الأسئلة الكثيرة التي برزت مع تسلم السلطة الجديدة الحكم في سوريا، لا تزال الأجوبة عليها في عهدة الوقت الذي عينته السلطة نفسها حتى آذار/ماس المقبل. وكانت كل السيناريوهات التي يناقشها الخبراء والمحللون على مواقع الإعلام في العالم تتمحور حول الأسئلة الرئيسية منها، والمتعلقة بالموقف من الشريعة وإمكانية فرضها على المجتمع السوري، احتمال نشوب حرب أهلية و تفكك سوريا إلى عدة كيانات عرقية دينية، الموقف من الغرب والصراع مع إسرائيل. روسيا، التي أنكر زعيمها أن تكون قد هزمت بسقوط نظام الأسد، وإلى جانب تركيز إعلامها الدائر في فلك السلطة على مصير قواعدها في سوريا، تتصدر نصوصها سيناريوهات الحرب الأهلية وتفكك سوريا. ويكاد يؤكد هذا الإعلام أن سوريا بقيادتها الجديدة ستكون دولة تابعة لتركيا التي ستطبق فيها نموذج الحكم السائد لديها. لقد أصبح من المؤكد أن تركيا لعبت دوراً بارزاً في الحدث السوري، لكن ليس من المؤكد أن سوريا ستكون دمية تركية تطبق نموذج حكم "العدالة والتنمية" الإسلامي بحذافيره، بل لا يزال هذا السؤال مدار نقاش في مواقع الإعلام. وقد يكون الإعلام الإسرائيلي وحده في العالم، ولأسباب معروفة يؤكد مقولة "سوريا التركية"، ويرى تركيا على حدود إسرائيل الشمالية، وبدأ خبراؤه ومحللوه يرسمون سيناريوهات المجابهة العسكرية المباشرة بين تركيا وإسرائيل.
صحيفة القوميين الروس المتشددين SP نشرت في 27 الجاري نصاً بعنوان "في حربه من أجل سوريا، أردوغان يخاطر بفقدان تركيا"، وأُرفق بعنوان ثانوي "لماذا يعارض الغرب عودة الإمبراطورية العثمانية؟". ولا بد من الإشارة إلى أن القوميين الروس لا يخفون عداءهم الشديد للأتراك ككل، وليس لأردوغان فقط، ويشيرون إليهم عادة بالإنكشاريين.
استهلت الصحيفة نصها بالإشارة إلى التناقض في تصريح أردوغان بشأن حرصه على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ومن ثم تأكيده على مواصلة تركيا هجومها على الفصائل الكردية السورية التي يتهمها بالإرهاب.نقلت الصحيفة عن قناة "الجزيرة" تعليقها على تصريحات أردوغان المماثلة بالقول: بينما لا يزال المسؤولون السوريون الجدد يفكرون في كيفية التعامل مع العالم الخارجي، تعمل أنقرة على خلق انطباع بأنها الطرف المجاور الوحيد الذي سيكون له الكلمة الأخيرة في الشؤون الخارجية لدمشق. لكن الصحيفة ترى ان هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
وفي ما يبدو تشديداً على كلام "الجزيرة" عن استقلالية قرار القيادة السورية، تشير الصحيفة إلى زيارة المسؤولة الأميركية باربرة ليف إلى دمشق وتصريحاتها الإيجابية مع وزير الخارجية أنتوني بلينكين عن القيادة السورية الجديدة. كما تشير إلى إخفاء البنتاغون في الأشهر الأخيرة حقيقة مضاعفة عدد العسكريين الأميركيين في سوريا من 900 إلى 2000 عسكري.
نقلت الصحيفة عن مطبوعة Hürriyet التركية قولها إن تصريح أردوغان عن حرصه على السيادة السورية، كانت قد سبقته زيارة وزير خارجيته إلى دمشق، استعرض خلالها مع القيادة السورية مشروعاً موازياً للتسوية في سوريا، ومهد لزيارة أردوغان إلى دمشق. ورأت الصحيفة الروسية أن فكرة الزيارة هي تكرار لسيناريو زيارة السلطان سليم الأول للمشرق بعد انتصاره على المماليك في معركة مرج دابق العام 1516.
ورأت الصحيفة أن ليس من قبيل الصدف أن يؤكد أحد أشهر المؤرخين الأتراك إلبر أورتيللي أن "سوريا لم تكن موجودة قط كدولة. وكانت إما تابعة للرومان أو للعثمانيين، وما حدث فيما بعد يرجع إلى وجود مجموعات عرقية ودينية لم تشكل دولة حقيقية".تقول الصحيفة إنه في ظل الفوضى المحتملة في سوريا المترافقة مع خطر ظهور كيان إنفصالي على حدود تركيا الجنوبية، سيبرز خطر حقيقي على وحدة الأراضي التركية نفسها. وتذكر بمحاولة الفرنسيين إقامة دولة علوية على الساحل السوري، ونشوء إقليم كردستان في العراق العام 2003 بمساعدة الولايات المتحدة، وتحذر من أن مثل هذا المشروع يمكن أن يواجه تركيا، التي عليها أن تجهد لتفاديه.صحيفة الأعمال الروسية vedomosti نشرت في 25 الجاري نصاً رأت فيه أن مصير سوريا يحدده سلوك شركاء حكام دمشق الجدد. قالت الصحيفة إن السقوط السريع لنظام بشار الأسد، لم يفاجئ الرئيس السوري وحده، بل وكل أعدائه الكثر. لكن بعد أن أصبحت المعلومات متوفرة أكثر الآن، يمكن أن نتحدث عن أسباب هذا السقوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الخارجية والأسباب العسكرية البحتة.
يسهب كاتب النص في الحديث عن العامل العسكري، ويكرر ما أصبح معروفاً عن فرار جيش النظام نصف الجائع بسبب الأزمة الاجتماعية المعيشية، والتي يرى من أسبابها العقوبات الغربية وإحراق حقول القمح السوري من قبل الأميركيين. ويقول إن العقوبات حالت دون وصول الاستثمارات الخليجية إلى سوريا، ورفضت الحكومة إجراء الإصلاحات المطلوبة لرفع هذه العقوبات.
ويرى الكاتب أن رفض الأسد لعروض تركيا للمصالحة، دفعت الأخيرة إلى تسليح الفصائل المعارضة وتدريبها وتنظيمها، مما ساعد الفصائل على إحراز النصر على جيش النظام.
يتساءل الكاتب ما إن كانت الفصائل المعارضة التي تسلمت السلطة في دمشق، ستتمكن من تعزيز مواقعها وتحسين حياة السوريين اليومية. ويرجح أن هذه اللفصائل تعقد الآمال على مساعدة قطر وتركيا وكذلك الغرب ورفع العقوبات. وإذا وصلت هذه المساعدات بسرعة وبالأحجام المطلوبة، يمكن عندها عقد الآمال على نهاية إيجابية للأحداث. لكنه يعود ليذكر بما انتهت إليه ليبيا من تقسيم، وهي الدولة الأقل سكاناً والأغنى من سوريا باحتياطات النفط، لكنها مع ذلك لم تتمكن من استعادة وحدتها.منذ الأيام الأولى لانتصار سوريا على سفاحيها، دأب إعلام الكرملين على نشر صورة مظلمة لمستقبل سوريا التي توقعوا لها الحرب الأهلية والتقسيم والفوضى. فقد نشر موقع قناة التلفزة الروسية mir24 في 9 الجاري نصاً بعنوان "سيناريو الحرب الأهلية المتوقع: خبراء عما ينتظر سوريا بعد استقالة (!) الرئيس بشار الأسد".
نقل الموقع عن البوليتولوغ الروسي Artem Bagdasaryan تذكيره بأن الرئيس السوري بشار الأسد اتخذ قراراً بالتخلي عن منصبه الرئاسي، بعد أن أصدر تعليماته بنقل السلطة سلمياً. ويرى أنه، على الرغم من الخطاب السلمي نسبياً، من الصعب أن نتوقع تطوراً هادئاً للأحداث وانتخابات ديمقراطية في البلاد. ويعتقد أن تكرار "سيناريو البلقان" أمر ممكن: تجزئة سوريا إلى دويلات صغيرة، كل منها يسيطر عليها رعاة خارجيون. وثمة شيء واحد مؤكد: الأحداث التي وقعت ستؤدي إلى موجة من العنف وإراقة الدماء.
الخبير الروسي في شؤون التعاون الدولي Alexandre Roudoy رأى أن الأحداث في سوريا بعد تسلم المتمردين السلطة في دمشق، يمكن أن تتطور وفق ثلاثة سيناريوهات محتملة.
- الأول، سوف تغرق البلاد في الفوضى والحرب الأهلية، كما حدث في ليبيا وجزئياً في العراق. فأهداف الجماعات المتمردة التي تسيطر على سوريا مختلفة للغاية، وسوريا موطنً للعديد من المجموعات العرقية من مختلف الديانات.
- الثاني، تتحول سوريا إلى دولة دينية إسلامية عسكرية، على غرار حركة طالبان في أفغانستان. فالجماعات المعارضة يمثلها إسلاميون متطرفون، لدى كل جماعة رؤية معينة. وقد تسارع هذه الجماعات إلى تحقيق ما تراه. وفي هذه الحالة، قد يجتمع السيناريو الأول والثاني، وستنشأ مثل هذه الدولة في جزء ما من سوريا.
السيناريو الثالث يتطابق لدى الخبير كلياً مع ما ترسمه الحكومة الإنتقالية حتى آذار/مارس المقبل.