تحت شعار "لبنان لنا" باللغة العبرية، رفع مواطنون إسرائيليون عبروا الحدود إلى لبنان لافتة إسرائيلية الأسبوع الماضي في بلدة مارون الراس وأقاموا خيامًا. وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن نشطاء من حركة تُسمى "استيقظي يا شمال" قد تجاوزوا بالفعل الخط الأزرق عدة أمتار في منطقة مارون الراس. وفي بيان رسمي، أضاف الجيش الإسرائيلي أن التحقيق جارٍ للكشف عن دوافع المواطنين الإسرائيليين الذين عبروا الحدود، إلا أن هذه الدوافع معروفة بالفعل من قبل اللبنانيين والإسرائيليين منذ القرن التاسع عشر. وتأتي هذه التحركات من الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل لتؤكد أطماعها في لبنان وتعزيز مزاعم تاريخية ودينية لتبرير أي خرق أو تدخل في سيادة لبنان، وبالتالي تعزيز نفوذها في المناطق الحدودية.الأطماع الإسرائيلية مطاطةيتحدث المؤرخ الدكتور عصام خليفة في حديثه لـ"المدن" عن خلفيات تلك الأطماع التي تتركز غالبًا حول المياه والأراضي اللبنانية. فـ"الحكومة الإسرائيلية الحالية هي حكومة دينية توراتية، وهي تستند إلى التوراة لصياغة سياستها المتعلقة بالحدود. ويستشهد الدكتور خليفة بما جاء في سفر العدد 34 من التوراة: "وكلّمَ الرب موسى فقالَ: "قُلْ لبَني إِسرائيلَ إنَّكُم داخِلونَ أرضَ كنعانَ، وهيَ الأرضُ الّتي أورَثْتُكُم إيَّاها، وهذِهِ حُدودُها: الحَدُّ الجنوبيُّ يمتدُّ مِنْ برِّيَّةِ صينَ على جانِبِ أدومَ، فيكونُ مِنْ طَرَفِ البحرِ المَيتِ شرقًا". مشيراً إلى أن "لبنان يُذكر في التوراة 75 مرة، والأغلب في النصوص اليهودية يؤكد طمعهم في لبنان".إن اغتصاب الأراضي من قبل اليهود يتم على مراحل، هذا ما تحدث عنه مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل عندما اجتمع بالمستشار الألماني الأمير هوهنلوه وسأله الأخير: "كم من أرض السلطان تريد؟ حتى بيروت أم أبعد من ذلك؟"، فأجابه هرتزل: "سنطلب ما نحتاج إليه. كلما زاد المهاجرون زاد طلب الأرض". يفسر الدكتور خليفة معنى ذلك أن "الأطماع الإسرائيلية مطاطة وتتزايد مع ازدياد عدد سكانها، وكانت موجودة ما قبل وعد بلفور وما زالت مستمرة حتى اليوم". ويؤكد أن "وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على جبل الشيخ له مدلول ديني يعكس هذه الأطماع، حيث يزعم الإسرائيليون تاريخيًا أن أحد الأسباط الـ12 كان يتواجد جنوب الليطاني. ومع ذلك، فإن المثقفين اليهود يعتبرون أن هذه القصص لا تتعدى كونها أساطير".الحدود اللبنانية الفلسطينيةتعد اتفاقية "سايكس-بيكو" مرجعًا أساسيًا في تقسيم الحدود اللبنانية الفلسطينية، حيث تم تقسيم الحدود حينها من الناقورة إلى طبريا، ليتم بعد الحرب العالمية الأولى دفش الحدود شمالاً لتمتد من الناقورة نحو الحولة .
إلا أن الحركة الصهيونية طالبت بأن تمتد الحدود نحو الليطاني، هذا ما رفضه الفرنسيون في ذلك الوقت. الدكتور خليفة يتحدث عن المفاوضات التي أُجريت لإعادة تقسيم الحدود، مما أسفر عن اتفاق "لينك بانشور" في العام 1920، الذي نص على أن "سهل الحولة يصبح جزءًا من فلسطين، الذي يعرف حاليًا بأصبع الجليل"، بينما كانت معظم أراضيه ملكًا للبنانيين. تم الاتفاق على تفويض لترسيم الحدود في 7 آذار 1923، وتم وضع محضر الترسيم في عصبة الأمم، ما يعني أن حدود لبنان كانت قد تم رسمها، إلا أن الحركة الصهيونية لم تعترف بذلك، وظلت تطالب بتوسيع الحدود نحو الليطاني شمالًا، وفقًا لما قاله الدكتور خليفة.القرار رقم 181وفي العام 1947 ، اتخذت الأمم المتحدة القرار رقم 181 وهو ما سمي بالتوصية، "خط ترسيم فلسطين"، والموافقة على قيام دولة إسرائيل، شرط الإلتزام بالحدود المنصوص عليها في القرار والتي تحد منطقة الدولة العربية في الجليل الغربي من الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشمال حدود لبنان من رأس الناقورة إلى نقطة شمالي الصالحة". وأفاد الدكتور خليفة بما معناه "أن الأمم المتحدة عندما أنشأت إسرائيل، ربطتها بحدود".الأطماع الإسرائيلية في المياهوفي 14 من الشهر الحالي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عبر منصة إكس إن جبل الشيخ على الحدود السورية-الإسرائيلية "عاد للسيطرة الإسرائيلية" بعد 51 عاماً "في لحظة تاريخية مؤثرة". وأشار وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر، إنه أمر الجيش بالاستعداد للبقاء في قمة جبل الشيخ طيلة فصل الشتاء، مضيفاً أن ثمة أهمية أمنية كبيرة لسيطرة الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ، وسط ما يجري من أحداث في سوريا".
ويوضح الدكتور خليفة لـ "المدن" أن الأطماع الإسرائيلية في المياه، مدونة في مذكرة قدمتها "الحركة الصهيونية" في 3 شباط العام 1919، إلى المجلس الأعلى لمؤتمر الصلح، وتصف أن "جبل الشيخ" أي "حرمون" هو "أب المياه" الحقيقي لفلسطين، ولا يمكن فصله عنها، ويجب التوصل إلى اتفاق دولي تُحمى بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوب نهر الليطاني، أي اليهود في فلسطين الكبرى. فجبل الشيخ "حرومون"، يسمى بجبل الشيخ كناية إلى الرأس المكلل بالثلج، وأطلق المؤرخون العرب عليه اسم "جبل الثلج"، "أي بمعنى أن مياهه باردة بالإضافة إلى كثرتها، على عكس مياه بحيرة "طبريا" الساخنة التي تقع بين منطقة الجليل في شمال فلسطين وهضبة الجولان المحتلة، فإذاً من الواضح أن الأطماع في المياه ليس في الكمية وإنما في النوعية أيضاً". حسب الدكتور خليفة. ويذكر خليفة أن، "إسرائيل منذ 60 عاماً تستخدم 95 % من الانتاج السنوي لمياه الحاصباني، وليست صدفة أن يتمسك الإسرائليون بشبعا؛ فهم يستفيدون بمبالغ مادية تقدر بـ 5 مليار دولار سنوياً من منشآت ومنتجعات بنوها على أراضٍ لبنانية".القيمة الاقتصادية للمياهبدأت إسرائيل ضخ مياه الليطاني نحو مشاريعها منذ العام 1967، وهنا يطرح الدكتور عصام خليفة في كتابه "لبنان، المياه والحدود"، السؤال: ماذا كان دور إسرائيل في الحروب المندلعة منذ العام 1975، والتي كان من أهدافها الرئيسية انهيار الدولة اللبنانية كمقدمة لتسويغ السيطرة على مواردها الطبيعية وفي طليعتها المياه؟ ويقول الدكتور خليفة إن "إسرائيل تستخدم حوالى 95% من مياه الحاصباني منذ 60 عاماً، وثمن المياه التي اغتصبتها إسرائيل من الحاصباني، ونهر الوزاني يصل إلى 135 مليون دولار سعر المتر المكعب كحد أدنى، فاسرائيل تربط الليطاني بالحاصباني، لذلك المعارك بغالبيتها تتركز في بلدة الخيام".المقاومة في وجه الأطماعيقول الدكتور خليفة، إن "المقاومة يجب أن تكون المقاومة من قبل كل الشعب اللبناني، أنا أحيي الشهداء وبطولاتهم في الجنوب، ولكن لست مع استراتيجية فتح الجبهة والمساندة والممانعة"، ويضيف "إذا أردنا أن نقاتل يجب أن يكون ذلك عبر الجيش وأنصار تساند الجيش، إذ أن الدفاع يجب أن يكون شاملاً، وكل اللبنانيين يدافعون عن الوطن مع الجيش، جيشنا قوي ولمسنا ذلك في معركة "المالكية" العام 1948".