بعد 13 عامًا على آخر زيارةٍ قام بها، وصل الرئيس السابق للحزب التقدميّ الاشتراكيّ وليد جنبلاط إلى قصر الشعب في دمشق، للقاء القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع، وللخوض في العلاقة الثنائيّة الّتي ستجمع البلدين في هذه المرحلة الجديدة. وذلك على رأس وفدٍ من الحزب وكتلة "اللقاء الديمقراطيّ" النيابيّة، برفقة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، وجمعٍ من الشخصيات الروحيّة من مشايخ الطائفة وأعضاء المجلس المذهبيّ.
واُستهل اللقاء بتهنئة جنبلاط للقيادة السّوريّة والشعب السّوريّ بالتحرّر من نظام حكم الأسد، و"التطلع نحو سوريا الموحدة والحرّة". بينما أكدّ الشرع في حديثه أن "سوريا كانت مصدر قلق وإزعاج وكان تدخلها في الشأن اللبناني سلبيًّا". لافتًا لكون هذه المعركة أنقذت المنطقة من حربٍ إقليميّة كبيرة وربما من حربٍ عالميّة.لمحاكمة عادلةوخلال اللقاء مع رئيس الإدارة الجديدة لسوريا قال جنبلاط: "من جبل لبنان، من جبل كمال جنبلاط، نحيي هذا الشعب الذي تخلص من الاستبداد والقهر، التحية لكم ولكل من ساهم في هذا النصر، ونتمنى أن تعود العلاقات اللبنانية السورية من خلال السفارات وأن يحاسب كل الذين اجرموا بحق اللبنانيين وأن تقام محاكم عادلة لكل من أجرم بحق الشعب السوري وأن تبقى بعض المعتقلات متاحف للتاريخ". وأضاف: "الجرائم التي ارتبكت بحقّ الشعب تشابه جرائم غزة والبوسنة والهرسك وهي جرائم ضد الإنسانية ومن المفيد أن نتوجه إلى المحكمة الدولية لتتولى هذا الامر والطريق طويل وساتقدم بمذكرة حول العلاقات اللبنانية السورية وعاشت سوريا حرّة ابية حرة ".
من جهته، قال شيخ العقل: "شعب سوريا يستحق هذا السلم ويستحق الازدهار لأن سوريا قلب العروبة النابض". وأشار إلى أن "الموحدون الدروز لهم تاريخ وحاضر يُستفاد منه فهم مخلصين للوطن وشعارهم شعار سلطان باشا الاطرش وشعار الكرامة وكرامتهم من كرامة الوطن لذلك نحن واثقون انكم تحترمون تضحياتهم وهم مرتبطون بوطنهم". وأضاف: "شعب سوريا يستحق هذا السلم ويستحق الازدهار لأن سوريا قلب العروبة النابض. أسبق الزمن لأقول يمكننا عقد قمة روحية تجمع القادة الروحيين بين البلدين لتعزيز روح الطمأنينة".علاقة لبنانية سورية طبيعيةفي المقابل، استهل الشرع حديثه بشكر الوفد على الزيارة، ثمّ تحدث عن تاريخ العلاقات بين سوريا ولبنان، قائلًا إن "سوريا كانت مصدر قلق وإزعاج للبنان في بعض الفترات، وكان تدخلها في الشأن اللبناني سلبياً". وأضاف: "النظام السابق في سوريا، بالتعاون مع المليشيات الإيرانية، عمل على تشتيت شمل السوريين وزيادة الفوضى في المنطقة".
واعتبرأن "معركتنا المشتركة في سوريا كانت ضرورية لإنقاذ المنطقة من حرب إقليمية كبيرة كان من الممكن أن تندلع لولا التدخل السوري الحاسم". وفي حديثه عن العلاقة المستقبلية مع لبنان، أكد الشرع: "سوريا تقف على مسافة واحدة من الجميع وستحترم سيادة لبنان واستقراره الأمني"، مشيرًا إلى أن العلاقات بين البلدين يجب أن تكون قائمة على التعاون المشترك والاستقرار المتبادل. كما تطرّق إلى قضايا إقليمية أخرى، حيث أشار إلى أن "النظام السوري كان له دور في قتل العديد من الشخصيات اللبنانية البارزة، مثل كمال جنبلاط وبشير الجميّل ورفيق الحريري"، وهو ما أثار تساؤلات حول دور سوريا في الأحداث السياسية اللبنانية المعقدة". وأضاف الشرع أن "لبنان بحاجة إلى اقتصاد قويّ وإلى استقرار سياسيّ، وسوريا ستكون سنداً له وأرجو أنّ تُمحى الذاكرة السوريّة السابقة من أذهن اللبنانيين"، متمنياً أنّ "يكون هناك علاقات استراتيجيّة مع لبنان وتاريخ جديد". وختم: "المجتمع الدولي عجز عن حل المشكلة السورية خلال 14 عامًا ونحن أخذنا طريقاً مختلفًا ليقيننا بأن الشعوب لا تستطيع أن تأخذ حقّها الا بيدها".لطيّ صفحةٍ قاتمةوما لا يُمكن تجاهله أنّه وبعد هذه الزيارة وما حملته من أبعادٍ تاريخيّة وسياسيّة، تبدو العلاقات السوريّة اللبنانيّة أمام مفترقٍ جديد في مسارها. فاللقاء بين جنبلاط والشرع، برمزيّته الزمنيّة والسياسيّة، يؤسّس لمرحلةٍ تأمل الأطراف المعنيّة أن تتجاوز فيها أحقاد الماضي وارتدادات النظام السابق، نحو شراكةٍ تضمن الاحترام المتبادل لسيادة كلّ من لبنان وسوريا. وفيما يعوّل الفريقان على محاكمةٍ عادلةٍ لكلّ من اقترف الجرائم في البلدين، فإنّ جوهر هذه المرحلة يُختَصَر في إرادةٍ مشتركةٍ لصون الاستقرار واللحمة الإقليميّة.