تلوح في الأفق مؤشرات على عودة العلاقات الاقتصادية بين سوريا وتركيا، إلى مسارها الطبيعي ما قبل اندلاع الثورة السورية، ليبدو أن فرصة أنقرة بالعودة إلى صدارة الدول التي تمتلك مشاريعاً استثمارية في سوريا، عندما كانت تمتلك في العام 2011، 9 مشاريع ضخمة من أصل 41 مشروعاً استثمارياً أجنبياً في كل سوريا، باتت مواتية.
المؤشرات الأقوى ظهرت من دمشق، من افتتاح السفارة التركية مبكراً، إلى الزيارات التي يجريها مسؤولون أتراك إلى العاصمة السورية تباعاً، وآخرهم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان.
وفي حلب، تجلت المؤشرات في زيارة وفد من رجال الأعمال الأتراك، أمس الأحد، غرفة تجارة حلب، وهي الزيارة الأولى في لوفد تجاري تركي إلى حلب التي تعد عاصمة سوريا الاقتصادية، منذ 13 عاماً.
وقالت مصادر من غرفة تجارة حلب لـ"المدن"، إن الوفد التركي يتألف من رجال أعمال أتراك، من ولايات غازي عينتاب وهاتاي وشانلي أورفا، وهي الولايات التركية المجاورة لسوريا.
وأوضحت أن الزيارة تهدف إلى استطلاع الفرص الاستثمارية الصناعية والتجارية في حلب، خصوصاً في مجال الإنشاءات والإعمار. وأشارت إلى أن الوفد استفسر عن حال المصانع التي كانت مملوكة لرجال أعمال أتراك في حلب، قبل اندلاع الثورة.
وجال الوفد التجاري التركي، وفق المصادر ذاتها، على بعض المصانع في المنطقة الصناعية، بالشيخ نجار، شمال حلب، بهدف معاينة واقع المدينة الصناعية الأكبر في سوريا.
فرصة تركية واعدة
وتولي تركيا حلب أهمية خاصة، لقربها من ولايات الجنوب الشرقي التركي، وبسبب مكانة حلب على الخارطة الاقتصادية السورية.
وفي خطوة "متوقعة"، كشفت مصادر تركية أن أنقرة تخطط لاستئناف عمل قنصليتها العامة في مدينة حلب، في المستقبل القريب، خصوصاً أن حلب من أكثر المدن السورية تضرراً من الحرب.
ويقول رئيس اتحاد المُصدرين في منطقة جنوب شرق الأناضول أحمد فكرَت كيلجي، إن "التطورات الأخيرة في سوريا تفتح آفاقا إيجابية كبيرة أمام الشعبين التركي والسوري". ويؤكد أن مدينتي حلب السورية وغازي عنتاب التركية تشكلان نموذجاً للعلاقات التجارية والصناعية المتجذرة التي استمرت لعقود طويلة.
ويعتبر أن تركيا مستعدة لتكون شريكاً اقتصادياً رئيسياً في إعادة إعمار سوريا"، كاشفاً أن "الخطة الأولية لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، تتمثل في رفع حجم صادرات منطقته إلى سوريا إلى أكثر من مليار دولار سنوياً، مع توقعات باستمرار ارتفاع الرقم مع تطور العلاقات الاقتصادية".
وتعود المشاريع الاستثمارية التركية في حلب، عود إلى ما قبل العام 2011، وتحديداً في المنطقة الصناعية، بالشيخ نجار، بحسب الكاتب والمحلل السياسي التركي عبد الله سليمان أوغلو، الذي يعتبر أن "الهدف التركي ليس إعادة العلاقات الاقتصادية إلى ما كانت عليه، إنما تطويرها".
ويضيف لـ"المدن"، أن تركيا لم تخفِ استعدادها لمساعدة الدولة السورية على التعافي من آثار الحرب المدمرة، وهي جاهزة للانخراط الفوري في إصلاح البنية التحتية المدمرة، وترميم المصانع لإطلاق عجلة الإنتاج.
ويتابع سليمان أوغلو أن التقارب الكبير بين أنقرة ودمشق الجديدة، يجعل الفرصة مواتية أمام الشركات التركية لتنفيذ مشاريع "إعمار سوريا"، واستثمار مشاريع أخرى، ويساعدها على ذلك أن "تركيا جذبت التجار والصناعيين السوريين بشكل عام، والحلبيين على وجه الخصوص، منذ العام 2011".
سوريا متعطشة للاستيراد
ويعتمد الشمال السوري، الذي كان خاضعاً لسيطرة المعارضة بشكل كامل، على الأسواق التركية. ومع انهيار النظام، بدأت المنتجات التركية تصل دمشق وبقية المدن السورية.
ونتيجة زيادة الطلب، ارتفعت أسعار المواد والسلع التركية، مثل الإسمنت والمواد الغذائية. ويقول وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري، إن "سوريا متعطشة للاستيراد، وتركيا بحكم قربها والحدود المفتوحة باتت الشريان شبه الوحيد".
ويضيف لـ"المدن"، أن "مصانع حلب بحاجة إلى تركيا حتى تعود للإنتاج، خصوصاً المتضررة منها، لأن الآلات والقطع موجودة في السوق التركية".
ورغم كل ما سبق، يسود تخوف بين تجار حلب من الانفتاح الاقتصادي التركي، ويرجع ذلك إلى التجربة "غير المشجعة" للاستثمارات السورية في تركيا، خلال العقد الأخير، وكذلك إلى تضرر بعض صناعيي حلب من الاستثمارات التركية في حلب قبل اندلاع الثورة.