أجرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقًا استقصائيًا يكشف عن مدى تغلغل جواسيس الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" في صفوف حزب الله. ويتناول التقرير تفاصيل دقيقة حول دور الموساد في تنفيذ العمليات الإسرائيلية ضد الحزب، بما في ذلك اغتيال قادته الرئيسيين وزرع أجهزة تنصت في مخابئه. هذا التحقيق يُظهر الأبعاد الاستراتيجية والاستخباراتية للصراع المستمر بين إسرائيل وحزب الله، وكيفية تأثير هذا التغلغل على الموازين الإقليمية.
تفاصيل التحقيقوفقًا للتقرير، نجح الموساد في تجنيد جواسيس داخل حزب الله ليزرعوا أجهزة تنصت في مخابئ الحزب ويتابعوا اجتماعاته السرية. هذا التغلغل منح الإسرائيليين اطلاعًا شبه دائم على تحركات جميع قادة الحزب، بما في ذلك الأمين العام حسن نصرالله، الذي اغتالته إسرائيل في أيلول 2024. كشف التحقيق أن نصر الله لم يكن يعتقد بأن إسرائيل تخطط لاغتياله، وعلى الرغم من تحذيرات مساعديه بتغيير موقعه، إلا أنه ظل في حصنه تحت الأرض حيث تم اغتياله.
وأشار التقرير إلى أن حزب الله مُنيّ بضربات قاصمة، تجلت باغتيالات عدة لكبار قادته بدءا من فؤاد شكر، الذي يُعد من الجيل المؤسس لحزب الله وأحد أبرز قادته العسكريين، في ضربة استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 تمّوز الماضي (2024).
واستند التقرير إلى مقابلات مع أكثر من 20 مسؤولًا إسرائيليًا وأمريكيًا وأوروبيًا حاليًا وسابقًا، والذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم. وأفادت المصادر بأن الموساد تعاون مع الوحدة الاستخباراتية 8200 منذ عام 2012، حيث حصلت على "كنز" من المعلومات حول مواقع قادة حزب الله ومخابئهم للأسلحة والصواريخ. فيما كشف هؤلاء أن المخابرات الإسرائيلية تمكنت من رصد لقاءات شكر مع عشيقاته الأربعة، فضلا عن مكالماته معهن لاحقا من أجل إبرام عقود زواج عبر الهاتف، رعاها هاشم صفي الدين الذي كان من المرتقب أن يخلف أمين عام الحزب السيّد نصرالله.حرب 2006 والتحولات الاستخباريةتناول التقرير حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، التي اعتبرتها إسرائيل مهينة، مما أدى إلى فتح لجنة تحقيق واستقالات كبار الجنرالات وإعادة تقييم نهج الجهاز الاستخباراتي تجاه الحزب. بعد الحرب، عزز الموساد جهود تجنيد الجواسيس داخل الحزب وأشغلهم مناصب حيوية في إعادة بناء هيكل الحزب، مما مكنه من جمع بيانات أكثر دقة وتحسين عمليات التجسس.
بحلول أيلول 2024، ارتفع عدد الملفات الاستخباراتية الإسرائيلية عن قادة الحزب من مئات إلى عشرات الآلاف، مما ساهم في تنفيذ حملة إسرائيلية محكمة ضد الحزب، شملت اغتيال كبار قادته مثل فؤاد شكر وإبراهيم عقيل، ومهاجمة منشآته العسكرية، مما أدى إلى إضعاف قدراته بشكل كبير وتوجيه ضربة استراتيجية لإيران الداعمة للحزب.عمليات الموساد ضد حزب اللهوكشف التقرير أن الموساد، بالتعاون مع الوحدة 8200، أجرى عملية مستمرة لأكثر من عشر سنوات لاختراق شبكة اتصالات حزب الله عبر توريد أجهزة اتصال مفخخة تعرف باسم "ووكي توكي" و"البيجر". بدأت إسرائيل في صنع أجهزة اتصال لاسلكي مقلدة من طراز "آي سي-في 82" في عام 2014، والتي تم تهريبها إلى لبنان واستلمها الحزب بأكثر من 15 ألف وحدة بحلول 2015.
في عام 2018، تقدمت ضابطة إسرائيلية بخطة لاختراق أجهزة "البيجر"، إلا أن مسؤولين رفضوها لقلة انتشار الجهاز في ذلك الوقت. ومع تزايد شكوك الحزب تجاه استخدام الهواتف واعتماده على "البيجر"، باشر الموساد استهداف شركة "غولد أبول" التايوانية المعروفة بتصنيع الأجهزة، وحصل على تراخيص لشركات إسرائيلية وهمية دولية لإنتاج نماذج مخصصة من أجهزة "البيجر" تم تسويقها لحزب الله بناءً على مقوماتها العسكرية.
واجهت هذه العملية مخاطر كبيرة عندما بدأ خبراء تقنيون داخل الحزب بالشك في تعرض أجهزة "البيجر" للاختراق، ما أدى إلى تصفية أحد هؤلاء الخبراء بغارة جوية إسرائيلية. وفي آب 2023، دعا رئيس الموساد ديفيد برنيع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى شن حملة لشل قدرات حزب الله الصاروخية ومنشآته الحدودية، مما أدى إلى تفجير أجهزة "البيجر" في أيلول 2024 بناءً على معلومات استخباراتية تشير إلى إرسال الحزب لهذه الأجهزة إلى إيران لتحليلها.اغتيال القادة وتأثيراتهأدت حملة إسرائيلية شملت اغتيال قادة حزب الله مثل فؤاد شكر وإبراهيم عقيل وإبراهيم قبيسي ومحمد سرور وهاشم صفي الدين إلى إضعاف الهيكل القيادي للحزب بشكل كبير. كما أسفرت هذه العمليات عن مقتل آلاف اللبنانيين وتشريد أكثر من مليون شخص، مما شكل ضربة استراتيجية لإيران وأضعف أحد أهم خصوم إسرائيل في المنطقة.
أشار التقرير إلى أن إسرائيل كانت تشارك المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها مع حلفائها الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفاء أوروبيين. وقد زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقر الوحدة 8200 في تل أبيب بعد العملية، حيث استعرض رئيس الوحدة المعلومات التي جمعتها الوحدة وفخرًا بها، مؤكداً على جاهزية إسرائيل للهجوم على إيران في حال نشوب حرب مع حزب الله.
ويبرز تقرير نيويورك تايمز الدور الحاسم والاستخباراتي لجهاز الموساد في تفوق إسرائيل ضد حزب الله، مشيرًا إلى الاستراتيجيات المتقدمة والتغلغل العميق الذي مكن الإسرائيليين من تقويض قوة الحزب وقيادته. هذا التحقيق يعكس مدى تعقيد اللعبة الاستخباراتية في الشرق الأوسط وأهمية الاستخبارات في صياغة السياسات الأمنية والاستراتيجية للدول الفاعلة في المنطقة. كما يسلط الضوء على التأثير الكبير الذي يمكن أن يحدثه التغلغل الاستخباراتي في تحقيق الأهداف الاستراتيجية وتوجيه مسار الصراعات الإقليمية.