أعطى إنشغال اللبنانيين على اختلاف ميولهم، رسمياً وسياسياً وشعبياً، بسقوط نظام الرئيس السّوري بشّار الأسد في 8 كانون الأوّل الجاري، ومعهم أيضاً إنشغال المنطقة والعالم، مؤشّراً على مدى أهمية الحدث السّوري وتداعياته وارتداداته المحتملة، وعلى أنّ الملف السوري بات أولاً على طاولة المسؤولين في المنطقة والعالم، لا ينازعه في ذلك أيّ ملف آخر.
إيلاء لبنان، الرسمي والسّياسي والشّعبي بكلّ مكوناته وانتماءاته، الحدث السّوري هذه الدرجة من الأهمية، تمثل في لامبالاة لبنانية واضحة بالتعاطي مع دعوة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي إلى انتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني المقبل، منذ دعوته لعقد الجلسة في 28 تشرين الثاني الماضي بالتزامن مع التوصل لاتفاق وقف إطلاق النّار بين لبنان وإسرائيل، ذلك أنّ الأعين كانت متجهة نحو سورية، لما سيتركه ما يحصل فيها على السّاحة اللبنانية التي تتأثر دوماً، لأسباب تاريخية وسياسية، بما يحصل في البلد الشقيق المجاور.
خلال الأيّام التالية التي أعقبت سقوط النّظام في سورية حاول أكثر من مسؤول ومرجعية لبنانية جسّ نبض الخارج الإقليمي والدولي المؤثّر في السّاحة اللبنانية، لمعرفة توجّه هذا الخارج من الإستحقاق الرئاسي، واهتمامه بما يحصل في لبنان، ومعرفة إنْ كان ثمّة توافق ما قد تمّ التوصّل إليه لإخراج الإستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة، وإنهاء الشّغور في قصر بعبدا المستمر منذ نحو سنتين و3 أشهر.
ما وصل إلى أسماع بعض المسؤولين اللبنانيين المعنيين بالإستحقاق الرئاسي كان مختصراً جدّاً، وتمثّل في نقطتين: الأولى أنّ الملف اللبناني ليس على طاولة البحث والنقاش، وأنّ هذا الملف قد بات ثانوياً وهامشياً، بعدما تقدّم عليه بأضعاف الملف السّوري الذي تقدّم على جميع الملفات الأخرى في المنطقة، سياسياً وأمنياً.
أمّا النقطة الأخرى فكانت تعبيراً عن نصيحة وليس “كلمة سرّ” كما اعتاد اللبنانيون على التعامل مع تدخلات الخارج في الإستحقاقات الداخلية، وهي إنّه إذا استطتعم أن تنتخبوا رئيساً فافعلوا، لأنّ أحداً في الخارج لن يلتفت إليكم في المرحلة المقبلة التي ستمتد أشهراً وربما سنوات.
هل يتلقف اللبنانيون هذه النصيحة ويترجمونها على أرض الواقع بانتخابهم رئيساً في الجلسة المقبلة؟ يبدي البعض تفاؤلاً في ذلك إنطلاقاً من أنّ لبنان مقبلٌ على استحقاقات كثيرة، وأنّ التطوّرات الخطيرة في المنطقة في ضوء ما حصل في سورية واعتداءات إسرائيل المتكرّرة على لبنان، وخرقها باستمرار ويومياً إتفاق وقف إطلاق النّار، وأنّ استمرار الفراغ الرئاسي من شأنه أن يُعرّض لبنان لمزيد من الأخطار مستقبلاً.
لكنّ بعضا آخراً لا يخفي تشاؤماً إنطلاقاً من أنّ اللبنانيين لم يتحمّلوا يوماً مسؤولياتهم تجاه بلدهم، وكانوا دوماً إنعكاساً وترجمة لنفوذ جهات إقليمية ودولية في بلدهم، وكانوا دوماً يستميتون في سبيل إرتهانهم للخارج للإستقواء به على الداخل، وأنّ مصير البلد لم يكن يوماً بأيدي أبنائه، كون الخارج كانت له الكلمة الفصل في جميع الإستحقاقات المفصلية، ومنها الإستحقاق الرئاسي، وهو واقع لم يتغير منذ نشأة الكيان اللبناني.
موقع سفير الشمال الإلكتروني