في الأسبوع نفسه الذي تبدأ فيه محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهم فساد، يُعرض فيلم وثائقي يتناول تأثير ذلك الفساد على قراراته السياسية والاستراتيجية، فيما قد تكون خيانته لزوجته سارة مرتبطة بالحرب المستمرة في غزة منذ أكثر من عام.
وبالنسبة للمخرجة الوثائقية الجنوب أفريقية ألكسيس بلوم، ومحللين سياسيين داخل إسرائيل وخارجها، فإن الاضطراب الأول في زواج نتنياهو يشكل نقطة الانطلاق للنظام الحتمي غير الخطي، الذي أدى اليوم إلى الحرب في غزة ولبنان أي دولة يعتقد نتنياهو أنها تمثل خطراً على إسرائيل، كمناورة يائسة أخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي للبقاء في السلطة وحماية نفسه من تحقيق فساد قد يقوده وزوجته إلى السجن.
وتنجز بلوم أحدث أعمالها بعنوان "ملفات نتنياهو"، وهو تحقيق يعتمد على شهادات لأصدقاء ومعارضين، ووثائق وساعات من التسجيلات السرية وصور أرشيفية تتتبع سلسلة من الأسباب والعواقب من المآسي العائلية إلى استمرار الحرب التي أدت لاستشهاد أكثر من 45 ألف وإصابة 107 آلاف آخرين في غزة، إلى جانب مجتمع إسرائيلي منقسم تماماً.عُرض الفيلم للمرة الأولى في أيلول/سبتمبر في "مهرجان تورنتو السينمائي" وخضع للرقابة في إسرائيل، وينشر لأول مرة تسجيلات استجوابات الشرطة الإسرائيلية للرئيس ودائرته المقربة من الذين لم يعودوا موثوقين، في محاولة لفهم الرد الإسرائيلي غير المتناسب على هجوم "حماس "في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والسلبية الدولية تجاه شخص لا تشك سوى قِلة من المنظمات في أنه مجرم حرب ومجرم ضد الإنسانية، كما يتضح من مذكرات الاعتقال التي أصدرتها "المحكمة الجنائية الدولية" ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.ويعرض الفيلم ساعات من اللقطات التي تسجل اتهامات ودفاعات وتصرفات المتورطين في مؤامرة فساد بملايين الدولارات شملت أقطاباً مثل المليونير وتاجر الأسلحة السابق والعميل السري السابق والمنتج الهوليوودي الحالي أرنون ميلشان أو شيلدون أديلسون، ملك القمار في لاس فيغاس ومالك الجريدة الإسرائيلية اليومية "إسرائيل هيوم".وحتى رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، الذي حُكِم عليه العام 2015 بالسجن ثمانية أشهر بتهمة خيانة الأمانة، يقدم رؤية لنتنياهو لا علاقة لها بقناع منقذ الديموقراطية الذي يختبئ خلفه. وقال أولمرت: "إنه يختبر حدود النظام، وهو نفسه يقول إنه فوق النظام، ولا يمكن لأحد أن يمسه".وبين العامين 2016 و2018، جرى التحقيق الذي انتهى بتوجيه المدعي العام للدولة اتهامات لنتنياهو بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. وانتهت التسجيلات في أيدي المنتج والمخرج أليكس غيبني، الحائز على جائزة أوسكار عن فيلم "تاكسي إلى الجانب المظلم" (2007)، حول أساليب التعذيب التي استخدمتها الولايات المتحدة في الحرب الأفغانية. وأخيراً، كانت بلوم المسؤولة عن وثائقي "آنيتا بالينبرغ" الذي ذهب إلى مهرجان "كان" الأخير، هي المسؤولة عن هذا الوثائقي الاستقصائي من دون طموحات بنائية/فنية، والذي يركز على رسم بورتريه لنتنياهو غير معروف نسبياً خارج الحدود الإسرائيلية وإظهار المعارضة الداخلية لسياساته، المتجهة بشكل متزايد نحو الاستبداد.ومنذ العام 2019، أرجأ نتنياهو إدلائه بشهادته في المحكمة، مشيراً إلى دوره الضروري في الحرب ضد "حماس". تصريحات نتنياهو نفسها تعمل كخيط رابط لبروفايل شخصي يبدأ من خلال تسجيلات ضبابية واعترافات أولئك المشاركين في فضائح الرشوة: "إنهم كاذبون، وكلهم ارتضوا!" يصرخ نتنتياهو بحدة بينما يطرق على الطاولة، مثيراً دهشة المحققين، ثم يرسم بورتريهاً عائلياً لعائلة محافظة ووطنية ولدت سياسياً مع مقتل يوني نتنياهو، الأخ الأكبر لنتيناهو والضحية العسكرية الإسرائيلية الوحيدة أثناء إنقاذ ركاب الطائرة التي اختطفها مسلحون فلسطينيون في أوغندا العام 1976.ثم يؤرخ الفيلم الوثائقي للأسطورة المؤسسة لعائلة نتنياهو، وارتباطها بـ"تقديم التضحيات للوطن". في أعقاب المأساة، عاد بنيامين نتنياهو، الذي بدأ حياته المهنية كمستشار اقتصادي في الولايات المتحدة، إلى إسرائيل ليترأس "معهد بنيامين نتنياهو لمكافحة الإرهاب" ويبدأ حياته المهنية داخل حزب "الليكود" اليميني، الذي كان زعيمه منذ العام 1993.لكن ما يلفت الانتباه أكثر في "ملفات نتنياهو" الصورة التي يرسمها لرئيس الوزراء كدمية في أيدي زوجته سارة وابنه يائير، المتطرف ذو الأفكار المعادية للأجانب والذي يعتقد أن والده "ضعيف للغاية، وأنه لا يعمل تحت الضغط وأنه ليس عدوانياً بما فيه الكفاية"، مثلما روى نير هيفيتز، أحد أقرب المتعاونين مع العائلة.وأشار الوثائقي إلى أن عائلة نتنياهو لديها مفهوم ملكي للسلطة وأن الرئيس يأمل أن يصبح ابنه خليفته. في غضون ذلك، ثمة اتهام آخر ضد عائلة نتنياهو يتعلق بتدخلهم في وسائل الإعلام، واتخاذ قرارات تحريرية مباشرة وطرد الصحافيين غير الموالين، كما يتضح من رسائل هاتفية.ودافع يائير نتنياهو عن نفسه بالقول: "وسائل الإعلام الإسرائيلية بروباغندا اشتراكية وشيوعية على الطريقة الكورية الشمالية". وقال للمحققين أثناء استجوابه: "أنتم أسوأ من شتازي" في إشارة إلى وكالة الاستخبارات في ألمانيا الشرقية الشيوعية، و"أسوأ من غيستابو" في إشارة إلى وكالة الاستخبارات لألمانيا النازية.ورغم ذلك، تجاهل يائير نتنياهو المعلومات المؤكدة التي تفيد بأن والده وقع على قرض بقيمة 250 مليون دولار لرجل الأعمال في مجال الاتصالات شاؤول إلوفيتش عندما كان الأخير يمر بأزمة مالية، مقابل السيطرة على التحرير في صحيفة "والا" الإلكترونية.ورغم الأدلة، شكا نتنياهو وزوجته كونهما ضحية مؤامرة وطنية تشمل وسائل الإعلام والقضاء والشرطة، في حين يصوران نفسيهما باعتبارهما المنقذين الوحيدين لسلامة إسرائيل في مواجهة التهديد العربي. والواقع أن تصوير سارة نتنياهو، على قسوته، يبدو ملائماً تماماً لرفيقة درب مجرم مثل نتنياهو. فبعيداً عن التأثير الذي تتمتع به السيدة الأولى على رئيس الوزراء، خصوصاً منذ بث تسجيلات في تسعينيات القرن العشرين لنتنياهو وهو يظهر في علاقة رومانسية مع امرأة أخرى على شاشات التلفزيون تقريباً ، يصف نتنياهو زوجته بأنها مدمنة كحول مهووسة بالشمبانيا والمجوهرات الباهظة الثمن، وتتغير حالتها المزاجية وفقاً لمستوى الإيثانول في دمها.وشرح كثير من المحللين السياسيين أيضاً أن انجراف نتنياهو نحو الاستبداد وتحالفه مع أقصى اليمين الأكثر عدوانية وكراهية للأجانب، بقيادة بن غفير، وزير الداخلية الحالي، له علاقة بحاجته إلى إقامة تحالفات لتعطيل أي نوع من المعارضة سواء في البرلمان أو في القضاء، مع التركيز على المحكمة العليا.وفي لقطات تلفزيونية أرشيفية، يظهر بن غفير في شبابه وهو يوجه تهديداً مبطناً لإسحاق رابين، الرئيس الإسرائيلي الذي دعا إلى توقيع السلام مع السلطة الفلسطينية والذي سيغتاله يهودي متطرف بعد ثلاثة أسابيع من ظهور بن غفير التلفزيوني. الآن، يكتفي بن غفير بالتلويح ببندقيته، والتهديد بإطلاق النار على الفلسطينيين من راشقي الحجارة، وتوسيع مصادرة الأراضي الفلسطينية لبناء مستوطنات يهودية جديدة. وأوضح أحد مَن تمت مقابلتهم: "من دون نتنياهو، لم يكن لليمين الفاشي المتطرف مكان في النظام الحاكم".