2024- 12 - 27   |   بحث في الموقع  
logo إسرائيل المتوغِّلة في لبنان: معضلة "الحزب" بالردّ أو عدمه logo العودة إلى دمشق: عشوائية جرمانا وحميمية باب توما (3) logo حلب وادلب: منافسة شرسة بين الليرتين التركية والسورية.. والدولار logo الأزمة المالية والحرب تحجب أزمة السجون: حياة أقرب للموت logo لأوّل مرّة منذ عامين: تركيا تخفّض فوائدها logo حزب الله شيع الشهيدين ليلا وجبارة في الغازية وحارة صيدا logo الجيش: انسحاب قوات العدو من مناطق في القنطرة وعدشيت القصير ووادي الحجير logo تطوّر جديد في قضية دهس عنصر قوى الأمن ببيروت..
ذكرى رحيل فريد الاطرش... وثيقة تكشف طبيعة علاقته بوالده
2024-12-26 13:25:45

قبل خمسين عاما من الآن، وفى صبيحة 26 كانون الأول 1974، وقت أن كان مسيحيو لبنان يستعدون لاحتفالات عيد الميلاد فيما كان مسلموها يستقبلون نسائم ثالث أيام عيد الأضحى المبارك استيقظ الجميع على وقع حدث مفجع عنوانه العريض وفاة الموسيقار فريد الأطرش، ووسط تهافت الجميع فى بيروت للمشاركة في تشييع جثمان فقيد الموسيقى العربية، خرج فؤاد الأطرش الشقيق الأكبر للموسيقار الراحل ليعلن عن وصية فريد بأن يتم دفنه في القاهرة بجوار شقيقته أسمهان التي لقيت مصرعها في حادث الغرق قبل هذا التاريخ بثلاثين عاما، فلم يكن هناك مناص من الالتزام بتلك الوصية ليعود جثمان فريد مرة أخرى إلى حيث عاش وصنع اسمه الكبير ومجده الفني.

وبين الثرى الذي احتضن جثمان فريد الأطرش نهاية العام 1974 ومجيئه الأول إلى القاهرة نصف قرن أخرى من الزمان عاشها فريد طولاً وعرضاً، وتجارب حياتية وفنية ثرية صنعت هذا الكيان الموسيقي الذي حلق باسم عائلة الأطرش خارج نطاق السويداء وأرض الشام إلى كافة أرجاء الوطن العربي، بل وربما أبعد من ذلك بكثير، ولئن كانت مسيرة حياة فريد الأطرش في بعض فتراتها قد انطوت على كثير من الالتباس فإن فترة هروب علياء المنذر بأبنائها فؤاد وفريد وأمال أو أسمهان ولجوئها إلى مصر والأيام العصيبة التي قضتها الأسرة الهاربة من مطاردة الاستعمار الفرنسي في الأعوام الأولى لوجودهم في القاهرة تعدّ الأكثر غموضا وارتباكا فيما يتعلق بحقائقها التاريخية.
(اسرة آل الاطرش)ففي كتاب "لحن الخلود" الذي خطه الصحافي فوميل لبيب وتضمن مذكرات فريد الأطرش وكما في كل كتابات وحكايات شقيقه فؤاد وكل من نقل عنهما هناك معلومة رائجة ومستقرة أن أسرة الأطرش لجأت إلى مصر في العام 1923 وأنها حينما وصلت بالقطار إلى حدود مدينة القنطرة شرق في سيناء، استوقفهم مسؤولو المنفذ بحثا عن أوراقهم الثبوتية التي لم تكن معهم على خلفية هروبهم المفاجئ من بيروت إلى حيفا في فلسطين ومنها إلى مصر، وأن السلطات المصرية سمحت لهم بالدخول كلاجئين على عهدة سعد باشا زغلول رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت، وهذه السنة – 1923 – هي التي ارتكن إليها الجميع في تحديد كثير من المعلومات والحقائق حول تاريخ ميلاد كل من فريد وشقيقته أمال أو أسمهان وعمريهما وقت حضورهما إلى مصر، لكن واقع الحال يقول إن هذه المعلومة المستقرة منذ عشرات السنين قد شابتها الدقة، فزعيم الأمة سعد زغلول لم يكن رئيسا لوزراء مصر العام 1923 السنة التي صدر فيها أول دستور مصري حقيقي بعد أن منح البريطانيون مصر استقلالا منقوصا وفق تصريح 28 شباط 1922، وإنما تولى الوزارة في الفترة ما بين الثامن والعشرين من كانون الثاني 1924 والثالث والعشرين من تشرين الثاني من العام نفسه، وبما أن الحقيقة التي لا يمكن أن تلتبس على فريد وشقيقه فؤاد هي دخولهما مصر على مسؤولية رئيس الوزراء سعد زغلول بعكس ما يمكن أن تخونهما فيه ذاكرتهما في سنة الدخول، فأنه يكون التاريخ الصحيح لحضور أسرة الأطرش إلى مصر هو ما بين شباط وتشرين الثاني 1924 وقت كان زعيم الأمة رئيسا للحكومة المصرية وليس العام 1923.غير أن هذه ليست المعلومة الوحيدة محل المراجعة، فقد أفاض كل من فريد وفؤاد وحتى أسمهان في الحديث عن المعاناة التي عاشوا فيها بمصر في سنوات إقامتهم الأولى وحتى اشتغال فريد وأسمهان بالفن في ثلاثينيات القرن الماضي، وعن القطيعة بينهم وبين والدهم وذويهم بشكل عام في جبل الدروز بسوريا، وضيق العيش بسبب شح المال حتى اضطرت والدتهم علياء المنذر للعمل في حياكة الملابس ثم الغناء في بعض مناسبات الجالية الشامية في مصر، لكنني أكشف الآن وبعد مرور خمسين عاما على وفاة الموسيقار عن وثيقة مهمة أمتلك حصريا حق نشرها تؤكد أنه لم تكن هناك قطيعة بين آل الأطرش في السويداء وفرعها الهارب في مصر، وهي عبارة عن خطاب دافئ بالمشاعر أرسله فهد فرحان الأطرش والد فريد إلى ابنيه الكبيرين في القاهرة هذا نصه:
(خطاب فهد الأطرش إلى ولديه)"السويداء في ١٣ كانون الثاني ١٩٢٨
أولادي الاعزاء فؤاد وفريد بك الاطرش حفظهما الله، بكل حنان وبكل عطف ولداي مع ما يمازجهما من الرأفة والمحبة والشوق والاشتياق لرؤياكما أهديكما القبلات الوالدية واتضرع للحق سبحانه وتعالى أن يأمر بالتلاقي كما أمر بالفراق أنه خير المسؤول.
أما بعد، بأيدي ترتجف سروراً وقلب يخفق طرباً وحبوراً اخذت كتاب من أحدكم فؤاد المؤرخ في 7 كانون الثاني فلا تسألا عما خامرني من السرور والابتهاج وودت لو كان لي أجنحة لأطير بها اليكما وأتمتع بمشاهدة وجهيكما يا خيرة الابناء وأعز الأصفياء ونؤكد أن ورود ذلك الكتاب علي كان كورود يوسف على أبيه يعقوب وأوضح برهانا كورود العافية للنبي أيوب. أولادي الكرام إن ما جاء في الكتاب من العبارات الرقيقة والمعاني الدفينة قد أهملت عباراتي وأذكت حسراتي وحننت اليكما كما تحن الإبل على أعطافها والأمهات على ولدانها ولكن هذه مشيئة الرحيم الرحمن لا رد لأمره ولا معقب لحكمه.قول أحدكما فؤاد أن لا محبة ولا إخلاص ولا شفقة ولا عاطفة نحوكما، هذا شيء لا تفتكر به أبداً لأن المحبة والمحبة الكامنان في قلبي لشخصكما لا ينقصان مهما توالت الأيام ويتكررت الأعوام في ازدياد وطالت أيام البعاد فانتما الأحباب وانتما الزاد وانتما الأعزاء وهذا يصدر عن قلب يتضور لهفة وحسرة لبعدكما عني، فإلى والدكما وإلى أحضانه فالرزق ياسر والخير كثير وإن ارادت والدتكما أن تحضر فعلى الرحي والسعة والكرامة والدعة. سررت لنجاح أحدكما فريد في دروسه المدرسية فوفقه الله في أمره ثم بخصوص الحبيبة أملي يلزم أن تحافظا عليها كما نفسيكما وأن تعلماها الأدب وحسن الأخلاق والحرية حيث أنتم ولا خفاكما من بيت عريق في الحسب والنسب واسم العائلة قد سارت به الركبان وشاع ذكره في أقصى البلدان فيلزمكم الاستمرار عليه مازلتما في ديار الغربة اوصيكما بشقيقتكما فحذار عليها من البغي والفساد فذلك عار لا يمحى مدى الدهر، هذا وفي الختام اقرئكم جميعا السلام كما من عندنا أعمامكم البكوات يهدوكم السلام والمال الجاري جناكم... والدكم المشتاق
محرر الحروف أخيكم طلال يقبل عوارضكم".
ورغم صعوبة قراءة هذه الوثيقة التاريخية القديمة التي يقارب عمرها المائة عام فإنها تكشف بعض الحقائق التي ظلت غائبة في سيرة حياة أسرة آل الأطرش لا سيما في سنوات إقامتها بمصر، ومنها:
أولا: أغفل فريد الأطرش كما مسلسل أسمهان ذكر أن الصلة لم تكن منقطعة تماما بين فهد الأطرش وأبنائه لا سيما بعد مرور سنوات قليلة من وصول الأسرة إلى مصر، وكما هو واضح فإن هذه الرسالة المؤرخة بعد أربع سنوات من الإقامة في مصر جاءت رداً من الوالد على رسالة أرسلها فؤاد كانت غالبا هي الأولى تحمل عتابا من الابن نحو الوالد الذي أهمل السؤال على أسرته، فجاء الرد سريعا بعد واحد وعشرين يوماً فقط يؤكد على دفء المشاعر التي يكنها فهد الأطرش لأولاده واستعداده لتقديم كل دعم لأسرته، وهو ما حدث – غالبا – بعد ذلك الخطاب.
ثانيا: بدا واضحا من لغة الخطاب الموجه لفؤاد وفريد فقط من دون شقيقتهما أن إيميلي أو أسمهان كانت أصغر من أن تتبادل الرسائل مع والدها، ما يؤكد أنها من مواليد العام 1917 أو 1918 وليس العام 1912 أو 1915 كما ذهب البعض وعلى رأسهم صديقها الصحافي محمد التابعي، ومن هنا فإن فريد الأكبر منها بنحو ثلاث سنوات يكون من مواليد العام 1914 على الأرجح.
ثالثا: يبدو من وصايا الأب لولديه أنه كان قلقا على مستقبل ابنته الصغيرة على النحو الذي برز في مفردات وصاياه وكأنه كان يستطلع الغيب، فقد عاشت أسمهان بعد ذلك حياة صاخبة من المؤكد أنها كانت على غير هوى الوالد الذي عاش ظروف مصرعها الغامض حيث توفي بعدها بأشهر قليلة في نهاية العام 1944.
رابعا: لم يكن فهد الأطرش عطوفا وودودا فقط حيال أبنائه، وإنما امتد أيضا إلى طليقته علياء المنذر مزيلا الكثير من الغموض الذي ظلل علاقة الوالدين لدى كل المصادر التي تناولت سيرة هذه الأسرة حتى أن أمر طلاق الزوجين من عدمه بقى غامضا من دون تحديد لا لحدوثه ولا لتوقيت هذا الحدوث.
(خبر وفاة فريد الاطرش)خامسا: يشير الخطاب إلى استقرار الأمور وهدوء الأوضاع فى جبل الدروز بداية العام 1928 وقت تحرير الرسالة حيث دعا الأب أسرته إلى العودة إلى ديارها في السويداء إذا أرادت، وهذا معناه أن الأسرة الهاربة لئن كانت اختارت القاهرة ملجأ لها قهرا فإنها أرادت البقاء فيها طواعية رغم صعوبة العيش خاصة وأنه في العام 1928 لم يكن لا فريد ولا أسمهان قد عملا بالفن، ومن ثم لم يكن للأسرة ما تخسره لو قررت العودة للشام تلبية لدعوة الوالد.سادسا: من الواضح أن الرجل لم يكتب رسالته بنفسه وإنما أملاها لابنه الأكبر طلال من زوجته الأولى طرفة الأطرش، فهل لم يكن رغم إمارته مجيدا للقراءة والكتابة أم كانت مجرد عادة؟ ثم تأملوا لغة الخطاب بكل ما بها من صنعة ومحسنات لفظية، وأغلب الظن أنها كانت اللغة السائدة فى المكاتبات في ذلك الوقت.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top