2024- 12 - 26   |   بحث في الموقع  
logo سوريا المحاصرة بالمخاطر: أولوية تحصين الداخل سياسياً وأمنياً logo العودة إلى دمشق: إرث البعث الرهيب (2) logo فتور "القوات" تجاه قائد الجيش: أحكام مسبقة أم البرنامج؟ logo سوريا: الهدوء يعود لمناطق الاحتجاجات.. وتحذيرات من التحريض الطائفي logo استغل نزوح سكان راشيا الفخار في الحرب وهذا ما فعله.. قوى الأمن بالمرصاد logo البطريرك الراعي في عظة قداس الميلاد: ميلاد المسيح حدث تاريخيّ ذو مضمون لاهوتيّ logo البطريرك روفائيل بيدروس: الرجوع إلى انتمائنا وإلى وطنيتِنا رمز الانتماء logo زاخاروفا: نظام كييف يهدد الغرب
الأسد "راعي" الرياضة: من عدنان قصار.. إلى منتخب البراميل
2024-12-25 17:55:44


في الوقت الذي تعتبر فيه الرياضة وسيلة لتوحيد المجتمعات وتعزيز الهوية الوطنية، تحولت في سوريا الأسد إلى أداة للترويج السياسي وإحكام سيطرة النظام المخلوع على مختلف جوانب الحياة، ما جعل الرياضة في البلاد تعيش طوال عقود حالة من التدهور الممنهج، انعكاساً للوضع السياسي والاجتماعي والثقافي الذي فرضه نظام البعث-الأسد في البلاد. وربطت معظم المرافق الرياضية بأسماء أفراد من عائلة الأسد كجزء من حملة دعائية منظمة، مثل "نادي الأسد للفروسية" و"مدينة الأسد الرياضية" في اللاذقية. كما أُطلقت أسماء أخرى مرتبطة بالعائلة على عدد من المنشآت الرياضية بهدف تعزيز سيطرة النظام وإبراز الولاء.وحاولت عائلة الأسد تصوير نفسها على أنها الراعية الأولى للرياضة في سوريا من خلال السيطرة الكاملة على المؤسسات والمنشآت الرياضية. ولم تكن الأسماء الدعائية كافية، بل رافقتها ممارسات أثارت الجدل والسخرية. على سبيل المثال، شهدت مسابقات الفروسية حادثة غريبة حيث فازت شام الأسد، ابنة ماهر الأسد، بالمركزين الأول والثاني في بطولة للفروسية أقيمت في "نادي الشهيد باسل الأسد" بالديماس بريف دمشق في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وهو أمر متكرر بالنظر إلى سجل "الإنجازات" الشخصية للفارسة الأسدية خلال السنوات الأخيرة.ومنذ وصول حافظ الأسد إلى الحكم في سبعينيات القرن الماضي أطلق على نفسه عدة ألقاب منها "راعي الرياضة والرياضيين"، وتم تحويل المؤسسات الرياضية إلى أذرع سياسية تابعة للنظام، حيث تم تعيين رؤساء الأندية والاتحادات الرياضية بناءً على الولاء الشخصي وليس الكفاءة، وهو أمر أفرغ الرياضة من مضمونها التنافسي وحوّلها إلى ساحة للصراعات السياسية.ولم يقتصر الأمر على الأسماء فقط، بل أصبحت المنشآت الرياضية جزءاً من البنية العسكرية للدولة. على سبيل المثال، تضمنت بعض ثكنات الشرطة العسكرية صالات رياضية ذات طابع عسكري واضح، حيث جرى تدريب الرياضيين ضمن أجواء تعكس سيطرة الأجهزة الأمنية وتم إجبار اللاعبين على الانخراط في أندية الشرطة والجيش كجزء من خدمتهم الإلزامية، وتم تحويل مقولات حافظ الأسد حول الرياضة إلى شعارات معلقة على الجدران، وكأنها نصوص مقدسة. وأضيفت إليها صور وتماثيل للرئيس الراحل، ما جعل الذهاب إلى تلك المنشآت يشبه أداء فروض الطاعة السياسية بدلًا من ممارسة الرياضة بحرية.وتعد البطلة الأولمبية السورية الحائزة على ذهبية "أولمبياد أتلانتا" العام 1996، غادة شعاع، مثالًا صارخاً على تهميش الرياضيين في سوريا. فبعد إنجازها الاستثنائي والوحيد في تاريخ الرياضة السورية، تعرضت لإهمال شديد وتهديدات بالقتل من قبل أجهزة الاستخبارات لعدم لقائها بحافظ الأسد، كما واجهت شعاع صعوبات مالية وصحية بسبب إهمال الدولة لدعمها.وفي حادثة أخرى، تم اعتقال قائد المنتخب السوري للفروسية عدنان قصار، بعد فوزه على باسل الأسد، الشقيق الراحل للرئيس المخلوع بشار الأسد، في سباق للفروسية العام 1993. عقب هذا الفوز، وُجهت لقصار تهم ملفقة مثل محاولة اغتيال باسل الأسد وحيازة متفجرات، وقضى قصار أكثر من 21 عاماً في السجن في ظروف قاسية، حيث تعرض للتعذيب المستمر، خصوصاً في ذكرى وفاة باسل الأسد في حادث سيارة العام 1994، حيث كانت هذه المناسبة تُستخدم لإذلاله داخل السجن. وفي عهد بشار الأسد، لم تختلف الأمور كثيراُ، وتعمق دور الرياضة لتصبح وسيلة للدعاية السياسية ولتلميع صورة النظام دولياً، في وقت تعاني فيه البنية التحتية الرياضية من الإهمال والانهيار.وترأس فراس معلا، وهو ابن هاشم معلا، أحد المتهمين بتنفيذ مجازر مدينة حماة في ثمانينيات القرن الـ20 منظمة "الاتحاد الرياضي العام". وعرف معلا بتأييده لرئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، في كل مناسبة ممكنة، واستقبله الأسد عدة مرات، وكرّمه مرتين العامين 2002 و2007. وفي أيلول/سبتمبر 2018، صرح معلا بأنه يتشرف بتمثيل روسيا في بطولة أوروبا للسباحة لفئة "الماسترز"، التي أُقيمت في مدينة كران السلوفينية، وأحرز ميدالية ذهبية في بطولة أوروبا لمسافة خمسة كيلومترات حينها، في مشهد أظهر النفوذ الروسي في البلاد بعد تدخل موسكو لإنقاذ الأسد من السقوط عسكرياً العام 2015.وكان شقيقه همام معلا يترأس الاتحاد العربي لـ"الترياثلون" حتى العام 2012، عندما استقال "احتجاجاً على التآمر العربي ضد سوريا"، حسبما ذكرته إذاعة "شام إف إم" المقربة من السلطات حينها، إلى جانب تصديره كشخصية تقدم المديح لجيش النظام في وسائل الإعلام.والرياضة في سوريا لم تكن مجرد أداة للترويج السياسي، بل انعكس استغلالها بشكل كبير على الروح المعنوية للرياضيين والمجتمع السوري. وخلق غياب العدالة في المنافسات الرياضية وسيطرة عائلة الأسد حالة من الإحباط لدى الرياضيين الشباب الذين فقدوا الثقة في إمكانية تحقيق أحلامهم، واضطر كثير منهم للتخلي عن الرياضة أو مغادرة البلاد، ما أدى إلى انقطاع العلاقة بين الأجيال الصاعدة والرياضة كوسيلة لتحقيق الذات.ومع اندلاع الحرب السورية، تعرض الرياضيون لضغوط كبيرة. فانقسموا بين مؤيد ومعارض للنظام، مما أدى إلى اعتقال أو نفي كثيرين. مواهب مثل عمر السومة وعمر خريبين لجأت إلى الخارج بحثاً عن بيئة رياضية أكثر حرية واحترافية، قبل أن تعود وتشارك في تقديم فروض الطاعة أيضاً للأسد، مع منتخب سوريا لكرة القدم الذي استقبله الرئيس المخلوع ووقع على قمصانه باسمه الشخصي، في مشهد أوضح أن ذلك المنتخب كان منتخب الأسد لا منتخب سوريا الممزقة.وفي الوقت نفسه، تعرضت البنية التحتية الرياضية للتدمير، حيث تم تحويل المنشآت الرياضية إلى مراكز اعتقال وثكنات عسكرية، مثل ملعب العباسيين في دمشق الذي أصبح مركزاً للاحتجاز وثكنة عسكرية تم إطلاق الصواريخ والقذائف منها على أحياء دمشق المجاورة مثل حي جوبر على سبيل المثال، قبل أن يتحول إلى مرآب للآليات العسكرية في وقت لاحق من تاريخ الحرب.وخلال النزاع السوري المستمر منذ العام 2011، تعرض الرياضيون في سوريا لانتهاكات جسيمة، بما في ذلك القتل والاعتقال والتعذيب، بحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان". وقتل 221 رياضياً على يد قوات النظام السوري، من بينهم أبطال رياضيون مثل عبد الكريم كراكوز، بطل سوريا في كرة الطاولة للمقعدين، وصبحي سعدو العبد، بطل العالم في المصارعة الحرة. كما وثق التقرير مقتل ستة رياضيين تحت التعذيب في المعتقلات السورية.ومن بين الحالات البارزة، اعتقال جهاد قصاب، كابتن المنتخب السوري السابق، العام 2014 وتوفي لاحقاً في سجن صيدنايا العام 2016. وكان لجوء الأختين السباحتين يسرا وسارة مارديني إلى ألمانيا من أبرز الأمثلة على الرياضيين الذين غادروا البلاد. فيسرى التي أصبحت لاحقاً سفيرة للنوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة، شاركت في "أولمبياد ريو" العام 2016 ضمن فريق اللاجئين، حيث لفتت الأنظار إلى قصتها الملهمة عن الهروب من الحرب في سوريا، وشهدت الدورات الأولمبية اللاحقة ظهور رياضيين سوريين إلى جانب النظام السوري ورياضيين آخرين ضمن فرق دول اللجوء أو فريق اللاجئين.ولعبت "اللجنة الأولمبية الدولية" والمنظمات غير الحكومية درواً هاماً في دعم الرياضيين السوريين، خصوصاً اللاجئين منهم، كما قدمت بعض المبادرات الدولية دعماً نفسياً ومادياً للرياضيين السوريين في الشتات، مثل برامج التدريب والمنح الدراسية.وفي المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية، ظهرت محاولات لإحياء النشاطات الرياضية بشكل مستقل عن النظام. في إدلب، على سبيل المثال، تم تنظيم بطولات محلية لكرة القدم، شارك فيها شباب وأندية محلية، كوسيلة للترويح عن النفس وبناء روح التضامن. هذه المبادرات عكست رغبة قوية لدى السوريين في الحفاظ على هويتهم الرياضية بعيدًا عن هيمنة النظام.وأثرت العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري بشكل مباشر على مشاركة الرياضيين السوريين في البطولات الدولية. حيث واجه الرياضيون صعوبة في الحصول على تأشيرات السفر بسبب القيود المفروضة على المؤسسات السورية ومنعت بعض الفرق السورية من المشاركة في البطولات الإقليمية والدولية بسبب عدم الاعتراف بشرعية النظام.ويمكن للرياضة في سوريا ما بعد الأسد أن تلعب دورأً حيوياً في إعادة بناء الهوية الوطنية وتوحيد السوريين بعيداً عن الانقسامات السياسية، حيث يمكن أن تكون البطولات المحلية والدولية منصة للتلاحم الوطني. وأثبتت تجارب دول مثل جنوب إفريقيا بعد نظام الفصل العنصري أن الرياضة قادرة على المساهمة في تعزيز المصالحة الوطنية.ولا يمكن الحديث عن إصلاح الرياضة السورية من دون معالجة جذور المشكلة المتمثلة بالهيمنة السياسية على المؤسسات الرياضية. وتحتاج الرياضة في سوريا المستقبل إلى استقلالية حقيقية، وإلى إدارة مبنية على الكفاءة والشفافية. كما أن استعادة الثقة في الرياضة تتطلب بيئة حرة وآمنة تتيح للمواهب الشابة التطور من دون قيود. كما يجب العمل على بناء بنية تحتية رياضية جديدة تضمن توفير الملاعب والصالات التدريبية بمواصفات حديثة، وتتيح للرياضيين ممارسة نشاطاتهم بحرية وأمان.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top