ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بسقوط بشار الأسد وهروبه. هنا بعض الفسبكات والتغريدات حول الحدث وأهميته في التاريخ الحديث، بعد الجزء الأول، والثاني، والثالث، والرابع، والخامس، والسادس، والسابع، والثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر هنا الجزء الثاني عشر:رائد وحش
لم يتخيل الطيار الحربي رغيد الططري أنه سيخرج حرًّا من سجنه، عبر نجاح الثورة في البلد الذي لم يحمه، ولم يحمِ حماة حين رفض قصفها عام 1982.
كان ذلك الرفض الشجاع تحديًّا مباشرًا لحافظ الأسد، الذي أصر على استعادة الطيار المتمرد من الأردن الذي هبط على أرضه، ولهذا امتزج العصيان مع الانتقام الشخصي لدى الدكتاتور الذي كان يعرفه لكونهما زميلين في سلك الطيران.
تنقل الططري بين أسوأ السجون في سوريا. وتعلّم مع الوقت والخبرة أنه ليس سجينًا عاديًّا، بل شخص عليه دعم المعتقلين.
قال لي صديق عرفه في السجن إنه لعب دورًا نفسيًا بالغ الأهمية. فعلى الرغم من إدراكه بأنه لن يخرج أبدًا إلا أنه استمد قوته من اليأس، من انعدام الأمل بالخروج إلى الضوء، ولهذا عاش في ظلام الأقبية معطيًا نفسه الحق بأن يخترع الأمل الذي لم يحصل عليه، كي يمنحه للشباب الذين آمن بأنهم يستحقونه. كان صوت زفراتهم وحامل آلامهم وقوتهم المفقودة، وبسببه بقي كثيرون منهم على قيد الحياة. قال صديقي: "لولا وجوده معنا في السجن لمات كثيرون من اليأس".
انفتحت البوابات وخرج المعتقل ليجد نفسه مُكرمًا من شعبه، فأدرك أنّ الحياة ليست مجرد أيام نعيشها لأجل أنفسنا، إنما هي ما نمنحه للآخرين.
لو أن أصحاب التضحيات الكبرى يعودون ويرون مآلات نضالهم، لكانوا أمام خيارين: الندم أو الفخر.
رغيد من أصحاب الخيار الثاني، ليس لأنه أدرك أن معاناته لم تكن عبثًا وحسب، بل لأنه رأى سنواته الطويلة تعود إليه دفعةً واحدة، وكأن الحياة التي فقدها تضاعفت متخذةً شكل اعتراف وكرامة.رشا عمراناقرأ تعليقات على مواضيع إشكالية تتعلق بشكل الدولة الجديدة من مثل: "الأكثرية في سوريا مسلمون سنة وكلهم يريدون دولة دينية". تعليق كهذا يتردد كثيرا ويكرس نظرية أن السنة في سوريا كتلة واحدة متجانسة وهو ما يتنافى مع الواقع. فسنة سوريا عبارة عن طبقات لكل منها خصائص تميزها عن الأخرى. الغالبية العظمى من العلمانيين في سوريا هم من السنة. والغالبية العظمى من الملحدين أيضا. سنة المدن الكبرى لا يشبهون سنة الأطراف الذبن بدورهم لا يشبهون سنة الأرياف. سنة الساحل لا يشبهون سنة الداخل. وبالمناسبة الأقليات تعيش نمط حياة منفتح لكن غالبية أفرادها مؤمنون بالعقائد التي ينتمون لها ولو كانت عقائدهم متشددة لكانوا متشددين. التشدد الديني الذي طرأ على مجتمع الأكثرية بعد الثورة هو تمسك بهوية وانتماء دفاعا عن الوجود الفردي والجمعي بعد أن فتك إجرام الأسد بكل الهويات الأخرى. هو تشدد مرهون بوقته وظرفه. شاهدوا سلوك مقاتلي الهيئة السوريين حين يتخلون عن حذرهم وخفرهم مع المدنيين في كل المحافظات، يرقصون ويغنون ويعزفون على آلات موسبقية. يعودون بسرعة إلى طبيعتهم البعيدة عن التطرف. مشروع التطرف السياسي أو الدولة الدينية الجهادية إن ابتلت فيها سوريا فسوف يسقطها سنة سوريا أنفسهم أبناء السنة الذين أسقطوا نظام الأسد ودولته الإرهابية، لن تسقطها الأقليات.
حسن عباس
تريد رئيسة مكتب شؤون المرأة في الحكومة السورية "المؤقتة" عائشة الدبس صناعة نموذج سوري خاص للنساء السوريات، "يناسب بلدنا وواقعنا وعاداتنا وتقاليدنا وأصالتنا وحضارتنا"، كما تقول. تتعجب من فكرة تبني البعض لـ"النموذج العلماني أو المدني"، وتؤكد أن هذا لن يحصل في سوريا "الجديدة".
عندما تتحدث الدبس عن النموذج المنشود، مرّة تقول إنه "ليس لدينا نموذج جاهز الآن"، ومرة أخرى ترحّب بمشاركة المنظمات السورية المعنيّة بحقوق المرأة في صناعة هذا النموذج إذا كانت مشاركتها تدعم "النموذج الذي نحن بصدد بنائه"، وتستطرد: "بالنهاية أنا لن أفتح المجال لمَن يختلف معي بالفكر"، ما يعني أن الخطوط العامة للنموذج المنشود محددة سلفاً!
يمكن الاستنتاج من حديث الدبس لمحطة "تي آر تي عربي" أن المنظمات التي ستُقصى هي المنظمات ذات الخلفية الحقوقية التي تتبنّى المفاهيم العالمية لحقوق الإنسان (تتهمها بأنها تحمل أجندات ذات أثر سلبي على الأطفال والنساء وبأنها ساهمت بنشاطاتها في رفع معدل الطلاق)، اللهم إلا إذا كانت ستشارك كديكور لمنح الغطاء لما سيُفرض لاحقاً على السوريات. في المقابل، يبدو أن المنظمات التي ستشارك هي تلك ذات الخلفية الإسلامية، بوصفها لا تختلف في الفكر مع الدبس، لأنها تمتلك نفس الفكرة عن المرأة "المنشودة"، تلك التي "لا تتجاوز أولويات فطرتها التي فطرها الله عليها، وهي دورها التربوي في أسرتها" والـ"معنيّة بالانتباه لعقيدتها، بأسرتها، بزوجها، وبأن تنتبه لسلّم أولوياتها"، كما قالت رئيسة مكتب شؤون المرأة.
لا توضح الدبس كيف يمكن أن تشارك النساء المنتميات إلى جماعات غير سنّية، من علويات ومسيحيات ودرزيات وغيرهنّ، وحتى النساء العلمانيات من خلفية اجتماعية سنّية، في صناعة النموذج الخاص بالمرأة السورية. فهؤلاء حتى لو كنّ "منتبهات لعقائدهن"، فإن عقائدهنّ لن تنسجم مع عقائد الدبس التي يمكن تلخيصها بقولها: "نحن لدينا مرتكَز هو الشريعة الإسلامية ولن نتخلى عن الشريعة الإسلامية".
وكعادة المتحدثين ممَّن نصّبتهم هيئة تحرير الشام لقيادة سوريا "الجديدة" ورسم شكل مستقبلها، من أحمد الشرع وصولاً إليها، يُصادف أنها تعرف الأجوبة عن كل شيء إلا الأشياء التي لا يمكن أن تُقرأ على وجهيْن، ليأخذ المتلقّي الساعي إلى "الاطمئنان" الوجه الذي يطمئنه. فما يمكن أن يلاقي اعتراضات يُرحَّل تكتيكياً إلى المستقبل، إلى حين وضع دستور موعود وقوانين موعودة ستحدده، وذلك بهدف تنصّل الهيئة من تهمة دفع الأمور نحو اتجاهات محددة سلفاً، و"تلبيسها" للجان دستورية وقانونية ستتشكل لاحقاً ويبدو أن تمثيليتها لن تكون واسعة.
وعليه، يصادف أن من الأشياء التي لا تعرفها الدبس مثلاً مشاركةُ المرأة في السلطة القضائية، فـ"الدستور هو الذي سيحدد"، تقول، وهذا لأن نموذجها من الشريعة لا يقبل على ما يبدو بتولّي المرأة أي منصب في القضاء.عروة نيربية
لا ابحث عن عوامل التشاؤم أو التفاؤل. فهي -برغم الأهمية - مؤشرات نفسية مركبة لا تدلّ على الدرب بالضرورة.
المرتجى هو أن يعيش الناس جميعاً بكرامة سلماً يفتح لهم نوافذ التقدم والتعلّم والصحة. أن يعيشوا جميعاً مساحات فردية حرة كي يتفاوضوا على مساحاتهم المشتركة بدون فقدان ذواتهم، بدون أن يتحول ذاك التفاوض إلى خسارة ذواتهم، وإلى ألم يخرب سلمهم بالنتيجة. وليس لي أن أقول لهم كيف يعيشون ذلك وبأي مفردات يصوغون علاقتهم بالدنيا أو بالآخرة.
ولا، لن يظهر في سوريا اليوم نموذج لم تره البشرية من قبل. سيظهر ربما تركيب فريد من نماذج مرت هنا وفي غير أماكن.
العنف كان ومازال سمةً تأسيسية. لا تتأسس الدول ولا تمر بتحولات تاريخية بدون عنف. ومن الضروري وعي أن ذاك العنف بجملته وبتفصيله يورث جراحاً تعود فتزور مرة بعد مرة. وهنا مسؤولية صاحب القوة تجاه المستقبل. وهنا أيضاً أهمية ما سماه اختصاصيون "العدالة الانتقالية".
الرخاء الاقتصادي والخدمي يورث مشاكل بدوره أيضاً. هو يكون دوماً لصالح فئات على حساب أخرى. ومن هنا تكون المسؤولية أبعد وأعقد من تشجيع الصناعيين والتجار. المسؤولية هي بناء منظومة حديثة تشرك الجميع وتفسح المجال لحوار مستمر بين المقاربات والنظريات المختلفة بدلاً من التكرار المزري لحلول عمومية شعبوية تعد ولا تفي بوعودها، ثم تكفل تسلطاً اقتصادياً متوافقاً مع التسلط العسكري. ولنتذكر أن حال الكهرباء في سوريا عام 2010 لم يكن سيئاً وأننا تفاءلنا في 2000-2001.
المشاكل والحلول لا تتعلق برأي أو بآخر. ما هكذا تعمل الطبيعة. الواقع لا يتناقض مع المعتقد الديني بل مع اليقينية التي قد ترافقه كما ترافق سواه مراراً. الواقع يتناقض مع امتلاك الحقيقة، مع احتكار الصواب، مع القسرية. الطبيعة تتناقض مع البحث عن كل الأجوبة في الماضي، والسلم والرخاء يتناقضان مع التسلط من أي طرف جاء، مع الوصائية وتطفيل المغاير. مستبد جمال الأفغاني العادل فكرة قاصرة وفقيرة ومخابراتية. الاستبداد - قبل العدل أو غيابه - هو بذاته ما يودي في كل مرة إلى تراكم الألم الذي ينتج الأسى بالحصيلة وبدون شك.