يمكن وصف العام 2024 ونحن في أواخر أيامه، أنه عام النزوح بامتياز لاسيما في عكار. فالمنطقة باتت تعتبر ملاذاً آمناً لكل أنواع النزوح (الداخلي والخارجي). ومع أن هذا العام قد بدأ أحداثه بمجريات الأوضاع في غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" وانشداد الشارع لما يجري في فلسطين من جرائم إسرائيلية بحق أهلها، إلا أن ذلك لم يمنع من أن يتصدّر ملف النزوح المشهد العكاري أكثر من مرة.منسق "القوات" والنزوح السوري
معطيات كثيرة طرأت على ملف النزوح بشقّيه الخارجي (السوري) والداخلي (الجنوبي)، في عكار. لقد شكّل هذا الملف بكل ما تخلله من أحداث مادّة دسمة طبعت أشهر هذه السنة. صحيحٌ أن النزوح السوري إلى لبنان ليس بجديد، وقد مرّ على وجود السوريين في لبنان 13 سنة، غير أنّ السنة الحالية شهدت تطورات ومتغيّرات على هذا الصعيد.بدأ العام 2024 أشهره الأولى بشكل اعتيادي، بقيت فيها أزمات المنطقة ومشاكلها تتوقف عند الهموم المعيشية والحياتية، وإن كانت قضية طوفان النهر الكبير الجنوبي في شهر آذار قد عزلت العديد من قرى السهل الحدودية عن بعضها وعن العالم، وحوّلت الأهالي هناك إلى نازحين في مناطقهم. بالموازاة كانت قضية تهريب الأشخاص عبر البحر بالمراكب وبطرق غير شرعية، استعادت نشاطها في الأشهر الأولى لكنها بقيت في إطار الملفات المعتادة.أعاد مقتل منسق حزب القوات اللبنانية في جبيل باسكال سليمان واتهام عصابة سورية بالجريمة، منسوب الرفض للوجود السوري في عدد من المناطق لاسيما المسيحية منها إلى أوجه. راحت القوى السياسية والشعبية في تلك المناطق تطرد النازحين السوريين. أكثرية هؤلاء النازحين المغادرين من مناطق جبيل وكسروان وبيروت وغيرها، نزحوا إلى عكار، المنطقة التي يشعر فيها النازح السوري بالأمان، واحتضان أكبر لوجوده. ربما ارتبطت الأهمية هنا بالعمل في المواسم الزراعية، حيث يشكل القطاع الزراعي الحيّز الأكبر من عمل أهلها، ولكون النازح السوري يتقن الزراعة ويبرع فيها.وبينت أرقام الأمن العام أن أعداد النازحين الجدد إلى عكّار وصل إلى أكثر من 30 ألف نازح، استقرّ القسم الأكبر منهم في المخيمات المنتشرة في المنطقة والتي يزيد عددها عن الألف. هذا الأمر شكّل ضغطاً اجتماعيا إضافياً وضغطاً كذلك على البُنى التحتية، دفع بالعديد من المخاتير والبلديات بالطلب إلى وزير الداخلية والأجهزة الأمنية بضرورة فتح الملف على مصراعيه، وترحيل كل من لا يملك الصفة القانونية لوجوده.. بالمقابل بقي الأداء الرسمي دون المستوى المطلوب حيال هذا الملف.النازحون اللبنانيون وجدوا بعكار ملاذاًفي السابع عشر من أيلول من هذا العام أعلنت إسرائيل توسيع عملياتها الحربية في لبنان. وبدأت بشنّ هجومٍ واسع وغير مسبوق على مناطق تواجد حزب الله في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع وبعلبك الهرمل. على الفور، انطلقت حركة نزوح كثيفة باتجاه العديد من المناطق اللبنانية ومنها عكار التي استقبلت أكثر من 100 ألف نازح لبناني، سكنوا مراكز الإيواء والمدارس والبيوت المستأجرة أيضاً. في تلك الفترة كانت موجة الحنق ضد النزوح السوري في لبنان قد خفتت بعض الشيء، ليحتلّ النزوح اللبناني المشهد هذه المرة وكانت عكار أيضاً بيئة حاضنة للنزوح. قام أهالي المنطقة بواجبهم حيال الضيوف، متناسين كل أشكال الخلاف السياسي مع حزب الله وجمهوره، وتعاطوا مع الوافدين الجدد بمبدأ الوطنية والجانب الإنساني البحت.خلال شهرين من وجود النازحين على الأراضي العكارية، انفجرت أزمات اجتماعية عدّة: أزمة مساكن وسكن وأزمات تربوية وتعليمية في تأمين البدائل عن المدارس التي أصبحت مراكز إيواء. هذا فضلاً عن رفض عدة قرى لقرار وزارة التربية بنقل التلامذة إلى مدارس في قرى أخرى. كما شكّلت زحمة السير الخانقة واليومية التي كانت تحصل مع دخول ما يزيد عن عشرين ألف سيارة في الطرقات الضيقة أزمة للسكان. فكان التجوال على طرقات عكار أشبه بمعاناة يومية يعيشها أبناء المنطقة كما يعيشها النازح أيضاً. ناهيك عن المخاطر التي باتت تحدق بالمنطقة من كل جانب جرّاء استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي لأكثر من منزل ومكان، بذريعة وجود مسؤولين من حزب الله في المنطقة، بالإضافة إلى استهداف جميع المعابر الشرعية بين لبنان وسوريا.إنشاء المزيد من المخيماتإلى اللبنانيين الذين نزحوا إلى عكار جراء الحرب، نزح السوريون أيضاً، ولا سيما من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، التي كانت تتعرّض لقصف إسرائيلي واسع النطاق. لكن مع أزمة السكن المستفحلة، لجأت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى انشاء المزيد من الخيم في بعض المخيمات الموجودة لاسيما في سهل عكار ومنطقة الدريب. واقترحت المفوضية زيادة 105 خيم أي ما يعادل 3 مخيمات جديدة ذات المساحات الكبيرة. وأثار هذا الأمر اعتراض فاعليات المنطقة الدينية والسياسية، عندما اجتمعوا في دار الإفتاء في حلبا وأعلنوا في بيانهم بأن "عكار لم تعد قادرة على تحمّل المزيد من أعباء النزوح".العام 2024 كان عام النزوح بامتياز. شهد الشهر الأخير العام سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. ويفترض أنه أصبح بإمكان النازحين السوريين العودة إلى سوريا بكل حرية، بعد انتفاء التهديد الأمني والملاحقات، التي كانت تمنع عودتهم. ومع تحرير سوريا من نظام الأسد يعود ملف النازحين إلى الصدارة، وينتقل بكل ثقله من العام 2024 إلى العام 2025. والسؤال الأبرز: متى تأخذ الحكومة اللبنانية القرار بالحديث مع السلطات السورية المعنية في الحكم الجديد حول عودة النازحين وطيّ هذا الملف؟