بين أحمد الشرع والملك فيصل بن الحسين، تاريخ يتشابه فهل يتشابه المصير؟..
الملك فيصل بن الحسين قائد الثورة العربية الكبرى ضد الحكم العثماني ثم ملكاً على سوريا بدعم ووعد من الإنكليز الذين عادوا وعزلوه بعد شهرين فقط، ليُفرض بعدها الإنتداب البريطاني ثم الفرنسي على سوريا، ويأتي التقسيم لبلاد الشام حيث تم إنشاء دولة لبنان سنة 1920 على يد الجنرال الفرنسي غورو لتكرّ السبّحة بتأسيس كيانات جديدة من تركة السلطنة العثمانية.
أحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام بعد ثورة الشعب السوري التي أسقطت حكم آل الأسد بعد 13 سنة من قيام هذه الثورة سنة 2011 حتى 2024 وما تخلل هذه السنوات من ويلات الحرب والدمار والتهجير والقتل والإعتقالات.
لا يخفى على أحد أن للشرع غطاءً إقليمياً من تركيا ومظلة دولية من أميركا التي ترسل موفديها الى الشام للقائه والتنسيق معه، وهي نفسها كانت تضع جائزة مقدارها عشرة ملايين دولار لمن يأتي بمعلومات عنه، في حين تسارع الدول التي تراعي هيبة العلم الأميركي الى مغازلة الشرع والتودد لإدارة سوريا الجديدة عبر سفرائها وبياناتها ومصطلحاتها التي تغيرت 360 درجة ما إن غض القطب الأوحد النظر عنه وما إن فهم العالم أن للولايات المتحدة خاطراً به، فنظر الكل من المنظور الأميركي الى وجه سوريا الجديد.
على هذا التقدير يشكك متابعون كثر أن تترك الولايات المتحدة الأمور تسير بكل هذه البراءة والعفوية الا إذا كان هناك يوم آخر ترسم له، فهل يتحضر لثورة مضادة كما كان الحال في مصر فيُعزل الشرع كما عُزل مرسي الذي جاء بصورة الرئيس الشيخ الملتزم ودغدغ مشاعر الأمة كونه مختلفاً عن الرؤساء العسكر الذين حكموا مصر فعُزل بثورة مضادة من داخل الدولة العميقة.
وكذلك فإن الشرع أعطى نشوة عارمة للشعب السوري الذي تخلص من ظلم وفساد نظام الأسد وأيضاً اعطى معنويات كبرى للمسلمين السنة الذين حُكموا على مدى نصف قرن من الأقلية العلوية في سوريا. فضلا عن تفاصيل الصور التي قدمها بدخوله الى دمشق ساجداً وخطابه بالناس في الجامع الأموي ومن ثم خطبة الجمعة الأولى لرئيس الحكومة السورية الجديدة من على منبر الجامع الأموي وما لها من أبعاد ورمزية.. كل ذلك كان كفيلا بتوجيه الرسائل على المستوى الإسلامي، تاركا تساؤلات هل ستسير الأمور في سوريا على البارد وصولا الى تثبيت أقدام الدولة الجديدة، أم أن سيناريو العراق سيتكرر بكل ما يحمل من فوضى واغتيالات وكانتونات مذهبية وعدم استقرار أمني وسياسي واقتصادي.
اخطر ما في الأمر هو الغموض الذي يلف مصير سوريا، والشك في أن تترك الدول الكبرى ذات العقلية الاستعمارية وذات المصالح والأطماع، سوريا بخير من دون تقسيم أو إنقسامات.
الى ذلك فإن ما يتمناه الكثيرون هو أن تعطى الفرصة للشرع وإدارته الجديدة للتحضير لفترة انتقالية يرسم فيها شكل الدولة الجديدة من الدستور الي كل الأمور التنظيمة فليس مع الشرع عصاً سحرية ليبني دولة خلال أسابيع فقط وهي تحتاج لسنوات لتنهض من الحرب والفوضى ولتستطيع تلبية احتياجات المواطن على مستوى عادل وحياة كريمة.
لا أحد يتمنى أن يكون مصير الشرع كمصير الملك فيصل بن الحسين، ولا أحد يتهم الشرع بأنه يلعب دوراً لمصلحة خارجية، لكن كل الظروف كانت مؤاتية لتصل الامور الى ما وصلت اليه، إنما يُخشى من أن يُغدر به كما تم الغدر بفيصل من قِبل الإنكليز والعبرة ليست بالأشخاص فقط إنما بمصير دولة لها عمقها ورمزيتها في تاريخ المنطقة ويجب أن تعود دولة فاعلة على الساحة العربية لا أن تكون ساحة لأجندات إقليمية تتلاعب بها وتفقدها وزنها وهيبتها وأن تُنشر فيها الفتن والقلاقل والإنقسامات على أسس مذهبية وطائفية وعرقية خدمة لمصالح دول كبرى تنظر الى سوريا كسلة موارد طبيعية وأرض مطامع ومصالح ونفوذ.
موقع سفير الشمال الإلكتروني