحية القرار (لا نصه فقط) التي تشير إلى هيئة حكم انتقالي تشاركية، وإلى انتقال ديموقراطي يُتوّج بدستور وانتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة. سقوط الأسد لا يلغي مبدأ التشاركية، ولا يلغي مبدأ الانتقال الديموقراطي؛ هذه هي روحية القرار، والالتزام بها ليس هدية للخارج، بل بمثابة تتويج مستحق لنضالات السوريين.
في سياق تجاهله السوريين أيضاً، تهرّب الشرع من إجابة مباشرة صريحة عندما سأله المذيع عن إمكانية رؤية "فارس الخوري" جديد في سوريا، حيث قصد المذيع تسلّم الخوري رئاسة الحكومة عام 1954. منصب رئاسة الحكومة لم يُثر يوماً الجدال حول منصب الرئاسة ودين الرئيس، وبهذا المعنى يكون الجواب المنطقي المتوقَّع أن لا شيء يمنع وجود مثيل لفارس الخوري في سوريا الجديدة، وأن الأمر متروك للسوريين كي يقرروا ذلك، وهو ما تحاشى الشرع قوله.جدير بالذكر أن فارس الخوري هو من آباء استقلال سوريا، ومن آباء دستورها بعد الاستقلال. وقد شاهدنا الشرع يشير في العديد من المرات إلى دستور المستقبل المناط به وضع الأرضية القانونية للحكم، والإشارة المتكررة رافقها غموض لجهة آليات كتابة وإقرار الدستور العتيد. ومن المعلوم أن الدساتير تعبّر عن العقد الاجتماعي الذي تتوافق عليه هيئة جامعة ذات تمثيل يحظى بصدقية، وتحويل التوافقات إلى نصوص قانونية هو من شأن الخبراء الدستوريين حصراً. لكن قبل الوصول إلى النصوص القانونية، يجب التأكيد على صدقية الهيئة التي تتوافق على المبادئ العامة، وعلى أن يحظى الممثَّلون فيها بتكافؤ ومساواة يعكسان التنوع السوري الذي لا يُختصر بطوائف وإثنيات. لذا ثمة خشية من أن يكون تجاهل السوريين اليوم مقدّمة لتجاهل مشاركتهم الفعّالة في إقرار الدستور، والحديث عن دستور يدوم لعقود يجعل الخشية ماثلة وواجبة أكثر.أنفق الشرع في إطلالته على العربية من الرصيد الذي جناه عندما تحدث على قناة BBC، وهو في إطلالات لاحقة سيفقد التشجيع والتسامح مع النواقص اللذين هما من نصيب البدايات. هناك قضايا شديدة الأهمية بالنسبة للسوريين، وليست من طينة ما يستهوي الخارج كذهابه أو عدم ذهابه إلى المسرح، وهو وضع نفسه في موقع المتحدث المسؤول الذي يُسأل عن أقواله. المثال البارز أيضاً تحدُّثه في اللقاء عن التحوّل الاقتصادي للبلد، ومن المعلوم أن التحول عن نمط القطاع العام (في جميع البلدان التي مرت بالتجربة) كان مؤلماً جداً، رغم كونها بلداناً معافاة بالمقارنة مع سوريا. الموضوع الاقتصادي يحتاج بحثاً منفصلاً، لكن (على وجه السرعة) هناك حاجة ليضمّه السيد الشرع إلى جملة التطمينات التي يحتاج إليها الناس بعد حديثه الأخير. لا يزال المناخ العام إيجابياً، ومواتياً للشرع كي يتحدث إلى السوريين في كل ما سبق وسواه، وكي يثقوا بأنهم يعبرون سنتهم الفائتة إلى سنة جديدة.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top