عندما رفع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية رقم 12 في 14 حزيران 2023، من غير أن يُعلن موعد الجلسة التالية كما جرت العادة منذ الجلسة الأولى التي عقدها المجلس لهذه الغاية في 29 أيلول من العام 2022، قبل قرابة شهر من نهاية ولاية الرئيس السّابق ميشال عون، برّر برّي خطوته تلك بأمرين: الأول أنّ الجلسات الإنتخابية تحوّلت إلى “مهزلة”، والثاني أنّه في غياب “التوافق” على انتخاب الرئيس العتيد فإنّه لن يدعو لعقد أيّ جلسة.
أكثر من 18 شهراً مضى على عقد آخر جلسة إنتخابية قبل أن يدعو برّي المجلس في 28 تشرين الثاني الفائت النوّاب إلى جلسة إنتخاب في 9 كانون الثاني، هي الـ13، وقد برّر كثيرون دعوة برّي بجملة عوامل: وعده بالدعوة إلى عقد جلسة إنتخاب عندما يتم التوصّل لاتفاق لوقف إطلاق النّار بين لبنان وإسرائيل وهو ما حصل في أواخر الشّهر الماضي؛ واستجابة لدعوات داخلية وخارجية طالبت إنجاز الإستحقاق الرئاسي بأقرب وقت، وإنهاء الفراغ الرئاسي في قصر بعبدا.
غير أنّ أسئلة كثيرة طُرحت حول إنْ كانت طبخة الرئاسة قد نضجت وأنّ جلسة 9 كانون الثاني سيخرج منها الدخان الأبيض، وأنّ ثمّة توافقاً داخلياً وخارجياً، ولو بالحدّ الأدنى قد تمّ التوصّل إليه، كي يبنى على الشيء مقتضاه، وتعقد جلسة للإنتخاب تنتج رئيساً للجمهورية بعد طول إنتظار، وتصل بالبلد إلى برّ الأمان في ضوء تطوّرات هائلة في لبنان والمنطقة قلبت الأوضاع رأساً على عقب.
حتى الآن لا شيء محسوماً بعد حول مآل الجلسة المرتقبة، حيث يتقلّب مصيرها بين التفاؤل والتشاؤم، وجعلت إحتمال رئيس جديد مساوياً لاحتمال عدم إنتخابه، على خلفية التجاذب الداخلي الحاد في الإصطفافات والتحالفات والمواقف، وتقلّبها نتيجة التحوّلات الكبيرة في لبنان والمنطقة، ما جعل من المستحيل ترجيح كفّة فريق داخل المجلس على كفّة فريق آخر.
فمع اقتراب موعد الجلسة وبدء العدّ التنازلي لها، بدأت السيناريوهات ترتسم حول ما ستشهده الجلسة، وكذلك بدأت الإحصاءات تجري على قدم وساق حول الأصوات التي سيحصل عليها المرشّحون، المعلنون والمضمرون، للرئاسة، حيث تتحرّك “بورصة” أصواتهم صعوداً وهبوطاً يومياً من غير أن تستقر على قرار تحسم النتيجة مسبقاً.
إذ تشير التقديرات، حالياً، إلى أنّ الجلسة التي ستشهد دورتها الأولى نصاباً لن تسفر عن انتخاب رئيس للجمهورية، في ضوء تشتّت الأصوات بين أكثر من مرشّح، ما سيجعل متعذراً على أيّ منهم الحصول على 86 صوتاً من الدورة الأولى ليكون رئيساً، الأمر الذي سيدفع الرئيس برّي لإعطاء وقت قصير للتشاور قبل دعوته لدورة ثانية في تلك الجلسة، على أمل إنتاج توافق تطرح شكوكا حوله، لأنّ ما تعذّر التوافق عليه طوال أكثر من سنتين ونيّف لا يُتوقع التوصّل إليه خلال ساعة تقريباً، إلا إذا كان هناك قطبة مخفية لتهريب إنتخاب الرئيس، وإلّا فإنّ رفع برّي الجلسة إلى موعد لاحق لن يحدّده هذه المرّة يبدو الإحتمال الأكثر ترجيحاً.
The post جلسة 9 كانون الثاني: التفاؤل والتّشاؤم متساويان… عبدالكافي الصمد appeared first on .