لعل أحد أسباب عدم إقرار ملف التفرغ بالجامعة اللبنانية هو تضخم الملف بمتعاقدين في كلية الآداب وفي العلوم الاجتماعية. هذا فيما كان يلوّح رئيس الجامعة بسام بدران أنه يريد ملفاً يفي حاجة الجامعة بمعزل عن أقدمية التعاقد أو نصاب الأساتذة. وإحدى المآخذ كانت أن تفريغ الأساتذة وفق مبدأ الأقدمية (تاريخ التعاقد) يحرم كليات بحاجة أكثر من غيرها لأساتذة، ويحشو كليات بأساتذة رغم التخمة التي تعاني منها.
لكن، يوماً بعد يوم، يتكشف زيف الادعاءات في عدم إقرار ملف التفرغ. فالمخالفات المرتكبة في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، لناحية التعاقد الزبائني والحزبي، يعد بسيطاً أمام الارتكابات في كلية العلوم. كانت الشكوى من وجود فائض بالأستاذة في الآداب والذي يتسبب بعدم تفريغ أي متعاقد فيها. فغالبية العقود موقعة في هذه الكلية، بينما حاجة الجامعة أكبر في كلية العلوم والكليات العلمية. لكن تبين أن الحشو في كلية العلوم لا يمكن السكوت عنه."نشر غسيل" الفرعالصرخة أتت من كلية العلوم الفرع الخامس في النبطية. إذ تبين أن عشرات العقود موقعة مع محظيين لا يحضرون إلى الجامعة. بل هو تعاقد لضمان تقاعد هؤلاء المحظيين بعد بضعة سنوات. كما لو أن الجامعة تحولت إلى صندوق للضمان الاجتماعي.وتكشف مصادر "المدن" أن عدد المتعاقدين المسافرين، الذين يحضر بعضهم لأسبوعين بالسنة، يفوق العشرة أساتذة. البعض يحضر ويلتزم التعليم بضعة ساعات، لكن البعض الآخر لا يحضر بتاتاً، بل يجد من يُدرس عنه المادة.نشر غسيل هذا الفرع ما كان سيحصل لول أن الأمور زادت عن حدها، وهو ما يكشف زيف ادعاء تفريغ المتعاقدين بحسب حاجة الجامعة. فالعقود الموقعة في الفرع تكشف عدم الحاجة لهؤلاء الأساتذة، طالما أنها مجرد عقود لضمان نهاية الخدمة، كما لو أن الجامعة تحولت لصندوق رعاية أو كاريتاس.تشدد مدير الفرع وسيم رمال، المقرب من رئيس الجامعة بسام بدران، مع المتعاقدين بالتوقيع اليومي على جدول الحضور في مكتبه، وصمته بالمقابل عن المسافرين الذين يوقع عنهم أساتذة آخرين، أدى إلى فضح المستور و"كسر الجرة" معه. فتجاوزت الانتقادات سور الفرع، بعدما كان يتداولها الأساتذة في الغرف المغلقة. وما زاد "الطين بلّة" أن الأساتذة المسافرين يجاهرون من بلدان إقامتهم في الخارج أنهم في عداد المتفرغين لأنهم محظيين عند المدير، مما استفز الأساتذة المتعاقدين وقرروا فضح هذه الممارسات.تسهيلات بخدمة VIPوتكشف المصادر عن هذه التجاوزات المتمثلة بالتغطية على أساتذة يعملون في الخارج وموزعين في كل اصقاع العالم ولا يحضرون إلى لبنان إلا في فصل الصيف أو في المناسبات. لكن لديهم عقوداً بأنصبة عالية جداً، يحتاج أي أستاذ لفصلين دراسيين لتحقيقها. على سبيل المثال، أستاذ وزوجته يعيشان ويعملان في فرنسا حضرا العام الفائت لنحو أسبوعين وافرغت لهما قاعات لتعليم ما تيسر من الساعات، في مواد الرياضيات والبيولوجيا. لكن نصابهما يزيد عن 250 ساعة. ما يعني أن أحدهم يوقع عنهما ساعات. إذ لا يمكن لأي إنسان تعليم هذا العدد من الساعات خلال أسبوعين إلا إذا أعطى بمعدل 24 ساعة على 24 ساعة بشكل متواصل ومن دون توقف.وتضيف المصادر، مثل آخر فاقع يتمثل بأستاذ يعيش في بريطانيا، متعاقد في قسم الفيزياء. وصل الأمر سابقاً أن درس رئيس القسم السابق المادة نيابة عنه. وعندما ضجت القصة في الفرع حضر من بريطانيا لنحو أسبوعين لتغطية بعض ساعات من التدريس.والعطاءات لا تقتصر على هذه التسهيلات والمحسوبيات، بل تصل حد احتفاظ أستاذة بعقدها فيما والدها المتفرغ يدرس عنها. فقد أورث الوالد المتفرغ، الذي يدرس الرياضيات، هذه المهنة لابنته المسافرة إلى إحدى الدول الأوروبية. وخدمة الـ"VIP" بحالتها وصلت حد تدريس والدها المادة عنها.التجاوزات العام المنصرم وصلت حد تسجيل ساعات منفذة في شهر حزيران. هذا رغم أن الدروس توقفت في شهر أيار. وبدأت الامتحانات النهائية في 29 منه. وقد سجّل أحد الأساتذة المسافرين 56 ساعة في شهر حزيران. وهذا العام ما زالت الفضيحة مستمرة. ففي الجدول الذي وزع للتعليم الحضوري في آخر أسبوع من الشهر الحالي برز اسم أحد الأساتذة في قسم الفيزياء. لكن هذا الأستاذ من المسافرين إلى المملكة العربية السعودية. والمستغرب بالنسبة للأساتذة أن زميلهم هذا الذي لا يحضر إلى الجامعة لديه شركات هناك. وهو ليس بحاجة لساعات الجامعة. ما يعني أن الاحتفاظ بالعقد هو لحفظ حقه بالتفرغ. بمعنى آخر، هم يكدون ليلاً نهاراً ويطلب منهم التوقيع اليومي لدى المدير، وهو لأنه من المحظيين والمدعومين يتفرغ ويضمن تقاعده، من دون حضوره إلى الجامعة.مؤسسة خاصةولا تقتصر الفضائح في هذا الفرع على السماح لأساتذة التدريس عن بعد في العام الدراسي الفائت، بل تشمل الخدمات تعليم مواد المختبر من أساتذة آخرين. وهذا ما يعرف بنظام الإعارة. ففي مواد المختبر يقسم الطلاب إلى مجموعات. وينضم طلاب هؤلاء الأساتذة المسافرين إلى مجموعات الطلاب لأساتذة آخرين، يوقعون عن زملائهم المسافرين.ما هو حاصل في هذا الفرع، أن رؤساء الأقسام يغطون للمدير التجاوزات، وهو يغطي سفرهم إلى الخارج، ويتم تسجيل أسمائهم في جدول الدوامات. بمعنى آخر نظام تنفيعات متبادلة: رؤساء الأقسام يغطون على الأساتذة المحظيين عند المدير، المحظي بدوره عند رئيس الجامعة بدران، والمدير يغطي على تجاوزات رؤساء الأقسام. ما يجعل هذا الفرع أقرب إلى دكانة أو مؤسسة خاصة.