رحل الكاتب والشاعر سمير سعد مراد (84 عاماً) بعد صراع مع المرض. عرفناه في الثمانينات منظراً وباحثاً في قضايا اليسار والنهضة في مجلة "الطريق" الفكرية، وكاتباً ثقافياً في جريدة "النداء" التابعة للحزب الشيوعي، ونشر فيها روايته "هاجر"(1984)... لم يبق طويلاً ضمن الدائرة الشيوعية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، لم يعاند التحولات والرياح العالمية، أدرك سريعاً أن الفكرة انتهت وأن الزيت شح ولا بد من البحث عن مسار جديد ومختلف، لازم الصمت والهامش، وغادر إلى عالم أعماله، عمل مستشاراً لوزير الثقافة الراحل ميشال إده لفترة وجيزة، أصدر ديوانه "حجر النعاس"(1998)، يومها قال له الروائي الراحل الياس خوري ""لقد وُلِدَ لنا شاعرٌ جديد"، وهو كتاب مصقول لغوياً، يندرج عنوانه ضمن تجاور التضاد المادي والمعنوي حيث الحجر يدل على الجماد، والنعاس يحيل الى تلك الحالة الفاصلة بين اليقظة الحياة والنوم كما كتب الناقد سلمان زين الدين، وفي متنه نقرأ عناصر الحالة الخريفية وزمنها. استعار سمير من "لسان العرب" ما صَدِّرَ به حجر نُعاسِهِ:
"... وكان من عادة الجاهليَّة أنَّهم إذا وجدوا شيئًا في طريقهم ولا يُمكِنُهم استصْحابه، تركوا عليه حجارةً يعرِفونَهُ بها، حتَّى إذا عَادُوا أخَذُوه".
وجاء في الديوان:
هَلْ سَوْفَ يَنْتَبِهُ الخَريفُ ذاتَ عامٍ أنَّهُ وَرَقُ؟
وَإذا تَرَاكَمَ أوْ تَلاشىٰ على رَصِيفٍ
أنَّهُ ضِفْدَعٌ هارِبٌ
غُدْرَانُ أَحذِيَةٍ وَكِلْسٍ
رُبَّمَا عُمْرُ؟
هَلْ سَوْفَ لا يَبْلَىٰ الكَلامُ وَجِنْسُهُ حَجَرٌ
ناتِئٌ كَاحتِجاجٍ
مِنْقارُ بومٍ بِلا جُمْلةِ البُومِ
عالِقٌ على رَأسِ غابٍ مِنَ الأَعْوَادِ
رَخْوَةٌ أَسْرارُهُ
لَمْ تَنْفَتِحْ لَها غَيْرُ أَدْرَاجِ الأَرضِ
فَضيحةٌ مِنَ الصَّمْتِ الذي دَمْعُهُ صَوْتُ؟
وذهب الديوان في دائرة النسيان في بيروت، مثل الكثير من المؤلفات الشعرية. من بعد الشعر بدأ كتابة سيناريوهات المسلسلات التلفزيونية، منها "من برسومي" (إخراج إيلي اضباشي) بثته المؤسسة اللبنانية للارسال، لكن مسلسله عن "مي زيادة" لم ير النور، ظل لسنوات في كتابته والبحث عن أسرار الأديبة الراحلة في الكتب والمجلات والمكتبات، لكن بقي في الأدراج...
سمير مراد الذي يصادف أنه يعيش في منزل في الحازمية يطلّ على مكان "العصفورية" أو اطلالها، حيث عاشت مي زيادة مظلومة ومضطهدة، وهو كان من أبرز من شرح سيرتها وعوامل تهميشها في الصحف المصرية وصالونها وغراميتها وعلاقتها الملتبسة بالعقاد وجبران وجسدها، ونشر فصولا عنها في الصحف والمجلات، وكان يسعى لأن يصدرهم في كتاب.في زيارة له في منزله مع الصديق محمد أحمد شومان، كان النقاش القليل حول علاقته بلوحات الفنان سمير خداج وبول غيراغوسيان وصوره الباقية من زمن الأربعينيات، وقد علّق إحداها قرب صورة سمير قصير.