عُرضت مسرحية "مرا لوحدها" في مسرح "مونو" في بيروت وهي من تمثيل وإخراج، ومقتبسة عن مسرحية لداريو فو وفرانكا راميه "امرأة وحيدة".
يمكن بكلمتين اختصار مسرح الإيطالي داريو فو، الحائز جائزة نوبل للآداب 1997: المسرح الغاضب. المسرحي الكوميدي الذي يتخذ من التهريج النبيل والحس الشعبي وسيلة للغوص في القضايا الاجتماعية والسياسية الشائكة، وبلغة احتجاجية على كل ما هو سلطة تفرزها المؤسسات الحكومية والاجتماعية والدينية والأسرية. هو الناقد الساخر للمجتمع الحديث بحواراته الضاحكة السلسة التي تتسلل الى الجمهور ببساطة ومن دون تعقيدات لغوية أو خطابات مباشرة، لكنها في الوقت نفسه حمّالة أقنِعة والتباسات وألف تأويل وتأويل.
سليل الكوميديا ديلارتي التي ملأ رجالاتها ذلك الزمان صخبا وضجيجا بارتجالاتهم وعروضهم الأخّاذة. أسس شراكة فنية مع زوجته فرانكا راميه ما يمكن تسميته بالمسرح الشعبي الإيطالي، ولكن ضمن بناء جديد، وهو-رغم انغماسه بالقضايا الاجتماعية والسياسية التي تبدو للوهلة الأولى مغرقة في محليتها- ناقد كبير للواقع الإنساني الحالي بمحتواه الغربي، الممعن باستغلال الآخر نهبا وسلبا واجتياحا وتهميشا.
هذا سرّ اعمال داريو فو الذي تعرض في مسارح العالم والمجتمعات المختلفة، ويتبنى كل من هذه المجتمعات ما يحتمل وجهات النظر والمواقف الحادة من ظواهرها المرضية. تعيش نصوص داريو فو، المرنة والمتحركة، مع المتغيرات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم، وتُؤدّى على الخشبات كأنها كتبت بلغة الآن، هنا في المكان والزمان الراهن. كما تستعير من التراث الإيطالي، في اللعب والارتجال والمفارقة والأداء، أشكالاً متعدّدة من الفرجة التي تجعل هذه النصوص متعة بصرية تعمل على حيلة الإضحاك لتعبر الى مشاعر الغضب والتأمل في كل ما يجري من حولنا.الضحك الغاضب
"امرأة وحيدة" هي واحدة من مسرحيات فو المؤلمة التي كتبها مع زوجته فرانكا راميه، بلغتها الفجّة وجموح الشخصية الوحيدة التي تؤديها. مونودراما لامرأة في حياتها اليومية الروتينية داخل منزلها، أو مشاعر امرأة في منتصف العمر محاصرة بنزَق الزوج وتحرش شقيقه وبصبصة الجار. امرأة تبوح لجارتها المقابلة لنافذتها من دون أن تعرفها من قرب أو حتى تعرف اسمها. بوح حميمي ينزلق للفجاجة والصراخ والغضب والاحتجاج على كل ما يقيد المرأة اليوم في المؤسسات الزوجية البليدة والمتشابهة بمتطلباتها ووظائفها وأفعال يومياتها والتزاماتها السياسية والاجتماعية والجنسية. يسخر الثنائي فو–راميه من المؤسسة الزوجية التي تقام بين جدران أربعة وأبواب موصده وأمتار قليلة يتحرك خلالها الجسد الزوجي ويتواصل مع الآخر بين الشباك وسماعة الهاتف وأصوات صراخ الأطفال وغيرها من الضغوط التي تعيشها شخصية "امرأة وحيدة" ويراكم جسدها هذه الضغوط التي تخرج حيناً في شكل نِكات وضحكات، وطوراً كصراخ مكبوت أو مدوٍّ تمهيداً لانفجاره الكبير."مرا لوحدا"
قدم مسرح "شغل بيت" مع المخرج شادي الهبر رؤية جديدة لمونودراما "امرأة وحيدة" عبر خمس ممثلات يؤدين الشخصية الواحدة برؤى وامكانيات تمثيلية مختلفة. كل ممثلة تعرض لنا تجربتها الشخصية والمختلفة من خلال الأداء الذي يعكس تنوع النساء وتجاربهن. الممثلات المشاركات في هذا العمل هن: غادة صبرا، كارلا متى أبي زيد، ماريال بدروسيان، جووان مخول غيوكشيان، وسيرينا الدحداح.
هن من المتمرنات في مسرح "شغل بيت" الذي يقع في فرن الشباك، وفي بيت ضمن عمارة قديمة. ومنذ عام 2016، ينشط المحترف في برنامجين الأول إعداد الممثل على مدى فصول تدريبية والثاني عبر تنظيم ورش عمل في الكتابة والتثقيف المسرحي. "مرا لوحدا" تندرج ضمن اعمال الهبر التي تتسم بالسينوغرافيا المتقشفة والمساحات الخالية إلا من ممثلات وممثلين تعتمد عليهم الأعمال المسرحية وعلى ادواتهم التمثيلية والأدائية بالإضافة الى النصوص الملبننة المترجمة من مسرحيات عالمية او من كتابات بأقلام محلية. "مرا لوحدا" تنضم الى الى اعمال الهبر المنحازة الى الاحتجاج النسوي في المجتمعات الذكورية ، وسبق ان قدّم اعمالا عدة، نذكر منها "الحجرة" و"دفاتر لميا" واعمال أخرى هي بمثابة ريبرتوار مسرحي، فيه البحث في الشكل والمضمون عن مسرح يراكم في تجربته في سبيل تطوير الشكل والأدوات والمضمون الاجتماعي الاحتجاجي، الذي يأتي في طليعة وظيفة المسرح الأساسية.
"مرا لوحدا" اختيار جريء من مسرح "شغل بيت" لما يكمن هذا العمل في طياته النص الجريء او المونولوغ الذي كتب في السبعينات من القرن المنصرم، وتُرجم الى لغات عديدة، لا سيما العربية وبلهجات محلية وإضافات واقتباسات لما يحمل هذا النص المفتوح على رؤى اخراجية وقراءات وتأويلات غير محدودة.