محفورٌ هذا العام في ذاكرة حاكم مصرف لبنان السابق، كما في ذاكرة اللبنانيين. العام الذي قرّر فيه القضاء اللبنانيّ الانقضاض على رياض توفيق سلامة، فوقع الحاكم في "المصيدة" القضائية التي يعجز حتى الساعة، عن الخروج منها. بعد مرور خمس سنوات على أكبر أزمة اقتصاديّة شهدها لبنان، زُجّ سلامة في السجن، بعد اتهامه بسرقة الأموال العامة من المصرف المركزيّ. وسجل بذلك سابقة جديدة بأن يكون "الحاكم" الوحيد الذي يدخل السجن في لبنان.
زيارات رسميّة استمر القضاء الأوروبي في متابعة قضية سلامة طيلة العام 2024. في الأشهر الأولى من العام، خصّص رئيس الشرطة الجنائية الفيدرالية الألمانيّ، هولغر مانش، زيارة رسميّة للقضاء اللبنانيّ، عارضًا عليه المساعدة القضائية، وللاستفسار حول أسباب تأخر الدولة اللبنانية في رفع دعوى قضائية في ألمانيا ضد سلامة، لحفظ حقها من الأموال المحتجزة هناك بعد انتهاء التحقيقات. وأبلغ القضاة آنذلك بجهوزيّة ألمانيا لتقديم كل الأدلة لمساعدة لبنان في رفع دعوى ضد سلامة.
في آذار العام 2024، تابع القضاء الفرنسي تحقيقاته، وانضم إميل رجا سلامة، إبن شقيق الحاكم، إلى عصابة الأشرار وخضع للرقابة الفرنسيّة، تمامًا كما حصل مع سلامة سابقًا. وبالتزامن مع هذه التحقيقات، ادعى المدعي العام المالي، القاضي علي إبراهيم على سلامة، بالإهمال الوظيفي، وإساءة الأمانة، وذلك في دعوى داخل القضاء اللبناني كانت قد رُفعت سابقًا.
في حزيران العام 2024، أبطلت مذكرة التوقيف الألمانية بحق سلامة، التي أصدرت بحقه في أيار العام 2023، بعد أن تقدّم بدعوى أمام القضاء الألماني ضد المدعية العامة في ميونخ، ليتبين بعدها أنه إجرء طبيعيّ، ولا يشمل باقي مذكرات التوقيف التي أصدرت بحقه. واستند سلامة إلى القانون الألماني، الذي يفرض تحقق شرطين لإصدار مذكرة توقيف وهما: ضرورة توفر شكوك كبيرة حول ارتكاب المتهم للجرم، وأن يكون هناك خطر كبير من هرب المتهم، وكان الشرط الثاني غير متوفر في قضية سلامة، لكن التحقيقات الفرنسية استمرت من دون توقف.
داخل القضاء اللبنانيّ، جُمّد ملف سلامة لأشهر بسبب قيام سلامة بمخاصمة كل قضاة الهيئة الاتهاميّة، لكن النيابة العامة التمييزية باشرت آنذاك بتحقيقات موسعة في ملفات مصرفية متنوعة وأهمها: "ملف الاعتماد المصرفي، وأوبتيموم.."، وتسلمت الكثير من المستندات والوثائق من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان.الانقضاض على سلامةفي تموز العام 2024، تنصل المصرف المركزي من سلامة الحاكم، واتخذ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري صفة الادعاء الشخصي، وطلب الدخول في الدعوى المرفوعة ضد سلامة خارج لبنان. ولم تتوقف الوفود الأوروبية عن زيارة القضاء اللبناني، وحطّ وفد من السفارة الفرنسية وآخر من الألمانية داخل النيابة العامة التمييزية، لمعرفة الإجراءات القضائية التي اتخذت بحق سلامة.
توسعت الملاحقة القضائية لعائلة سلامة خارج لبنان، وادعى القضاء الفرنسي على شقيق الحاكم، رجا سلامة، بتشكيل عصابة الأشرار واختلاس الاموال العامة وتبييض الأموال والفساد والتآمر الجنائي، وباتت غالبية العائلة متورطة بالفساد المالي والسرقة وتبييض الأموال.
في الثالث من أيلول عام 2024، استدرج سلامة إلى النيابة العامة التمييزية، وحددت جلسة لاستجوابه في أحد الملفات. حضر إلى قصر عدل بيروت من دون وكيله القانونيّ، ساعات قليلة وكبلت يداه بالأصفاد الحديدية، وزُجّ في السجن.
لساعات استمع الحجار إلى سلامة، واتخذ قرارًا بتوقيفه، وادعت النيابة العامة المالية على سلامة بسرقة أموال المصرف المركزي، وحوّل ملفه لقاضي التحقيق الأول في بيروت، بلال حلاوي. إدانة الحاكمالأدلة والمستندات التي سُلّمت للنيابة العامة التمييزية أدانت سلامة واتهمته بتهريب أموال من المصرف المركزي إلى حسابات مصرفية متعددة وصولاً إلى حسابه المصرفيّ الخاص. هذه المستندات تسلمها الحجار من هيئة التحقيق الخاصة، وعُرضت فيها الآلية التي استخدمها سلامة لتهريب مبلغ 42 مليون دولار أميركي من المصرف لحساب الاستشارات بالتعاون مع محاميين.
ادعت النيابة العامة المالية على سلامة بجرائم اختلاس المال العام والإثراء غير المشروع، وتسلّم حلاوي ملف سلامة، واستمع إليه لساعات وأصدر بحقه مذكرة توقيف وجاهية، واستمع إلى شهود من المصرف المركزي، وإلى كل من المحاميين المتهمين في القضية، ميشال تويني، ومروان عيسى الخوري، وحاولا التنصل من سلامة، وتضاربت الآراء بشكل كبير بين المتهمين. اعتبر توقيف سلامة فرصة تاريخية لفتح ملفاته القضائية كلها. وأصدر قاضي التحقيق الاول في جبل لبنان، نقولا منصور، مذكرة توقيف وجاهية ثانية بحق سلامة، في قضية تتعلق بعقاراته وأملاكه في فرنسا، وهي دعوى قديمة كانت القاضية غادة عون قد ادعت عليه وعلى صديقته والدة طفلته، آنا كازاكوفا، بالأثراء غير المشروع، وتبييض الاموال، ومحور هذه القضية هي الشقة الموجودة في فرنسا التي استأجرها مصرف لبنان بحوالى نصف مليون دولار أميركي سنويًا بحجة أنها مركزًا ومكتبًا لعمليات المصرف في الحالات الطارئة، وسبق أن داهمتها السلطات الفرنسية، وكان المصرف المركزي يحول تكاليف هذه الشقة الضيقة إلى شريكة سلامة، وكان من المفترض أن تملك هذه الشقة ترخيصًا خاصًا من المصرف الفرنسي لكن التحقيقات الفرنسية أظهرت أنها لم تكن على علم بوجود هذا المكتب.
وبعد أشهر من الجمود القضائي في ملف فوري داخل لبنان، أصدرت محكمة التمييز الجزائية قرارًا برد استدعاء التمييز المقدم من سلامة وأعادت الملف إلى قاضي التحقيق الاول، بلال حلاوي لمتابعته.
يقضي سلامة الأيام الأخيرة من العام 2024 داخل زنزانة خاصة بعهدة قوى الأمن الداخلي، بعد أن رفض القضاء اللبنانيّ كل طلبات إخلاءات السبيل التي تقدّم بها. أكثر من ثلاثة أشهر مرت على توقيف سلامة، ولا تزال التحقيقات مستمرة داخل قصر عدل بيروت.