من قصد البطريرك الماروني بشارة الراعي، في عظته يوم أمس، الذين وصفهم بـ”البعض” الذي “ما زال يُفكّر بتأجيل جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من شهر كانون الثاني المقبل”، وأنه يفعل ذلك “بانتظار إشعار ما من الخارج”، معتبراً ذلك “عيب العيوب”، ومعبّراً عن رفضه له، ومحذّراً من “اللعب بهذا التاريخ الحاسم”.
منذ إعلان رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في 28 تشرين الثاني الماضي موعد جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية يُنهي الفراغ الرئاسي المستمر منذ سنتين و3 أشهر، لم يخرج رأس الكنيسة المارونية بموقف بهذه الحدّة من الإستحقاق الرئاسي، وتحذيره من لجوء البعض إلى تطيير جلسة الإنتخابات المرتقبة، مع أنّ الجلسات الـ12 السّابقة منذ الأولى التي انعقدت في 29 أيلول في العام 2022 والـ12 والأخيرة في 14 حزيران من عام 2023، شهدت تطييراً للنصاب، وانفضاضها من غير أن يخرج الدّخان الأبيض من مقرّ المجلس النيابي.
لكنّ حدّة موقف البطريرك الماروني، مع بدء العدّ التنازلي لموعد الجلسة بعد 10 أيّام، جاء بعدما استيقن أنّ أكبر كتلتين نيابتين مسيحيتين تتجهان لتطيير الجلسة، هما كتلة القوّات اللبنانية وكتلة التيّار الوطني الحرّ، كلّ منهما لحسابات سياسية وشخصية تبتعد وتتناقض مع المصلحة الوطنية عامّة ومصلحة المسيحيين خاصّة، وبالتالي إطالة أمد الفراغ الرئاسي.
فالقوّات اللبنانية وجدت نفسها في لحظة “نشوة” سياسية نتيجة تطوّرات ونتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان وسقوط نظام الرئيس بشّار الأسد في سورية، وأنّ حظوظ رئيسها سمير جعجع بالوصول إلى قصر بعبدا مناسبة بهذه المرحلة أكثر من أيّ زمن آخر، ما جعلها لا تُخفي رغبتها بتطيير جلسة الإنتخاب المقبلة، ولو قالت عكس ذلك، وتأجيل الجلسة بضعة أشهر من أجل تحقيق حلم يراه خصومها سراباً ووهماً.
بدوره، لا يُخفي التيّار الوطني الحرّ سواء عبر رئيسه النائب جبران باسيل أو نوّابه أو كوادره عدم رغبتهم بالمساعدة في إيصال شخصية ما إلى قصر بعبدا لا تكون محسوبة عليهم، أو لهم مونة سياسية وشخصية عليها، ما يجعل العهد المقبل ـ برأيّهم ـ إستمراراً لعهد الرئيس السّابق ميشال عون، وهيمنة التيّار البرتقالي ورئيسه على قرار الرئاسة الأولى والسلطة في المرحلة المقبلة، برغم يقينهم أنّ تكرار التجربة بات مستحيلاً.
واذا كان باسيل أعلن مراراً رفضه جميع المرشحين المعلنين للرئاسة، من رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون، فإن القوات اللبنانية تمارس ما يشبه “التقيّة” السّياسية، واللعب على حبال مواقفها. ففي حين تؤكّد أنّها ستحضر جلسة 9 كانون الثاني وتؤمّن نصابها ولن تعمل على تطييرها، فإنّها تتعامل مع أغلب المرشّحين على طريقة “الغموض البنّاء”، ضربة على الحافر وضربة على المسمار.
غير أنّه بعد كلام البطريرك الراعي وحديثه عن “إرتهان” البعض لإشارة ما من الخارج لانتخاب الرئيس، كون ذلك برأيّه “عيب العيوب”، وتحذيره من ذلك، فهل أنّ الثنائي المسيحي، القوّات والتيّار، سيراعيان موقف بكركي، أم أنهما سيديران الظهر لموقف سيّد الصرح الذي لا يملك، برأيهما، في الشّارع المسيحي أكثر من تأثيراً معنوياً لا يُقدّم أو يؤخّر في استحقاق الرئاسة وغيره شيئاً؟.
موقع سفير الشمال الإلكتروني