منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، باتت مناطق الشمال السوري في محافظتي إدلب وحلب، تشهد انخفاضاً تدريجياً في أعداد السكان، كما انخفض الطلب على المنازل وانخفضت أسعار إيجارات السكن والمحال التجارية، وغاب الازدحام عن مراكز التسوق وشوارع المدن الكبيرة، الباب وأعزاز والدانا وإدلب وسرمدا وغيرها من المدن التي تضخمت وزاد حجمها خلال السنوات الماضية لتستوعب الأعداد الهائلة من المهجرين والنازحين من مختلف المناطق السورية.
عودة المهجرين
ما إن أعلن عن سقوط النظام، حتى بدأت أعداد كبيرة من السوريين المهجرين القاطنين في المناطق الحدودية بريفي حلب وإدلب، العودة إلى مناطقهم. ورصدت "المدن" خلال الأسبوع الماضي، الازدحام المروري الهائل على الطريق الدولي حلب-دمشق، فالمسافة التي يمكن قطعها في الأحوال العادية بين الشمال والجنوب بحوالي 4 ساعات تقريباً، كان الناس يحتاجون لأكثر من 8 ساعات لقطعها، بسبب الاختناقات المرورية على مشارف المدن الكبيرة، حماة وحمص ودمشق.
عاد أنس مصطفى وعائلته إلى حي الوعر في حمص، بعدما أجرى زيارة استطلاعية تفقد خلالها منزله ومدى الأضرار التي لحقت به. ويقول أنس لـ"المدن"، إن معظم العائلات الحمصية التي كانت تقطن مدينة الباب، شمال شرق حلب، أرسلت أبناءها خلال الأيام الأولى للتحرير كي يتفقدوا أحياءهم ومنازلهم، ومدى جهوزيتها لاستقبال عائلاتهم، وحجم الأضرار، ولمعرفة مدى الحاجة لعمليات الترميم. بعض العائلات عادت كاملة لأن منازلها تصلح للسكن، وبعضها الأخر تم تأجيل عودتها لفترة قصيرة، إلى حين الانتهاء من أعمال الترميم".
عودة جزئية
ورصد "المدن" أرتالاً من الشاحنات على الطريق الدولي، وهي تحمل أثاث العائلات العائدة نحو دمشق وريفها. تقول مصادر محلية لـ"المدن"، إنه في الأحياء والمناطق الأقل تضرراً كانت العودة ممكنة لبعض العائلات المهجرة، وكان ينقص المهجرين محتويات منازلهم التي أفرغها جنود النظام بعد رحيلهم عنها، ومن الأجدى جلب مقتنياتهم وما يلزم لمنازلهم من مناطق إدلب، في القدم والميدان وداريا وحرستا ودوما وغيرها، أما الأحياء والمناطق الأكثر تضرراً كان مشهد الدمار هو الغالب والعودة مستحيلة في الوقت الحالي، كالقابون وجوبر. والحال ذاته في مناطق ريف الرقة الجنوبي ومدينة دير الزور وريفها وحماة وحلب ومناطق شرقي إدلب، أي أن عودة المهجرين ما تزال جزئية.
ويقول فتحي الحسن، من سراقب، إن مدينته مدمرة بشكل شبه كامل، وأكثر من 80 في المئة من منازلها بحاجة لترميم، وهناك قرى في ريف سراقب مدمرة كلياً ولم تشهد عودة أي عائلة، ومثالها بلدة خان السبل التي عادت إليها عائلة واحدة تسكن في خيمة وكوخ من الصفيح، جانب منزلهم الذي بات بلا سقف.
رحلات عكسية
وبرغم العودة الجزئية للمهجرين من مناطق الشمال نحو مناطق الداخل السوري، إلا أن أثرها كان واضحاً على الكثافة السكانية في الشمال، والتي انخفضت بشكل ملحوظ خلال الأسبوع الماضي. وأدى ذلك إلى تضرر الكثير من القطاعات الخدمية في الشمال بسبب عودة المهجرين إلى مناطقهم. وكان قطاع العقارات (بيع وايجار)، الأكثر تأثراً، حيث انخفض ايجار المنزل إلى ما دون الـ50 دولاراً أميركياً، بعدما كانت الأسعار قبل شهر تقريباً، تتراوح بين 100 و200 دولار، كما أن أسعار العقارات السكنية والتجارية والأراضي انخفضت بنسبة 35 في المئة تقريباً، بحسب مصادر في مدينة الدانا، شمالي إدلب.
ولكسر حالة الجمود التي أصابت الأسواق، عمل تجار مراكز التسوق و"المولات" في مناطق الدانا وسرمدا وأعزاز وغيرها، على تكثيف الدعاية لجذب المتسوقين من باقي المحافظة، وجعل مناطقهم مناطق جذب للتسوق من خلال تقديم عروض رحلات مغرية، تشمل السفر المريح وتخفيض أسعار السلع المتنوعة، وتتضمن الرحلات فقرات للترفيه وزيارة الملاهي، وذلك من خلال التعامل مع مكاتب سياحية ناشئة تنظم رحلات تسوق من المحافظات نحو المناطق الحدودية شمال سوريا.
وقال تجار في مول الحمرا بمدينة الدانا، لـ"المدن"، إن المنطقة استعادت شيئاً من عافيتها بعد أن غادرها آلاف المهجرين، مشيرين إلى أن تنظيم رحلات عكسية من باقي المحافظات أنعش السوق.