في موسم الأعياد الحالي، ورغم محاولة اللبنانيين التقاط أنفساهم لتمضية أجواء فرح العيد، الذي يبدو من خلال انتشار مظاهر الاحتفالات وتزيين الشوارع وإضاءتها بزينة العيد، لا يبدو أن جيل الشباب منهمك بالاحتفالات والاستعداد للسهر. تختلف التوقعات وأجواء الاحتفالات بين منطقة وأخرى، لكن يبدو واضحاً أن الحرب التي عاشها لبنان ألقت بظلالها الثقيلة على أحلام وآمال الشباب بمستقبل مشرق، مما أدى إلى تصاعد مشاعر الإحباط واليأس. هذه الحرب غيّرت الكثير في نفوسهم، خصوصاً أن جيل الشباب الحالي لم يعش تجربة الحرب في عام 2006. هذا الجيل إما ولد خلال وبعد تلك الحرب أو كانوا ما زالوا أطفالاً ولم يعيشوا الويلات. جيل لم يكن يعي بشكل كامل معنى الحرب وخسائرها وتداعياتها.اختلاف الأجواء الاحتفاليةالمظاهر الاحتفالية تبدو واضحة في الطرقات بعد توقف الحرب. من منطقة البترون إلى الضبية الصاخبة بالسهر مروراً بوسط بيروت وشوارع الجميزة ومار مخايل، وصولاً إلى بدارو، زينة الأعياد تشي بأن اللبنانيين مندفعين بحب الحياة، رغم ويلات الحروب. لكن ثمة مفارقات بين منطقة وأخرى تعبر عن سلوك السكان والشباب. ففيما منطقة ضبية عامرة برواد المقاهي ولا سيما بالجيل الشاب، وتكاد لا تستطيع إيجاد طاولة واحدة في المقاهي، تبدو الأجواء الاحتفالية في وسط بيروت مقتصرة على الأجواء العائلية. أما في مناطق الجميزة ومار مخايل وبدارو، فالصورة مغايرة جداً عن السنوات السابقة. لا تشهد مقاهي وحانات المنطقة الازدحام المعهود بفترة الأعياد، وأجواء السهر لم تعد إلى ما كانت عليه قبل الحرب.من خلال الجولة الميدانية التي قامت بها "المدن" على تلك المناطق في الأيام السابقة، تختلف الأجواء الاحتفالية عن السنوات السابقة، وبات الحديث عن الحرب محور حياة الشبان والشابات. ففي المقاهي، والجامعات، وحتى في المنازل، تتكرر النقاشات عينها حول مستقبلهم في لبنان وفقدان الأمل بمستقبل مشرق، وسط بحث محموم عن الهجرة واستكمال علمهم في الخارج.الحرب تلقي بثقلهانور شحادة، من سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، تقول لـ"المدن": "أغتنم عطلتي الجامعية ووقف الحرب لأخرج وأسهر. أشعر أنني لا أريد أن أفوّت أي لحظة. أريد أن أبرم لبنان كله، كل المناطق التي لم أزرها أريد زيارتها".وتضيف شحادة، بشيء من التأمل: "لم أكن هكذا قبل الحرب. الشهران الماضيان، والخوف الذي عشته خلالهما، جعلاني أشعر أن كل شيء يمكن أن ينتهي فجأة. لا أعرف متى قد يقتلني صاروخ. لذلك، قررت أن أعيش وأستمتع بكل لحظة".نور تعاند الواقع. هي مندفعة لعزل نفسها عن مأساة الحرب. وتريد أن تعيش أي لحظة فرح. أما زينب كمال، إبنة بلدة ميس الجبل، فتقول: "لا روح عيد أو احتفالات وسط هذا الألم الذي نعيشه. ما زلنا بعيدين عن بلداتنا، وننتظر عودتنا إليها".لا تشعر كمال أنها تعيش أجواء الأعياد. وفقها: "الوضع المأساوي والدمار الكبير الذي حل بالجنوب والضاحية ناهيك عن انتشال شبه يومي لعشرات جثامين القتلى من بين الأنقاض. الحزن والقلق يحولا دون استعدادنا للاحتفال والفرح بعيدي الميلاد ورأس السنة، كما كنا نفعل سابقاً".بدوره يؤكد الشاب الجزيني (من منطقة جزين) مارون بو راشد: "لم أستطع العودة إلى حياتي الطبيعية بعد. إسرائيل ما زالت في الجنوب، والقصف لم يتوقف بالكامل". ويضيف بحسرة: "كنت أعتاد أن أقضي هذه الفترة من السنة ورأس السنة في الخارج، والسهر مع الأصدقاء، لكن هذا العام اخترنا البقاء في المنزل. أكثر أمناً وأفضل للعائلة".
غياب "الغُربية" عن البترونبعد حوالي شهر على وقف إطلاق النار، استعادت شوارع المدن اللبنانية الكبرى والصغيرة شيئاً من بريقها مع انطلاق موسم الأعياد. الأضواء والزينة الميلادية، التي تزينت بها الطرقات، بدت كمحاولة جماعية لإعادة نبض الحياة إلى الشوارع، بعد 66 يوماً من الحرب.
في البترون، التي لطالما اعتُبرت من أبرز وجهات السهر والسياحة الداخلية، يصف روني بو رجيلي، العامل في أحد مطاعم المدينة، المشهد قائلاً: "البترون تعج بجيل الشباب من مختلف الأعمار. العجقة واضحة، والناس تحاول أن تستمتع بوقتها، لكن الأجواء ليست كما في السنوات الماضية". ويضيف أن "المنطقة تفتقد الى "الغربية"، ويقصد بذلك الغرباء عن المنطقة، أي "أهالي بيروت والجنوب وبعض المغتربين، الذين كانوا يشكّلون جزءاً كبيراً من زوار المدينة خلال فترة الأعياد".من جهة أخرى، بدأت الحانات والملاهي الليلية في لبنان تستعيد صخبها المعتاد تدريجياً، بعد فترة طويلة من الصمت الذي فرضته الحرب. محمد شمص، الذي يعمل كـ"بارتندر" في إحدى الحانات الشهيرة في بيروت، يصف الوضع قائلاً: "نشهد حجوزات جيدة، وهناك إقبال من الشباب الذين يحاولون الهروب من ضغط الحياة اليومية والاستمتاع بأجواء السهر".ومع ذلك، يشير شمص إلى ملاحظة بارزة: "رغم هذا النشاط، إلا أن حجوزات رأس السنة قليلة مقارنة بالسنوات الماضية. الأجواء مختلفة، والناس مترددة، ربما بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة أو التخوف من أي تطورات أمنية مفاجئة".في حديث مع الشباب، يتضح أن الحماسة للخروج والسهر في لبنان تضاءلت لدى فئة معتبرة منهم. وهذا ما يظهر من أحاديث الشباب. كان من المفترض أن تسود ظروف أفضل تشجّع الناس على العودة إلى حياتهم الطبيعية والاستمتاع بأجواء مريحة، لكن ارتفاع الأسعار ينعكس على إحجامهم عن الاستعداد للاحتفال. بدلاً من الإنفاق على الترفيه، الذي أصبح مكلفاً للغاية، يفضل العديد من الشباب توفير المال والتفكير في السفر أو استثمار مدخراتهم في فرص خارج هذا الواقع المليء بالتحديات.