ما الذي يمكن قوله سينمائياً في نهاية عام مثل هذا؟ عام إبادة ومجازر وإجرام وعار وأحلام. مضى 14 شهراً مروّعاً منذ اندلاع الحرب الإباديّة على غزة، ولا تزال الفظائع تتزايد. ومع ذلك، يستمر العالم في كمّ الأفواه وتشويه السرد، وتجريد الفلسطينيّين من إنسانيتهم. لكن الحياة ستستمر، رغم كل شيء، والسينما أيضاً ستستمر. حتى في غزة نفسها، المنكوبة بالحرب والدمار، ثمة مجال للسينما والأحلام والأمل. في آب الماضي انطلقت الدورة الثامنة من "مهرجان العودة السينمائي" وسط خيام النازحين بمواصي خان يونس. حملت الدورة اسم "دورة جنوب إفريقيا" تحت شعار "انتظار العودة... عودة". شهد المهرجان مشاركة 93 فيلماً من 33 دولة، وركّزت الأفلام المشاركة على قضية القدس، والعودة، واللاجئين. إقامة المهرجان، الساعي لترسيخ فكرة العودة وتعزيز السردية الفلسطينية بمواجهة محاولات الطمس، تقول شيئاً عن الإبداع كأداة للمقاومة والتشبث بالحقوق الوطنية، عن رغبة لا تلين في الحياة.عُزلة الاحتلال وصعود السردية الفلسطينيةكشفت الحرب الأخيرة (والمستمرة) على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كثيراً من الزيف والنفاق العالميين، مثلما كشفت عن بعض المواضع البيضاء وسط سوادٍ كثيف وهائل. المجتمع السينمائي ليست بمعزل عما يجري. مبكراً، في الشهر الثاني لحرب الإبادة، كانت انطلاقة النبذ الثقافي لإسرائيل في أمستردام ذاتها التي شهدت قبل شهرين تقريباً إنكشاف إحدى ألاعيبهم الدعائية. حينها، في حفل افتتاح مهرجان إدفا للأفلام الوثائقية المرموق، صعد 3 نشطاء فلسطينيين إلى المسرح رافعين لافتة «من النهر إلى البحر... فلسطين ستتحرّر»، وصوّر المدير الفني للمهرجان (السوري عروة النيربية) وهو يصفّق، ومن بعدها بدأ إعصار من ردود الأفعال بين مؤيّد ومعارض. لكن مع تواصل حرب الإبادة الإسرائيلية واجه صنّاع الأفلام والدراما الإسرائيليون عزلة سينمائية وثقافية دولية، وباتت الإنتاجات الإسرائيلية غير مرحّب بها في برامج الدعم والتظاهرات الفنية والسينمائية، ما شكّل تهديداً وشرخاً في أحد أدوات الاحتلال لتبييض جرائمه وتعزيز سرديته. غيّر السابع من أكتوبر كثيراً، وتغيّر المشهد الإنتاجي، وصار "أكل عيش" الإسرائيليين الدرامي في خطر.اليوم، صار على كل مهرجان سينمائي مهمّ أن يتعامل مع مظاهرات مؤيّدة للفلسطينيين، وكل مشاركة لفيلم إسرائيلي أو لمخرجين إسرائيليين تأتي مصحوبة بمعارضة ورفض واسعين. وكما يورد تقرير لصحيفة "هآرتس"، فـ"مديري المهرجانات اليوم يفضّلون الابتعاد عن الأفلام الإسرائيلية، وبات المنتجون والموزّعون الدوليون لا يريدون أي علاقة بالمشاريع الإسرائيلية، ويجد صناع الأفلام من إسرائيل أنفسهم منبوذين ومرفوضين بطريقة تذكّر بمعاملة الروس لأكثر من عامين بسبب الحرب الأوكرانية".في المقابل، لم يكن الحال وردياً دائماً تجاه الاصوات الفلسطينية أو المؤيدة لها، تماماً كما حدث للمخرج الإسرائيلي اليساري يوفال أبراهام في مهرجان برلين الأخير، عندما ألقى خطاباً بعد فوز فيلمه «لا أرض أخرى» أدان فيه ممارسات الاحتلال وحرب الإبادة، وأثار إلى الآن ضجّة حظيت بتغطية عابرة للقارات. مؤيدون آخرون واجهوا تبعات قاسية، خصوصاً في هوليوود، عبر استهدافهم على الشبكات الاجتماعية أو استبعادهم من الانضمام لأعمال فنية. سوزان سراندون، أحد أبرز الأصوات الهوليوودية المتضامنة مع فلسطين، كانت من أبرز ضحايا هذه التداعيات.لكن من ناحية أخرى، شهدت اللائحة القصيرة لجوائز أوسكار 2025 فيلماً عن فساد نتنياهو، وآخر عن غزة، وثالث عن عمليات التهجير في قرى الضفة الغربية المحتلة. إشارات بسيطة، ولا يمكن التعويل عليها كثيراً، لكنها على المدى الطويل تمثّل خطوة في الاتجاه الصحيح، خصوصاً مع استمرار الاحتلال في ارتكاب جرائم يعجز الخيال عن تخيّلها.السينما تتغيّريصعب تحليل ما حدث في عالم السينما الدولية في 2024 دون الإشارة لأزمة الجمهور، الذي تميز بتغيّر عاداته في استهلاك الأفلام. كانت هجرة المشاهدين من دور العرض الكبيرة إلى دور العرض الصغيرة (في المنازل والمكاتب وغرف النوم) محسوسة منذ نزلت "نتفليكس" السوق العالمية في 2011. لكن وتيرتها تسارعت مع الوباء وكل عامّ يتأكّد هذا الاتجاه.لإثبات ذلك، يكفي مقارنة أرقام إيرادات شباك التذاكر العالمية هذا الموسم بتلك الخاصة بعام 2019، الموسم الذي سبق الوباء. في حين بلغ مجموع الأفلام العشرة الأكثر مشاهدة هذا العام ما يزيد قليلاً عن 8.13 مليار دولار، إلا أنها قبل خمس سنوات جمعت ما لا يقل عن 13.244 مليار دولار، رقم قياسي لإيرادات شباك التذاكر لأعلى 10 أفلام تحقيقاً للأرباح . نفس الاتجاه يفسّر جزئياً الأرقام المنخفضة للسينما المصرية في عام 2024 (كونها لا تزال السينما الأوسع انتشاراً في المنطقة العربية). لكن هذا العام، الصعب والمفجع، حفل بالكثير من السينما، سواء الجيدة أو غير ذلك، ويمكن أن يساعد التقييم في ترتيب بعض الأفكار.
(من المعطف رقم 2)في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبحت اقتباسات الكتب المصوّرة للأبطال الخارقين هي العمل التجاري الكبير الذي هيمن على صناعة السينما على مدى السنوات العشر التالية. أصبحت الشخصيات الخارقة شيئاً مثل الطفرة في ملاعب التنس، ولكن في هوليوود، حلّت تدريجياً محل الأفلام المتحركة الرقمية والأفلام الملحمية واقتباسات الملاحم الأدبية للأطفال والشباب وغيرها من الأعمال السينمائية الرائعة، التي تنافست معها في السوق منذ بداية القرن الجديد.النمو المستدام لقاعدة جماهيرية نشطة للغاية جعل الأمر يبدو وكأن العمل سيستمر إلى الأبد. بلغت ذروة هذا الطفرة في 2018، عندما كانت خمسة من أعلى الأفلام ربحاً في العام أفلاماً لأبطال خارقين. لكننا نعلم بالفعل أنه لا توجد إمبراطورية تدوم ألف عام، وجاءت نقطة الانهيار بعد عامٍ واحد فقط، مع إصدار فيلم"Avengers: Endgame"، الذي مثّل نهاية حقبة. في 2020، تزامناً مع الوباء، انفجرت أفلام الأبطال الخارقين مثل فقاعة العقارات وبدأ كل شيء في الانهيار. ومنذ ذلك الحين، لم يعبر أي فيلم مخصّص لهذا الموضوع روبيكون الرداءة، ما أثّر بشكلٍ كبير على الأداء التجاري لهذا النوع.في الواقع، يمثل عام 2024 أدنى نقطة في السنوات العشر الماضية، مع وجود عنوانين فقط في المراكز العشرة الأولى. أحدهما كان فيلم "ديدبول & ولفرين" الذي صدر بعد واحدة من أكبر الحملات التسويقية في السنوات الأخيرة، رغم أنه يمكن القول إن الفيلم بالكاد يلبّي معظم توقّعات المعجبين المتعصّبين. والآخر كان فيلم "فينوم: الرقصة الأخيرة" الذي أغلق إحدى أضعف ثلاثيات "مارفل".الأنيميشن يزدهرعلى عكس الأبطال الخارقين، كانت أفلام الأنيميشن مرة أخرى الفائز الأكبر في 2024، حيث جاءت أربعة عناوين في المراكز العشرة الأولى لهذا العام، وهو أعلى معدّل منذ العام 2011: "إنسايد أوت 2" و"ديسبيكابل مي 4" و "مانا 2" و "كونغ فو باندا 4". لسوء الحظ، لا يتكرر هذا النجاح الهائل في الأفلام نفسها، فكلها أفلام متممة لأخرى أصلية وأغلبها لا يتعدّى حدود التسلية العابرة والمنسية. أفلام مكمّلة تتضخم ببساطة في المنطقة المزدحمة من الملاحم السينمائية، دون تقديم مساهمات كبيرة لأفضل ما قدّمته أجزاؤها السابقة بالفعل في كلّ حالة. بالطبع، كان ما يقرب من 1.7 مليار دولار جمعها فيلم "إنسايد آوت 2" كافياً ليصبح فيلم الرسوم المتحركة الأكثر ربحية في التاريخ والثامن في القائمة العامّة.الأفلام الأربعة التي تكمل العشرة الأوائل ليست أصلية على الإطلاق. فهي إما جزء من ملحمة، مثل "كثيب 2" للكندي دوني فيلنوف، و"غودزيلا ضد كينغ كونغ: امبراطورية جديدة"، الجزء الخامس مما يسمّى "monsterverse" (عالم الوحوش)، أو أنها منتجات مصنوعة على رماد نجاح الإنتاجات السابقة. ينتمي ""Wicked و"Beetlejuice Beetlejuice" للمخرج تيم بيرتون إلى هذه المجموعة الفرعية، وكلاهما تكملة متأخرة جداً لأفلام مثل "ساحر الأوز" (1939) أو ""Beetlejuice (1988).وافد جديدهذه المرة يجب البحث عن أفضل أفلام العام في السينما التجارية خارج قائمة الأكثر مشاهدة وحتى خارج إنتاج الاستوديوهات الكبيرة. تحمل العديد من الأفلام الأكثر إثارة لعام 2024 العلامة التجارية لشركة الإنتاج المستقلة A24، التي رسّخت نفسه هذا الموسم كمرادف للسينما الطموحة والمحفوفة بالمخاطر، لكن القادرة على إغواء عموم المتفرّجين.قائمة الأفلام والمخرجين الذين جاءوا إلى المسارح المحلية هذا العام بفضل A24 انتقائية بقدر ما هي مثيرة للإعجاب: "حبّ وأكاذيب ودماء" (من إخراج روس غلاس)؛ "حرب أهلية" (أليكس غارلاند)؛ "ماكسين" (تاي ويست)؛ "نحن نعيش في الزمن" (جون كراولي)؛ "مهرطق" (سكوت بيك وبريان وودز)؛ و"كوير" (لوكا غواداغنينو). ويجب أن نضيف إلى هؤلاء ثلاثة آخرين لم يصدروا بعد في المنطقة العربية: "بارثينوبي" (باولو سورينتينو)؛ "رجل مختلف" (آرون شيمبرغ)؛ و"الوحشي" (برادي كوربيت)، وهو أحد العناوين التي بدأت بالفعل في حصد الترشيحات في موسم الجوائز، بما فيها سبعة في جوائز غولدن غلوب.
(من الغرفة المجاورة)ثمة حالة خاصّة هي حالة غواداغنينو المذكور أعلاه، والذي أصدر هذا العام فيلمين، أحدهما أفضل من الآخر، لأنه قبل فيلمه "كوير" المذكور أعلاه، قدّم المخرج الإيطالي في بداية 2024 فيلماً رومانسياً آخر بعنوان "متحدّون". ولا يسعنا إلا أن نذكر من بين أفضل أفلام هذا العام فيلم الإثارة "Longlegs" للمخرج أوسغود بيركنز؛ "آلين: رومولوس" (للمخرج الأوروغوياني فيدي ألفاريز)؛ فيلم الرسوم المتحركة "الروبوت البرّي" (كريس ساندرز)؛ والفيلم اللطيف "رسائل صغيرة شريرة"، وهو مبارزة تمثيلية حقيقية بين البريطانيتين جيسي باكلي وأوليفيا كولمان، من إخراج ثيا شاروك، والذي لم يظهر في دور السينما العربية. وبالطبع، "الغرفة المجاورة"، أول فيلم للإسباني بيدرو ألمودوفار مصوّر باللغة الإنكليزية، والذي يقترح مبارزة أخرى بين ممثلتين قديرتين، لا تقلّ إثارة للاهتمام عن السابقة، في هذه الحالة بين تيلدا سوينتون وجوليان مور.إخفاقاتكانت هذه واحدة من أكثر الكلمات تكراراً لعام 2024 في مجال السينما العالمية، حيث رافقت العديد من العناوين المنتظرة لعامٍ لم تؤت فيه العديد من رهانات الاستوديوهات الكبيرة ثمارها في شباك التذاكر. يشمل هذا التصنيف بعض الأعمال الجيّدة التي لم تلق استحسان الجمهور في دور العرض، مثل فيلم "فوريوسا" للأسترالي جورج ميلر، والذي رغم جودته لم يحقق الاستجابة المتوقعة.حالات معاكسة تتمثّل في "غلادياتور 2" للمخرج ريدلي سكوت، أو "جوكر: جنون مشترك" للمخرج تود فيليبس، واللذان لم يلبيا التوقعات المتولّدة في نسختهما السابقة، لكنهما حصلا على أداء تجاري مقبول. بالطبع، من بين الإخفاقات سيئة السمعة يجب أيضاً تضمين كل ما يتعلق بالأبطال الخارقين، بدءاً من "فينوم" المذكور أعلاه، والذي يجب أن نضيف إليه "مدام ويب"، و"كرافن الصيّاد"، مما يؤكد تراجع هذا النوع. سيتعيّن علينا أن نرى كيف سيستجيب "سوبر مان" جيمس غان، الأمل الكبير لسينما الأبطال الخارقين في عام 2025، لهذا الأمر.المهرجاناتسلطت الأزمة الضوء على المكانة التي تحتلها المهرجانات الكبيرة كمستودع للسينما الأكثر تحدّياً والأعلى جودة، على الرغم من عدم اتباعها تلك القاعدة دائماً. ومن بينها، يبقى مهرجان "كانّ" الأكثر تأثيراً. تضمنت برامجه هذا العام فيلم "أنورا"، عملٌ كوميدي مجنون للفنان الكبير شون بيكر، فاز بالسعفة الذهبية ويُنتظر عرضه محلياً في الربع الأول من 2025. بينما فاز فيلم "المادة" The Substanceللفرنسية كورالي فارغا بجائزة أفضل سيناريو وحقق نجاحاً غير متوقع انتقل من دور العرض إلى منصة "موبي". وأخيراً، ذهبت جائزة أفضل إخراج إلى البرتغالي الرائق ميغيل جوميز عن "جولة كبرى"، أفضل أفلام العام على الإطلاق."إميليا بيريز"، أحدث أعمال الفرنسي جاك أوديار، والذي عُرض في مهرجانات عربية، أثار جدلاً أيضاً في مدينة كان. هناك فيلمان آخران نوقشا كثيراً (بشكل عام ليس بإيجابية)، هما فيلم "ميغالوبوليس" للمخضرم فرانسيس فورد كوبولا، و"أفق: ملحمة أميركية"، ملحمة الويسترن الكلاسيكية من إخراج وبطولة كيفن كوستنر. وكلاهما انتقلا سريعاً للعرض على منصّات البث.
كان مهرجان البندقية (فينيسيا) السينمائي المكان الذي قُدّمت فيه بعض الأفلام المذكورة أعلاه ("جوكر"، و"كوير"، و"الغرفة المجاورة"، الحائز على جائزة الأسد الذهبي، و"الوحشي"، الفائز بجائزة أفضل إخراج). من جانبه، فاز في "برلين" الفيلم الوثائقي الحسّاس "داهومي" للمخرجة الفرنسية السنغالية ماتي ديوب بجائزة الدبّ الذهبي، في مسابقة فاز فيها فيلم "احتياجات المسافر" للمخرج الكوري الجنوبي هونغ سانغ سو، و"الإمبراطورية" للفرنسي برونو دومون. وكلاهما يستحق جوائز لجنة التحكيم المنفصلة. أما أهمّ أفلام السنة، "لا أرض أخرى" لباسل عدرا ويوفال أبراهام، ففاز هناك بجائزتي المهرجان والجمهور لأفضل فيلم وثائقي في الدورة. أخيراً، ذهب "مجمع باباوي"، للألماني إدوارد بيرغر، إلى مهرجاني سان سيباستيان وتورنتو، ومن هناك رسّخ نفسه أحد أكثر العناوين المفضّلة في موسم الجوائز التالي.تأثير عالميمنذ عدة سنوات، فقدت الأفلام المنتجة في قلب هوليوود مكانتها في قائمة أكثر 100 فيلم مشاهدة. وفي عام 2024، تعمّق هذا الاتجاه أيضاً. هناك سبعة أفلام من أماكن سينمائية أخرى تمكّنت من دخول قائمة الخمسين الأوائل، ثلاثة منها يابانية: فيلم الأنيميشن "المحقق كونان: شارة المليون دولار"، و"هايكيو!! معركة القمامة"، والملحمة التاريخية "المملكة 4: عودة الجنرال العظيم". يظهر أيضاً في هذه المجموعة فيلمان من كوريا الجنوبية، فيلم الرعب "إكسهوما"، وفيلم الحركة البوليسي "مدينة الجريمة 4".تمكّنت السينما الفرنسية أيضاً من جذب انتباه هوليود، حيث تسلّلت كوميديا "شيء إضافي بسيط" Un p"tit Truc en Plus، ونسخة جديدة من رواية فيكتور هوغو الكلاسيكية "الكونت دي مونت كريستو"، إلى قائمة أكثر 50 فيلماً ربحاً لهذا العام. إذا توسّع النطاق إلى أعلى 100 فيلم تحقيقاً للإيرادات، فسيظهر 17 فيلماً آخر من اليابان أو كوريا الجنبية أو فرنسا أو ألمانيا أو الهند أو روسيا أو كرواتيا أو الفلبين.موسم إعادة الإصدارالدليل القاطع على الانسداد الإبداعي الذي تمرّ به هوليوود، والذي تغذّيه أزمة المشاهدات، تقدّمه موجة إعادة الإصدار التي حدثت في جميع أنحاء العالم خلال عام 2024. مثلاً، بحجة الذكرى السنوية الخامسة عشرة لإصداره، عُرض فيلم "كورالاين" هذا العام من جديد، تحفة سينما الرسوم المتحركة للمخرج هنري سيليك. حقق الفيلم أكثر من 50 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، وهو رقم جعله على وشك أن يصبح واحداً من أكثر 50 فيلماً مشاهدة لهذا الموسم.هناك إصداران آخران نجحا في أن يكونا من بين أكثر 100 عنوان تحقيقًا للإيرادات في هذا العام هما "نهوض فارس الظلام" (2012) و"بين النجوم" Interstellar (2014)، وكلاهما من إخراج البريطاني كريستوفر نولان، وربما يكون المخرج الأكثر نجاحاً في القرن الحادي والعشرين إذا أخذ بعين الاعتبار إيرادات أفلامه. وفي الجزء الأسفل من الرهان، يظهر خارج أعلى 100 فيلم تحقيقاً للإيرادات إعادة إصدار "حرب النجوم الجزء الأول: تهديد الشبح" (جورج لوكاس، 1999) و"سيد الخواتم: عودة الملك" (بيتر جاكسون، 2003).
ظاهرة إعادة الإصدار حضرت عربياً أيضاً، وإن كانت في الأغلب لأسباب تتعلّق بما يجري في فلسطين ولبنان. أفلامٌ لشحذ الذاكرة، وإحياء الذكريات، وتحديّ السرديات المشوّهة، وتعزيز الأصوات الفلسطينية، وشدّ الأزر لبنانياً.حالتان غريبتانرغم اختلاف الأسباب، إلا أن أحدث الإنتاجات لمخرجين عظيمين وغزرين الإنتاج مثل وودي آلِن (89 عاماً) وكلينت إيستوود (94 عاماً) شهدا تعقيدات في عرضهما الأول. في حالة الأول، تأثّر فيلمه "ضربة حظّ" بحملة إلغاء طالته نتيجة تهمة الاعتداء الجنسي التي تلاحقها به إحدى بناته بالتبنّي منذ سنوات. ومع ذلك، عُرض الفيلم لفترة وجيزة في الصالات نفسها التي امتلأت في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات لرؤية كل عمل جديد لألِن.ومن ناحية أخرى، فمسألة فيلم "المحلّف رقم 2" لا يمكن تفسيرها، إذ قررت شركة الإنتاج "وارنر برازرز" منحه إصداراً محدوداً في دور العرض (فقط في بعض البلدان) وبدلاً من ذلك أرسلته مباشرة إلى منصّات البث. يمثّل الفيلم عودة إلى أفضل أفلام إيستوود الكلاسيكية، بعد الخطأ الفادح الذي مثّله فيلم "بكاء ماتشو" (2021)، عمله السابق. وخلافاً لكل التوقعات، تمكّن "المحلّف رقم 2" من خدش قائمة أكثر 100 فيلم مشاهدة لعام 2024، إذ حلّ في المركز 101، في دليل كافٍ لتأكيد أن "وارنر" أخطأت تماماً في عدم السماح للفيلم بشغل موطنه الطبيعي: دور السينما.