العفو العام أو العفو الشامل كما جاءت تسميته في البند ٩ من المادة ٥٣ من الدستور اللبناني، والتي جاء فيها “يُمنح العفو الخاص بمرسوم أما العفو الشامل فلا يُمنح إلاّ بقانون”.
إذا العفو العام هو مِنحة يقررها المشرّع لمرتكبي بعض الجرائم بحسب الظروف التي يمّر فيها البلد ،فإمّا عند الانتهاء من حرب أو ثورة أو لظروف أمنية أو جيوسياسية او استراتيجية او فتح صفحة جديدة او لانتخاب رئيس جديد أو لأسباب أخرى لا يمكن حصيها طالما أنّ البشرية في تطوّر مستمّر..
لكن ليس المهم هنا هي الأسباب، فلماذا نشغل أنفسنا بالأسباب وقد تكون سياسية بحتة ليس لدينا يد فيها لا من قريب ولا من بعيد، بل ما يهمّنا هي هذه المجموعة من “البونِس” التي يأتي بها قانون العفو العام،
فهذا القانون يجرّد الفعل المادي من صفته الجرمية فيمحو أثر الجريمة على المحكوم عليه فيصبح “نظيفا”مهما كان طور الممارسة القضائية الجزائية سواء في الملاحقة أو المحاكمة أو العقوبة، وبالتالي هو سبب من أسباب سقوط الدعوى العامة التي على المحكمة إثارتها من تلقاء نفسها ولو لم يثرها أحد الخصوم، هذا اضافة الى ان قانون العفو العام يمحو أثر الجريمة في قيود السجل العدلي ويعيد للمحكوم عليه الحقوق المدنية التي كان فقدها بمفعول الحكم الذي صدر بحقّه،
لكن من جهة أخرى، فإن الفعل الضار يُعتبر ما زال قائما و بالتالي يعود للمتضرر ان يطالب بحقه المكتسب في التعويض أمام المحاكم المختصة، هذا إضافة الى ان قانون العفو العام لا يشمل العقوبات الصادرة عن المجالس التأديبية وذلك لذاتيتها واستقلالها،
مثلا الموظف الذي صدر عليه حكم قضائي باختلاس اموال الدولة يُحرم من الحصول على معاشه التقاعدي أو على تعويض الصرف، ذلك لأن قانون العفو العام يتناول الجرائم فقط دون القرارات التي تصدرها مجالس التأديب.
اليوم ووسط هذه الدعوات لإصدار قانون عفو عام، يبدو هذا الأمر مُلًِحا لأسباب إنسانية بحتة تتعلق أقلّه بواقع الاكتظاظ في السجون،
عدد السجناء اليوم في لبنان حوالي ١٢ ألف سجين وهم مُوزعون على سجون تضُم أكثر بكثير من قدرتها الاستيعابية ،مثلا سجن رومية يضّم حوالي ٤٥٠٠ سجينا بينما قدرته الاستيعابية هي ١٥٠٠ سجينا و كذلك واقع النظارات التي أضحت اليوم للأسف”سجون دائمة” بفعل عدم احترام و مراعاة المادة ١٠٧ أ.م.ج. و مهلة ال ٢٤ ساعة للبدء باستجواب المدعى عليه وإلا اعتبر توقيفه عملا تعسفيا..
وكذلك المادة ١٠٨ أ.م.ج. التي تنص على مدة التوقيف الاحتياطي والتي لا يجوز ان تستمّر لمدة أكبر من تلك المنصوص عليها في القانون وإلاّ نكون قد ضربنا بعرض الحائط مبدأ قرينة البراءة التي ينص عليها الدستور اللبناني والمبادئ القانونية العامة و حقوق الانسان، هذا ناهيك عن أن التوقيف وبحسب المادة ١٠٧ أ.م.ج. يجب ان يكون هو الوسيلة الوحيدة للمحافظة على أدلّة الإثبات وغيرها من الأمور.. لأن التوقيف هو تدبير استثنائي يكون في حالات خاصة جدا جدا لكن للأسف واقع اليوم عكس ذلك حيث ان قرار التوقيف أضحى اليوم قرارا بديهيا ارتجاليا يصدر عن صاحب السلطة، في الوقت الذي يحق فيه للسجناء في دول أوروبا أن يطالبوا بالتعويض بآلاف اليورو كتعويض عن توقيفهم في مراكز لا تراعي المعايير الدولية الانسانية وليس عن توقيفهم لمدة تتجاوز تلك المنصوص عليها في القانون!!
العقوبة في لبنان لها بعدين: البعد الزاجر والبعد التأهيلي ،ونحن نسأل اليوم أين البعد التأهيلي في السجون في لبنان، أليس من المفروض أن يُنقَلوا السجناء لِيمْضوا ربع محكوميتهّم الأخير في مراكز تأهيلية لكي يتحضروا نفسيا وعملانيا الى الخروج والانخراط في المجتمع ليكونوا أشخاصا فاعلين ومنتجين بدلا من أن تلاحقهم وصمة العار حتى القبر وينبذهم المجتمع بمصطلحات أقلّها”خريّج حبوس”
المُهّم اليوم، أن واقع السجون في لبنان ليس دليل عافية إطلاقا والأهم أن لا ننسى أن “السجون مرآة الأوطان”.
الكاتبة: المحامية الدكتورة رنا الجمل
أمينة سّر الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان.
موقع سفير الشمال الإلكتروني