مع سقوط النظام السوري في الشهر الأخير من هذا العام، كان من المتوقع أن تنتهي سنة 2024 على طي صفحة 13 سنة من النزوح السوري. إلا أن هذه القضية مرشحة لتكون أبرز الملفات المرحّلة للعام 2025، بعد أن أغرقت السلطة اللبنانية في وحول فشلها بالإمساك بها منذ البداية، وحولتها موضوع جدل واسع وطويل، تسبب بتوتير الأجواء حتى مع الهيئات والمنظمات الدولية الداعمة للنازحين في أماكن وجودهم.تطويع الهيئات الأمميةحالياً، لا تشي حركة العبور غير المتوقفة عبر معبر المصنع الحدودي الشرعي باتجاه العاصمة السورية دمشق بأننا دخلنا فعلياً في مرحلة النزوح المعاكس. ما زال الأمر بحاجة لترتيبات ضرورية لا بد منها سواء في سوريا أم في لبنان. في الأثناء يستمر النازحون في إنجاز أعمالهم وورشهم التي التزموها. ويتزامن الأمر مع متابعة الطلاب في المدارس في الجامعات عامهم الدراسي. ويتمتد الأمر إلى أبسط الأمور الحياتية، حيث أمن النازحون المحروقات، المفقودة في سوريا، لفصل الشتاء.قرار العودة ينتظر أيضاً مدى تطويع الهيئات المانحة ولا سيما مفوضية اللاجئين، لعملها مع مستجدات سقوط النظام، لتتجانس في تدخلاتها مع متطلبات العائدين الى بلادهم وحاجتهم لكل شيء تقريبا من مكان السكن الى المساعدات المالية وفرص العمل وتأمين البنية التحتية الأساسية من طرقات ومياه وكهرباء وغيرها. وهذا ما يتطلب وفقاً لما تتقاطع عليه أراء عدد من النازحين السوريين الذين استطلعتهم "المدن" نقل المساعدات والدعم الذي حصلوا عليه في لبنان طيلة الفترة الماضية الى بلدهم سوريا. وهذا بالأساس كان مطلباً لبنانياً، وخصوصا من قبل من أصروا على تأمين الظروف الطبيعية لعودة آمنة وطوعية للنازحين، حتى قبل أن يسقط بشار الأسد ونظامه.السوريون والحوادث الأمنيةقبل توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان، شكّل ملف النزوح السوري أولوية عند الأفرقاء السياسيين. البعض منهم رفض استمرار توافد السوريين إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية. وتعززت القناعة بتحول هؤلاء من نازحين بسبب الحرب إلى نازحين لدواعي إقتصادية. وشكل هذا الأمر إجماع سياسي جرى التعبير عنه في مجلس النواب. وأتت حادثة خطف منسق حزب القوات اللبنانية في جبيل باسكال سليمان، ومقتله في الداخل السوري في بداية شهر نيسان 2024، على يد عصابة سورية، لتتحول إلى حرب عنصرية بوجه كل نازح سوري. تدخل الأجهزة الأمنية ومخابرات الجيش وتوقيف معظم عناصر العصابة خفف من وطأة الأمر. لكن تكرر الحوادث الأمنية التي تورط بها سوريون، أدت إلى تصاعد الصرخات المطالبة بعودة هؤلاء الى بلادهم، وخصوصاً من دخل منهم لبنان بطرق غير شرعية.توجهت أصابع الاتهام إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR بعدم تسهيل عودة السوريين إلى بلدهم جراء تقديم المساعدات وتأمين وسائل صمودهم في لبنان. وارتفع منسوب القلق من هذا "الدور الأممي المعرقل" لعودة السوريين إثر هبة أقرها الإتحاد الأوروبي للبنان في شهر أيار الماضي. فاعتبرت هذه الهبة بمثابة "رشوة" لمقايضة لبنان ببقاء مئات الألوف من النازحين السوريين غير الشرعيين على أراضيه. وهذا ما استدرج مجلس النواب إلى عقد جلسة لهيئته العامة، خلصت الى توصيات، عكست توافقاً سياسياً على تأمين العودة الآمنة والطوعية للسوريين الى بلادهم.الحرب والنازحينترجمت إنعكاسات هذا التوافق السياسي على الأرض بامتناع السلطات المحلية من محافظين ورؤساء بلديات عن السماح بزيادة خيمة إضافية على تجمعات النازحين في مناطقهم. وتزامن الأمر مع حملة بدأتها الأجهزة الأمنية بأمر من النيابات العامة وبناء لتوصيات صادرة عن مجالس الأمن الفرعية بملاحقة الأجانب، وتحديداً السوريين، العاملين بطرق غير شرعية على الأراضي اللبنانية. أدى هذا الأمر إلى تعقيد واقع النازحين السوريين، وعرّضهم في كثير من الأحيان لحملات عنصرية، ولإبتزاز أصحاب الأراضي الزراعية.خلال توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان برز ملف النزوح السوري من جديد. وظهر ذلك من خلال بعض قرارات السلطة المركزية، استجابة لتوجه الهيئات المانحة التي لم تميّز في تقديم المساعادت بين لبناني وسوري. فخلال اجتماع عقده وزير الداخلية بسام المولوي، مع ممثلين عن مفوضية اللاجئين ومحافظ البقاع كمال أبو جودة، طلب المولوي نقل عدد من النازحين الذين تشردوا من المناطق المصنفة حمراء الى قرى البقاع الآمنة، وإقامة المخيمات لهم في مدينة زحلة وبلدة سعدنايل. إلا أن الاجتماع عجز عن فرض قرارات السلطة المركزية ورغبات الهيئات المانحة على المجتمعات المحلية. فقوبل هذا الطلب بممانعة على كافة المستويات المحلية السياسية الإدارية والشعبية، ليعكس في المقابل الإحراج الذي وقعت فيه الدولة اللبنانية تجاه المنظمات الداعمة التي تحولت شريكة أساسية في تغطية نفقات خطتها للطوارئ والإغاثة.فتحت هذه المحاولات باب النقاش مجدداً على السبب الذي يحول دون عودة النازحين الى بلادهم، خصوصاً أن أوضاع بلادهم بظل العدوان الإسرائيلي باتت أكثر أمنا من لبنان. وقد عزز من دعوا لذلك حججهم بالإشارة الى عدد السوريين الذين غادروا الى سوريا خلال هذه المرحلة، بعدما لامس ال 400 ألف مواطن، وهو ما أسقط برأي هؤلاء كل الذرائع السابقة بأن سوريا ليست بلداً آمناً بالنسبة لشعبها النازح في لبنان.وصولاً إلى سقوط الأسدأتت الغارات الإسرائيلية المتكررة على المعابر البرية الشرعية وغير الشرعية لتحد من تدفق النازحين إلى سوريا. وتراجع عدد السوريين المغادرين الى بلادهم بشكل ملحوظ نتيجة إقفال هذه المعابر. أما من غادر لبنان عبر المعابر غير الشرعية، فقد ضمن عودة بطرق مشابهة فور إعلان وقف الأعمال العدائية لمدة ستين يوما بين إسرائيل ولبنان.في 8 كانون الأول سقط النظام. وبينما كانت الأنظار تتجه الى تجمعات النازحين لرصد حركتهم في تفكيك الشوادر والانتقال بما تيسر من ممتلكاتها الى أراضيهم، جاءت مفاجأة حركة المعابر الشرعية وغير الشرعية، وخصوصا في منطقة المصنع، تدفقا لأعداد إضافية من النازحين، وإنما هذه المرة للسوريين المؤيدين للنظام.مئات العائلات دخلت لبنان في الأيام التالية لسقوط النظام، في تحد صارخ لقرارات السلطة السياسية اللبنانية، وللإجراءات الأمنية الحدودية. تجمهر هؤلاء في باحات الأمن العام على مدى أيام متتالية، وعلى رغم الأوامر التي منعت دخول كل من لا يملك جواز سفر أجنبي، أو دبلوماسي أو إقامة شرعية في لبنان أو أي بلد خارجي، رفض هؤلاء العودة الى بلادهم. وقد تنوعت ذرائعهم للخشية من العودة الى سوريا، بين الخوف من العدوان الإسرائيلي على المواقع العسكرية في بلدهم، والخشية من العمليات الإنتقامية التي قد يتعرض لها الموالون للنظام، بالإضافة الى ما تحدث عنه هؤلاء من تعطل العجلة الاقتصادية في سوريا.ملف النازحين السوريين سيرحّل إلى العام 2025 ومصير عودتهم يرتبط بالإجراءات التي ستتخذها الهيئات المانحة، ومدى إنفتاح لبنان على السلطة الجديدة في سوريا لتسهيل العودة الطوعية. فمع سقوط النظام سقطت أيضاً القيود الأمنية والسياسية، وفي طليعتها التجنيد الإلزامي والإعتقالات اللاإنسانية، التي كانت تحول دون عودة النازحين إلى بلدهم.