الاسم: أحمد زاهر جغل
المؤهلات العلمية: خريح كلية إعلام
العمل سابقاً: صحافي في عدة مطبوعات ومواقع سورية
القيد العائلي: وفقاً لسجلات السجانين متوفى في سجن صيدنايا إثر نوبة قلبية عام 2014.
الحقيقة كما تداولها من نجا من الموت في المسلخ البشري: فقدان النفس تحت التعذيب.هل سمعتم يوماً عن روح تتحدث، تفرح، تنتشي. هذا ما حدث معي وأنا أحدق من السماء صوب دمشق لحظة التحرير وأهتف حرية.. حرية... وها هو باب سجن صيدنايا يفتح ويخرج من تبقى على قيد الحياة ليروي بشاعة وقسوة ما كان يحدث من فظائع لا يتحملها عقل.
نعم أنا عشت هناك. لا أعرف إن كانت كلمة عيش صحيحة بل الأصح أن أقول إنني لفظت أنفاسي الأخيرة تحت أيدي جلاد كان يتلذذ يومياً باقتيادي إلى كرسي كهربائي ليحدث ماساً عالياً بجسدي "يفصل اللحم عن العظم" وحين يفرغ من تعذيب البشر كان يقوم بقطع رؤوس الدمى من شدة وحشيته. مشهد رويته وسيرويه الكثيرون من بعدي.
لمن لم يسمع بي، أنا صحافي سوري نحت بأظافره اسم ابنه "كرم" على أحد جدران هذا السجن ليقيني أنه قد يتمكن يوماً ما من رؤيته، أو ربما كي لا أنسى من يكون حين أجن وأفقد عقلي، كما كُثر.
تتساءلون الآن ما هي التهمة التي وجهت لي؟ إنه تقرير دوّن فيه كلام كنت أردده دوماً عن عشقي لفريق برشلونة نتيجة فرق سياسي مرتبط بالهوية والثقافة بينه وبين ريال مدريد.
فبرشلونه، كما يعرف كثر، رمز للهوية الكتالونية وحركات الاستقلال والتحرر، ويعكس مقاومة مرّة للسلطة المركزية الإسبانية خصوصاً خلال حقبة الديكتاتور فرانكو، بينما ريال مدريد ارتبط بالسلطة المركزية، واعتبر رمزاً لدعم النظام، ما يجعل برشلونة أكثر من رمز رياضي بل رمز سياسي وثقافي، ونحن هنا نتكلم بعيداً عن صراع رياضي.. ما جعل ذنبي لا يغتفر. وإليكم حكايتي كاملة.يوم الاعتقال5/9/ 2012 كان يوماً لا ينسى. العائلة كاملة قد اجتمعت وأحمل طفلي كرم بين يدي. نتجهز للذهاب إلى تركيا لحضور زفاف أختي. مزاج وعراك عائلي طوال الطريق من دمشق إلى اللاذقية، لكنني لم أكن أعرف حينها أنها اللحظات الأخيرة التي سأرى فيها وجه أمي وابني، إلا حين وصلنا الحدود البرية في قرية كسب، التي تؤدي إلى الأراضي التركية، ليتم اقتيادي من هناك، رغم رجاء والدتي، إلى منفردة في فرع الجبة في الميسات التابع للأمن السياسي.
يقول زياد جغل شقيق أحمد، إنه تم اعتقاله أيضاً بعد شهر من اعتقال أخيه ليوضع في المهجع رقم "3" بمساحة لا تتعدى المترين مع 50 شخصاً، فيما وضع أحمد في المهجع رقم "2". لكنه لم ير أخاه أبداً وجهاً لوجه بل كان يسمع السجان ينادي باسمه من أجل جلسات التحقيق بصوت عال، ويتم كذلك ضربه خلالها ليتناهى الصوت إلى مسمع زياد.
كنت أتلوى تحت وقع صوت الضربات، كما لو كانت تستقر على جسدي وأشعر بعجز لا مثيل له: "إنه أسوأ عذاب نفسي تعرضت له على الإطلاق".
نسأله عن فحوى التحقيق، فيقول: تهم متعددة بتمويل من الخارج لمعدات تصور وتوثق خروج المتظاهرين، يقطعه صوت السوط الذي كان يأكل من لحم أخي ولحمي ومن ثم شتائم أخجل أن أقولها بسبب تشجيعه لفريق برشلونة الثوري، وإسقاط تاريخ هذا الفريق على تاريخ الثورة السورية.
يغمى على أخي ويختفي صوته كلياً وصوت التعذيب، وفي داخلي دعاء أن يكون قد بقي على قيد الحياة، ليأتي صوت السجان منادياً باسمه في اليوم التالي، ويخبرني بعدها أن التقرحات قد أكلت جسده "يلا فتاح الباب، وروح جبلو دكتور"، ثم يطلق ضحكة لن أنسى صوتها أبداً.
تتوالى أيام العذاب النفسي لي والجسدي لأخي، يتم إخراجي وإحالته إلى سجن عدرا المركزي.فقدان جزئي للبصرما بدأ به فرع الجبة أكمله سجن عدرا، لكن هذه المرة مع تهمة جديدة: قتل "مخبر للنظام"، كان مختصاً بكتابة تقارير بشباب الصالحية الثوار. علماً أن جريمة القتل وقعت بالفعل بعد دخول أحمد زاهر إلى السجن بشهرين وفقاً لشقيقته.
بعد دفع الغالي والنفيس تتمكن زوجته من زيارته لتكتشف أن نظره قد تأذى كثيراً، وجسده امتلأ بالتقرحات مع المنع الكامل لإحضار أي شيء له، ليغيب ويغيب أي خبر عنه بعد ذلك.
يقطع الغياب قدوم شاب بسحنة نحيلة جداً إلى أحد محلات العائلة في سوق البزورية الدمشقي الشهير، يتظاهر بأنه يريد الشراء، ويهمس سراً في أذن "الشغيل": أحمد في سجن صيدنايا. الشاب كان بالكاد يقوى على السير ويتلمس جهة الكلية اليمنى كثيراً. يتبعه الشغيل والخوف باد عليه، يقول "إنه لا يستطيع التكلم أكثر". ويرسل رسالة أخرى لم يفهم الشغيل معناها وقتها "خاصرتي كما خاصرة كل سجين تؤلمني كثيرا". ليتبين أن داخل سجن صيدنايا كان هناك شبكة من السجانين يعملون بشكل مباشر مع شبكة إتجار بالأعضاء البشرية التي تنتزع من أجساد المساجين، طبعاً.الابتزازإنه طرف الخيط الذي أوصل العائلة إلى الإفلاس تقريباً. إذ دأب أحد السجانين في سجن صيدنايا على ابتزاز العائلة والحصول على كل أموالهم، مقابل خبر عن أحمد لم يحصلوا عليه إلا في عام 2018 عند إخراجهم لقيد عائلي، ليتبين أن ابنهم قد تمت توفيته في عام 2014 "بسبب أزمة قلبية" أي بعد حوالى خمسة أشهر من دخوله إلى صيدنايا.
يقول ابن خالته معاذ جغل: في حينها تم تنفيذ حملات إعدام ضخمة بحق كل معارض للنظام وكان أحمد من بينهم وفقاُ لروايات من كان معه. فيما تحمد شقيقته الله على استشهاده وعدم تحمله لعذاب أكبر بعد رؤية المسلخ البشري في صيدنايا. أما والدته فما زال الأمل يسكنها برؤيته في عداد المفقودين.
مات أحمد بعد أن تسلّخ جلده عن عظمه، لكنه قبلها كان من أوائل المؤسسين لتنسيقة الصالحية حتى قبل اندلاع الثورة في سوريا ومنذ بداية الثورة الليبية. وطالب بالحرية وبدأ بتنظيم التظاهرات والتنسيق مع صفحة الثورة السورية بعد تأسيسها. والتوثيق لخروج الشباب السوري ونشر الأخبار الإعلامية عنهم، باسم خفي في مواقع إلكترونية عدة.
كما أجرى سلسلة تحقيقات تناول فيها الحالة المزرية التي آلت إليها بيوت رؤساء سوريا السابقين، بدءا من بيت الرئيس السابق محمد علي العابد. ليسلط الضوء على عهد سوريا ما قبل "البعث"، فالحكم الأسدي همش وأنكر عن سابق إصرار لكل من كان قبله، مهما عظمت إنجازاته، ليطلب إيقاف الملف عند القصر الرئاسي الحالي الذي دخله الشعب يوم التحرير.
"أحبائي أنا هنا أرى دمشق من الأعلى. سأخبركم بأنني ما زلت أشجع فريق برشلونة وأهتف باسمه. أحدق بسجن صيدنايا وأقول: لم يعد يوجد أثر للبشاعة هناك.. فلترقد روحي بسلام الآن".