هل وصلت كلمة السر الرئاسية؟
مع افتتاح بازار الإنتخابات الرئاسية في لبنان بدأت سبحة الترشيحات لرئاسة الجمهورية منها المعلن سابقا وحديثا بالاضافة الى الترشيحات الكامنة او التي تمارس تقية سياسية وتجري اتصالاتها وراء الكواليس والأخرى المفخخة لحرق الأسماء في لعبة سياسية يتحكم بها الخارج سواء كان الدولي او الإقليمي او كلاهما.
هذا هو وضع انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان بعد ما سمي الاستقلال عام 1943 من رئاسة بشارة الخوري حتى رئاسة ميشال عون ولا احد يستطيع أن ينكر دور فرنسا في الإختيار المطلق زمن الإنتداب.
بعد الاستقلال احتفظت ( الأم الحنون) بشيء من دورها الذي بدأ يتراجع لصالح الولايات المتحدة منذ محاولة التجديد لكميل شمعون لإدخال لبنان في حلف بغداد.
استمر الدور الاميركي منذ ذلك التاريخ سواء كان ظاهراٌ او من وراء الستار ولا ننسى دور جمهورية مصر العربية زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كابرز لاعب إقليمي واختيار فؤاد شهاب رئيساٌ بعد ثورة عام 1958.
بعد تراجع دور مصر برز دور سوريا والسعودية ليقطعه الدور الإسرائيلي بعد اجتياح لبنان عام 1982 وتعيين بشير الجميل الذي اغتيل قبل تسلم الرئاسة ليخلفه شقيقه امين الذي انتهى عهده بفراغ في مركز الرئاسة لاول مرة بعد فشله في محاولته للتجديد بعد عودة الدور السوري المقرر اقليمياً وبداية مرحلة ما عرف بالسين سين (سوريا والسعودية).
بعد اتفاق الطائف واطاحة الحكومة العسكرية التي عينها الجميل برئاسة قائد الجيش ميشال عون والتي كانت تقابلها حكومة سليم الحص في المنطقة الغربية تم انتخاب رينيه معوض والذي اغتيل قبل تسلم منصبه وقد خلفه الياس الهراوي والذي مدد له ثلاث سنوات ليخلفه اميل لحود والذي مدد له في لحظة مفصلية حيث بدأت تظهر الى العلن حالة الطلاق السعودي السوري الذي تفرد بقرار التمديد للحود ثلاث سنوات ليخلفه الفراغ حتى اتفاق الدوحة.
بعد اتفاق الدوحة برز دور قطر الاقليمي وقد اتى ميشال سليمان الى سدة الرئاسة بموجب الاتفاق حيث عدلت المادة 49 من الدستور وكان الاخراج المعروف بان تعدل لمرة واحدة وذلك للسماح بانتخاب سليمان الذي كان ما يزال يشغل منصب قائد الجيش.
انتهى عهد ميشال سليمان ليخلفه الفراغ مجدداٌ حتى انتخاب ميشال عون بعد بروز الدور الإقليمي الجديد لإيران وسوريا.
انتهى عهد ميشال عون منذ عامين وورثه الفراغ في القصر الرئاسي حتى تاريخه بسبب التجاذب القوي بين القوى الدولية اهمها الولايات المتحدة وفرنسا وحلفاءهم الاقليميين قطر الإمارات والسعودية واسرائيل ومن الجهة المقابلة إيران التي كانت تدعم حزب الله الذي كان يريد انتخاب رئيس مقرب من المقاومة.
اليوم عاد الحديث وبقوة عن انتخاب رئيس للجمهورية وكما تقدم وبدات سبحة الترشيحات او التسميات بعدما عين رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري موعداٌ لجلسة الانتخاب في التاسع من كانون الثاني القادم.
كلنا يعلم يراقب ويسمع عن اللجنة الخماسية (التي تضم المملكة العربية السعودية ومصر وقطر والولايات المتحدة وفرنسا) ودورها في غربلة الاسماء المرشحة للرئاسة خصوصاٌ بعد تراجع الدور الإيراني في اختيار الرئيس بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان.
هنا يطرح السؤال نفسه وبشقين ، هل سينهي انتخاب الرئيس الأزمة في لبنان وهل الرئيس هو الدولة لتنتهي الأزمة؟
بعد العرض التاريخي الذي تقدم لانتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان نرى أن الرؤساء فشلوا في إقامة دولة المواطن والمؤسسات ( اتمنى ان لا يقول لي احد الرئيس فؤاد شهاب رغم محاولته).
منذ تأسيس ما سمي لبنان الكبير الذي أقامه الانتداب الفرنسي عام 1920 وفخخه بنظام المحاصصة الطائفية لاسبابه الخاصة وخدمة لمشاريعه الاستعمارية اكثر من ان يخدم اللبنانيين رغم ان الانتداب حاول الباسه لباس مصلحة اللبنانيين الذين ما زالوا يدفعون من سلامتهم وامنهم ومستقبلهم أغلى الأثمان بسبب هذا الفشل.
كان من نتيجة الفشل الحروب الداخلية 1958 و 1975 وما بينهما وبعدهما من أزمات وطنبة وجودية بالاضافة الى الاحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية بتغاضي عربي ودولي حتى عام 2005.
الملفت ان اللبنانيين راقت لهم مقولة غسان التويني حروب الآخرين على ارضنا متناسين دورهم الذي يسمح لاطماع القوى الخارجية بتقويض الدولة على علاتها لأنهم يحرصون على تطويف (من طوائف) ومذهبة (من مذاهب) حتى تعيين حاجب في مدرسة او ناطور في الاحراج فما بالنا عندما تصل الامور الى القضاء والاقتصاد والقوى الأمنية والوزارت والمديريات العامة وقس على ذلك.
هذا الفشل ينسحب الى تدخل رؤساء الطوائف للدفاع عن الفاسدين في طوائفهم للذود عن سمعة الطائفة وهذه الممارسة عابرة لكل الطوائف والمذاهب.
يبقى ان نشير الى ان مفهوم ونظرة اللبنانيين حتى للوطن مختلفة مما يكرس الفشل في بناء دولة المواطنة وقد تجلى ذلك في العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان ولا نريد أن نقف عند الذين اعتبروا ان الحرب لا تعنيهم ولكن كان الملفت مواقف بعض القيادات السياسية والروحية والتي دعت الى تحرير المدارس من المهجرين كما قال البطريرك الماروني بشارة الراعي او ما دعى اليه سمير جعجع رئيس القوات اللبنانية بدعوته لانتخاب رئيس بدون مشاركة الشيعة مما يعني ضرب حتى مفهوم دولة الطوائف والمذاهب التي يحرصون على استمرارها على حساب رفاهية اللبنانيين ومستقبلهم ومستقبل وطنهم.
اخيرا، اياً يكن الرئيس ومهما يكن بيانه الرئاسي غني بالبلاغة اللغوية اعتقد انه لن يقدر على تأسيس الدولة الحديثة دولة المؤسسات والمواطن الذي يشعر ان له وطن ودولة تذود عن الوطن بعيداٌ عن المكاسب السلطوية التي تداورت عليها وفشلت كل الطوائف السياسية من المارونية والدرزية والسنية والشيعية او من يريدون بعث الروح في جسد اي طائفية سياسية من جديد.
يبقى ان نشير الى ان لانتخاب الرئيس دور وظيفي مهم لا ينكره عاقل في هذه المرحلة المفصلية التي تمر بها المنطقة على الصعيد الجيوسياسي لإعادة تشكيل السلطة على أمل أن تدرك مكونات الوطن وتضع المدماك الأساس وتبني دولة تحدد العدو من الصديق حيث لا يكل ويمل العدو الحقيقي أي الاسرائيلي الذي يطمع بارضنا وثرواتنا المائية والنفطية هذا أما يجاهر به قادته ويقتلون ويهجرون ويدمرون كل البنى التحتية ويعملون على طمس الهوية الوطنية عبر اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي.
هذا برسم السياديين في لبنان الذين يرفعون شعار استعادة الدولة التي نحروها من الوريد الى الوريد بعدما نهبوا الدولة والشعب الذي حولوه الى اتباع للطوائف والمذاهب وزعمائها.
إذن، نحن على موعد انتخاب الرئيس في 9 كانون الثاني القادم فإذا تصاعد الدخان الانتخابي الابيض يطرح السؤال نفسه: هل سيكون انتخاب رئيس هو اساس الدولة الموعودة وهل يستطيع الرئيس بصلاحياته المحدودة بعد اتفاق الطائف انجاز ما عجز عنه او لم يرغب به الرؤساء عندما كانوا مطلقي الصلاحيات قبل الطائف؟
كما يقول المثل: لا تقول فول حتى يصير بالمكيول، ولكن هناك امور يجب الانتباه لها والتوقف عندها وكيف سيتعامل معها اي رئيس يصل الى قصر بعبدا ومنها كيف يتعامل مع طروحات بعض القوى السياسية التي اعتبرت نفسها انتصرت بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان والتي تعتبره فرصتها لاستعادة دولتها كما تراها خصوصاً بعد دعوة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع لاستبعاد مكون اساسي من مكونات النظام الطائفي المذهبي عندما دعى لانتخاب رئيس من دون المكون الشيعي، علماٌ ان البطريرك الماروني بشارة الراعي كان سحب بساط الميثاقية من تحت المجلس النيابي والحكومة بقوله في 24/11/2024 “ما لم ينتخب المجلس النيابيّ رئيساً للجمهوريّة، لن يتمتّع مجلس النواب والحكومة بصلاحيّاتهما، ويبقى كلّ عملهما منقوصاً وغير ميثاقيّ” لان الرئيس من حصة الموارنة.
الامر الثاني وهو تشكيل الحكومة ومن سيتولى ما يسمى الوزرات السيادية والخدماتية وغيرها من التسميات والتي تعتبر امتياز لبناني كما الديمقراطية التوافقية والعيش المشترك وحقوق الطوائف والتي تنتقص من مفهوم سيادة الدولة المبنية على أسس وطنية ولخدمة ابناءها والتي عطلها النظام الطائفي المهترئ والذي لم يرق لي ولكثر من اللبنانيين منذ ان وعيت وادركت مثالبه..
على اللبنانيين ملء الفراغ المزمن وحل الأزمة الوطنية وبناء الثقة مرة والى الابد حتى لا نستمر بالعيش اوقات سلام مؤقت بين الحروب لان الدولة هي الحل وليس الرئيس.