2024- 12 - 29   |   بحث في الموقع  
logo بين مركبا ورب ثلاثين.. الجيش الإسرائيلي ينسف عدداً من المنازل logo مقتضيات تحويل الأزمات في المشرق العربي إلى فرص مستجدة logo الكهربا التركية إلى حلب قريباً..وبعدها إلى دمشق ومحافظات آخرى logo بعد عام التحولات أي رئيس ينتظر لبنان؟ logo الخلافات القضائية تتجدد: إحالة نادي القضاة إلى التفتيش القضائي. logo توفيق سلطان: هكذا أمسكوا بورقة “المقاومة” و”شبعا”… و”ما بيصحّ إلا الصحيح” logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم السبت logo وفد من حماس بالدوحة..وأهالي الأسرى يتهمون نتنياهو بتعطيل الصفقة
سيرة جنبلاطية متصلة ومتواصلة
2024-12-28 10:25:48


آلت مقاليد السياسة اللبنانية إلى تجمعات سياسية طائفية، مستحدثة، يعوزها العلم بتاريخ الأوضاع اللبنانية، وتنقصها المعرفة والخبرة، بمسارات تشكيلاتها الأهلية. مع هذه الفئات الحديثة الولادة والتجربة، يطّلع اللبنانيون، يومياً، على صنوف من الكلام، وضروب من المصطلحات، تكشف جهل أصحابها، وضيق رقعتهم السياسية، التي باتت مقاييسها الجغرافية، لا تتسع لأكثر من صنف طائفي لبناني واحد... لغة، وخطاباً، وتطلّب مصالح... هذا الواقع الذي يسير عكس ضرورات فهم "الوضعية اللبنانية"، بأمل تطويرها، يلح على الذهن بضرورة بذل الجهد، في مقام الفهم الممكن، طالما أن التغيير المنشود، في البنية الوطنية، ما زال بعيد المنال.الجنبلاطية المؤسِّسةضمن اللوحة الواقعية، المقصودة بالمعاينة، تحتل "الجنبلاطية الجديدة"، موقعاً مهماً، تكتسبه من أمرين: الدور المحوري الذي لعبته "الدرزيّة السياسية" في تأسيس الكيان اللبناني "الأصلي"، والأداء السياسي الرئيسي الذي اضطلعت به "الجنبلاطية" على امتداد "عمر الكيان"... بالاستناد إلى تاريخية الطائفة، وإلى تاريخ العائلة في الوقت ذاته. تحرَّك الوضع اللبناني، وفي طياته تحركت الوضعية السياسية الدرزية، وماجت القوى الطائفية، وكان "للجنبلاطية" تموج قواها، الخاص. لقد أفْضَتْ التموجات اللبنانية العامة تلك، إلى إعادة رسم خرائط جديدة، لمسالك القوى الأهلية، وحددت لها بكثير من الدِقّة، مساحات تحركاتها الخاصة، وأشارت بدقة أيضاً، إلى المناطق "المحرَّمة" التي يُحظر، على كل فريق أهلي، تجاوزها... أصابت هذه التحديدات، الصارمة، الجنبلاطية، الموروثة والحديثة، إصابة بنيوية، ونالت من مضمون معناها السياسي الأصلي، الذي كان لها، على يد "الزعيم الوطني" كمال جنبلاط... مثلما قلصت، بشكل بالغ، المدى "العابر" الذي جال في آفاقه "الزعيم الوطني" الآخر... وليد جنبلاط.
على سبيل الاستعادة، ولضرورات التذكير، شكلت الجنبلاطية، مع كمال جنبلاط، محصلة سياسية وطنية عامة، كان لها خطابها السياسي، وتحالفاتها الشعبية، وائتلافاتها الحزبية، وصيغها الجبهوية... مثلما كان لها، مع كل هؤلاء، برامج الحدّ الأدنى وآمال الحد الأقصى، في السياسة والاقتصاد والثقافة... والاجتماع أيضاً. لقد انطبعت جنبلاطية تلك الحقبة، بطابع شخص مؤسّسها، الذي يشهد له أنه "كان متعدد الأبعاد"، مثلما ينسب إليه، الأداء السياسي الرفيع... الذي كان، بالمناسبة، سِمَة لازمت عدداً من "الشخصيات" اللبنانية، التي عاصرت كمال جنبلاط وعرفته، من موقع الخصومة الحزبية، أو من موقع الانسجام السياسي، هذا بخلاف الانحطاط الذي صارت إليه التحالفات والمناكفات، في هذه الأيام!
شخصية المؤسس، لم تكن العامل الوحيد في هيكلية الجنبلاطية، بل إن “الحراك المجتمعي” الذي هزَّ البنية اللبنانية، طيلة عقود ما بعد الاستقلال في العام 1943، كان العامل الآخر، الأساسي، الذي ساهم في البناء، وإعادة البناء، المستمرّين والقلقين، لجنبلاطية كمال جنبلاط... هذا الإيجاز يعيد الاعتبار إلى أمر خلافي، حول موقع الجنبلاطية هذه، من الحركة الشعبية، وينحاز إلى القول أن نسخة كمال جنبلاط الأخيرة، كانت ابنة شرعية وطبيعية "للحركة الشعبية" التي قادها، لاحقاً، فكان واحداً من بُنَاتِها، مثلما كان، في الوقت ذاته، تجلّياً من تجلّياتها وإرهاصاتها. بهذا المعنى، لم تخترع "الحركة الشعبية" كمال جنبلاط من عدم "الطائفية السياسية اللبنانية"، مثلما لم يبتكر "قائد الحركة" حركته، من هَيُولى الأفكار، ولم يستحضرها من عالم "الماورائيات". كان ثِمّة استجابة مشتركة، وفهم متبادل، وحسن "توزيع مهام" بين مكونات كلا المعطيين، الجنبلاطي والشعبي، اللذين وَعَدا، حقاً، وربما للمرة الأولى في مسيرة الكيانية اللبنانية، بإمكانية تجاوز هذه الكيانية لمعضلات تكونها ونشأتها وصيرورتها ومساراتها الطائفية، على كل صعيد. صحيح، أن موقع مصالح "الجبل الدرزي"، كان مقرراً لدى "الجنبلاطية الأسبق"، لكن حصانات "الموقع"، لم تكن طائفية صرفة، والنظرة إليه، احتفظت بألوان الأطياف اللبنانية، وكان الحرص كبيراً على عدم تظهير اللون الواحد بما يعزله، أو يجعله ميدان رًمْيِ لِباقي "الألوان". العكس كان هو المعمول به، أي السعي الدائم إلى تمويه مقاصد اللون الخاص، والعمل على تحقيق انسجامه مع مكونات "قوس قزح" اللبناني الطائفي، على أمل عقلنة وعصرنة "بشائر أمطاره الموسمية"! على هذه الخلفية، كان من الواجب، وما زال، ملاحظة، الحساسية الجنبلاطية "الأولى"، حيال مبدأ الاستقلالية اللبنانية، والانفتاح، والتعدّدية، والديموقراطية، والثقافة، التي تتجاوز السرديات المحلية. كان كل ذلك، حقيقياً، لدى كمال جنبلاط، لذلك دفع ضريبة تعدّده الشخصي مرتين: الأولى، لحساب التشكيلة المحلية التي أحرجته فأخرجته على مقومات توازناتها. والثانية، لحساب التشكيلة الإقليمية التي حاسبته على نسخته العروبية الاستقلالية، بنكهتها الخاصة اللبنانية.الجنبلاطية الوارثةلكن أين تقع جنبلاطية وليد جنبلاط اليوم، من تلك التي كانت لأبيه؟ ثمة معطيان أساسيان، لعبا دوراً مفصلياً في صعود "الجنبلاطية" الجديدة، مثلما لعبا في وقت لاحق، دوراً مقرّراً في مراوحتها، ومن ثم، في تراجعها الإجمالي، الذي نشهد بعضاً من ثماره السياسية، في الأزمة اللبنانية العامة الراهنة. لقد فقدت "الجنبلاطية" حليفها الشعبي، بعد الحرب الأهلية، وما تناسل منها، مثلما عاشت وأسهمت، على طريقة الجنبلاطية "الجديدة" في تهاوي "إنجازات" البنية اللبنانية، التي أمكن للمسار اللبناني الداخلي، أن ينتزعها قبيل عشية 13 نيسان 1975. لقد استجاب وليد جنبلاط “للخسارتين” الموضوعيتين الآنفتين، على طريقته، فاستعاض عنهما بربح موضعي في بيئته “الدرزية الخاصة”، وبكسب موضعي آخر، في المدار الإقليمي. في المطرحين ذهب وليد جنبلاط إلى الحد الأقصى، فكان "درزياً" بلا حساب، عندما تماهت المصالح مع الهوية الخاصة، وعندما صارت "الزعامة" معقودة للصوت الأعلى والأكثر توتراً، تعبيراً عن هذه الهوية. وكان عروبياً، بلا تدقيق، لأن السياج الأفعل والآمن، لحقل المصالح في الداخل، يؤتى به جاهزاً من مصانع الخارج العربي. على المعطيين هذين، نهضت سمتان لازمتا الأداء الجنبلاطي "الحديث"، فكانت لوليد جنبلاط، حساسية استقلالية أقل، وغريزة شعبية أضعف. هاتان السمتان، اللتان شكلتا عاملي قوة وتماسك في خطاب "كمال الأب"، صارتا مصدرين للضعف في قول وفعل وليد الإبن". أما محاولات الاستدراك التي كانت تطل بين محطة سياسية وأخرى، فلم تتجاوز المناورة العابرة، التي كانت تريد تحقيق مكاسب سياسية طارئة، لا يلبث المتنابذون بعدها، أن يستعيدوا صفاء محاصصاتهم الطائفية.على مفرق اليومياتلا بأس من استعادة محطات ماضية، لإضافة ضوء كاشف على الأداء الجنبلاطي في المحطات الوطنية الخطرة. نختار من التاريخ القريب، حَدَث اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي أصاب ركائز الجنبلاطية الحالية، في مدارها الداخلي وفي عمقها الإقليمي. ومع هذه الإصابة البالغة، كانت آفاق الاستدراك "الاستراتيجي" مسدودة، فالتفاهمات الطائفية السابقة اهتزت، واتخاذ وضعية الاستقلالية، بمعناها "الصيغوي" اللبناني، ترتسم حوله، في المقام الجنبلاطي، أكثر من علامة استفهام. فاقم من مصداقية الطرح الاستقلالي، إسقاط الجانب التسووي الداخلي منه، عندما جرى التصعيد الشديد في وجه الطائفيات السياسية الأخرى، وعندما ألقي "البيض كله في سلة" الخارج الغربي. ثمرة هذين المسلكين، كانت إقفالاً على احتمال التوصل القريب، إلى صيغة توافقية سريعة، تخرج لبنان من دائرة الأخطار الفادحة، التي كانت ماثلة للعيان، بعد غياب رفيق الحريري. الأرجح، أن ما قاد الجنبلاطية، يومها، وحتى الأمس القريب، كان مزيجاً من الشعور بالقدرة على انتزاع الغلبة الداخلية، على رافعة الجريمة المدوية، وعلى الفوز بحصة أثقل من "ميزان المدفوعات" اللبناني! عند هذه اللحظة، فقدت الجنبلاطية الوارثة، ميزة صياغة المحصلة العامة، التي كانت للجنبلاطية السالفة. أي أضاعت فرصة التقدم في مضمار استنبات تسوية داخلية متوازنة أخرى، يحضر فيها الداخلي بالضرورة، ولا يغيب عنها الخارج، خاصة العربي، بالتأكيد. رب قائل، إن التصعيد الطوائفي، جاء من كل الجهات، ولم يكن حكراً على "صوت" وليد جنبلاط وحده. هذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً، الذي يجب ألا يغيب عن البال، هو أن لكل طائفية سياسية شيء من الاستقرار، وبعض من اليقين، بخلاف الدرزية السياسية، التي تقيم في قلقها الدائم، المبني على حقائق جغرافية وديمغرافية، لها ترجماتها في الوضعية اللبنانية الفائقة الحساسية. لذلك يفترض بالجنبلاطية أن يكون هدؤها أعمق، وهتافها أقل دوياً!
في سياق الاستعادة الماضية، وفي معاينة حاضر الحركة الجنبلاطية المتجدّدة، تبرز صفة التواصل والاتصال بين ماضي الجنبلاطية وحاضرها. في رحاب السيرة التواصلية غير المنقطعة، تنزل زيارة وليد كمال جنبلاط إلى سوريا الجديدة. وفي المركز منها اللقاء مع "القائد" أحمد الشرع، وما دار فيها من محادثة ربّما بقيت طيّ الكتمان، وحديث أُفْرِج عنه، فسلك الأثير إلى الإعلان، مرّة جديدة، عاد وليد جنبلاط ليكون محور دائرة صَدْمِ الاستكانة السياسية، وليكون في الوقت ذاته محرّك أمواج بحرها، مع ميزان قياس يحاذر بلوغ الموج حدوده العاتية، ويحرص على ألاّ يبقى أسير "ترنيماته" الغافية.
لقد أثار المشهد الجنبلاطي في سوريا جَدَل موافقين ومعترضين، لكن في الحالتين لم تكن المقاربات أمينة للانسجام الداخلي الذي يقود المسألة الجنبلاطية. أين يبرز ذلك؟
في حالة التبنّي غير المشروط للأداء الجنبلاطي، يُسقط الموافقون سِمَة الحذر الواعي الذي تسير على صراطه الجنبلاطية، وفي حالة المعارضة غير المقيّدة، يُسقِطُ المعارضون سِمَة المرونة التي تميّز الجنبلاطية في مناورتها السياسية. ما يغيب قليلاً عن حالتي الموافقة والرفض، خطّ الثوابت التي لا تحيد عنها حركة "الجنبلاطين"، المؤسس والوارث، إذ على الخط وفي ظلال ثوابته، نبتت ونشأت وترعرت نبتة الجنبلاطية التي ظلّت، وستظلّ، أمينة لمعنى ودلالة وصيغة قيام وتطور الخصوصية الأهلية الدرزية، في المكان المعيّن المحدّد الثابت، أي ضمن البنية الأهلية اللبنانية، وفي جوار ما يحيط بهذا الإطار، من أهليات ووطنيّات عربيّة.
معنى الزيارة الجنبلاطية المبكرة إلى دمشق، يجد تفسيره في هذا السياق الأهلي العام اللبناني، وما أعلن من نتائجها هو التعبير الحالي، عن القراءة الخاصة الجنبلاطية التي ما زالت حريصة على خصوصيتها، وعلى استواء خطابها العام مع سائر الخصوصيات.
لقد كانت الزيارة مفاجئة، صحيح لكنها كانت ناجحة، بمعيار جنبلاطي، وهذا صحيح أيضاً.
لكن أين تجلّت الإيجابية وصحيحها، حسب الجنبلاطية الزائرة؟ في الجواب عن السؤال، تحضر مسألتان أساسيتان: الأولى، رسالة الاطمئنان التي أرادها وليد جنبلاط للكتلة الي ينتمي إليها في سوريا، والثانية، جواب الطمأنة المتبادل الذي جاء على لسانيّ أحمد الشرع ووليد جنبلاط، فلا الأول منكر ما للدروز من دور في التاريخ السوري، ولا الثاني منكر لهذا التاريخ، بل هو في موقع الحريص عليه، الطامح إلى تأكيد ترسيخه. في هذا المعرض الاطمئناني، ما البديل المحتمل إذا ما ساد التوتر بين السويداء والنظام الجديد؟ جواباً على ذلك، تكفي الإشارة إلى تقدم العدو الإسرائيلي في الجولان المحتل، والإشارة إلى عروضه على الأقليتين الدرزية والكردية.
إلى ذلك أثار إعلان جنبلاط عن "سورية مزارع شبعا" حفيظة جمهور مختلط من المعترضين. بعض من أولئك، رأى في الأمر تفريطاً بالأرض، وبعض آخر قرأ فيها انتهاكاً للسيادة، وبعض ثالث نعى عليه حقه بالانفراد بالإعلان، لأن الأرض "ليست ملكاً لأبيه"، لكنّ أحداً من أولئك لم يقرأ فيها في وإلى ذلك، كان الإعلان تذكيراً لمن نسِي من اللبنانيين، أن مسألة مزارع شبعا كانت اختراعاً من السياسة السورية التي أرادت إدامة نفوذها في لبنان، من نافذة المقاومة اللبنانية، ومن باب إدامة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
لقد حصل وليد جنبلاط على ما أراد، فأكّد ثبات "أهله" في بيئتهم، وأعاد كرة المزارع إلى سوريا، وإلى الترسيم البرّي، وكتب رسالة سمعيّة بصرية إلى الداخل اللبناني، فهل يقرأ الداخل الواضح الجنبلاطي، بوضوح بصيرته الوطنية؟


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top