بعد ٤٢ سنة على انتشار السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، بسطت الشرعية اللبنانية يدها على أول موقعين مشغولين من قبل الجبهة الشعبية- القيادة العامة في البقاع، من خلال تسلم الجيش اللبناني صباح اليوم السبت، لموقعي السلطان يعقوب في البقاع الغربي، وحشمش في سلسلة جبال لبنان الشرقية في قضاء زحلة. بإنتظار أن تتمدد هذه الإجراءات الى موقع الجبهة الأساسي في منطقة قوسايا، والذي يقع في لحف جبل المعيصرة بأراض لبنانية فاصلة بين لبنان وسوريا. علماً أن هذا الموقع يعتبر مركز قيادة أساسي للجبهة، وخضع منذ بداية أحداث سوريا لإمرة حزب الله الذي شق طريقا" في المنطقة تصل الى سوريا وقام بتزفيتها. بالإضافة الى بسط يد الشرعية على مركز آخر يرتبط به عملانيا ويقع على بعد كيلومترات منه في منطقة كفرزبد، حيث يرابض العناصر في جبيلة عين البيضا أيضا منذ العام ١٩٨٢.
إرتفع علم لبنان على موقع حشمش ورفرف على مدخله الى جانب راية الجيش اللبناني. فحلت السيادة أخيرا في هذا الموقع، بعد ١٩ سنة من خروج الجيش السوري من لبنان. حينها كان يفترض بالفصيل الفلسطيني الذي أسسه الضابط الفلسطيني في الجيش السوري أحمد جبريل أن ينضم الى قوافل العسكر السوري المغادر من لبنان، إلا أن مواقع جبهته خلفت في الأراضي اللبنانية بقوة أمر واقع أمن لها ما يكفي من الغطاء السياسي، وسمح لها بأن تلعب دوراً أساسياً في حماية خاصرة النظام السوري خلال معركته مع معارضية.
إكتسب موقع حشمش الذي تسلمه الجيش اللبناني بدءا من الثانية عشرة من ظهر اليوم رمزيته، من جرأة عناصره إثر إنسحاب الجيش السوري من لبنان بإطلاق النيران التحذيرية في وجه لجنة تحقق دولية حاولت دخوله خلال تأدية مهمة التأكد من إخلاء الجيش السوري لجميع مواقعه. ومنذ ذلك الحين لم يجرؤ أي من أصحاب الأراضي المحتلة من المركز على التوجه إليها، معولين على إستعادة أملاكهم بتسوية سياسية. فيما لم يعرف لموقع السلطان يعقوب أي دور عسكري بعد خروج سوريا من لبنان، علما أن رمزية الموقع في مكانه ترتبط بمعركة السلطان يعقوب الشهيرة مع العدو الإسرائيلي في العام 1982، والتي خلفت حينها الكثير من القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي بالإضافة الى أسر ثلاث دبابات له مع جنود.
إثر سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول الجاري، توجهت الأنظار الى هذه المواقع العسكرية التابعة للجبهة الشعبية – القيادة العامة في البقاع، لما شكلته من وديعة النظام الساقط. وفي هذه الأثناء كانت الاتصالات قد نشطت بحسب المعلومات على مستوى قيادة الجيش ومخابراتها، لتسلم المواقع بهدوء ومن دون مواجهة.
وبالفعل شوهد عدد من عناصر الموقع يغادرونه في سيارة رباعية الدفع كانوا يستخدمونها للتنقل بين موقعهم وموقع قوسايا. وقد حشر هؤلاء في المقعد الخلفي للسيارة التي قادها عنصر من الجيش اللبناني برفقة آخر، قبل أن يدخل الجيش الى الموقع بملالاته، ويضرب طوقاً أمنيا في المكان إستعداداً لعملية مسح دقيقة ربما تسمح لاحقا بدخول الصحافيين الى المكان، وفقاً لما أفادت به المعلومات.
والمعلومإن موقعا حشمش كما السلطان يعقوب هما جزء من المعضلة اللبنانية المزمنة المعروفة بالسلاح خارج المخيمات. وإرتباط هذا السلاح وثيق بإتفاق القاهرة الذي ألزم لبنان في سنة 1969 على الاعتراف بحرية التحرك العسكري لمنظمة التحرير الفلسطيني. إلا أن هذا السلاح في منطقة البقاع لم يتحول أمراً واقعاً قبل سنة 1982، حينها نقلت "الجبهة الشعبية – لقيادة العامة" مواقعها اللوجستية الى قرى السلسلة الشرقية التي تفصل بين لبنان وسوريا، مستفيدة من غطاء الجيش السوري لتنفلش بسلاحها على أكثر من موقع.
المحاولة الأولى التي جرت لنزع هذا السلاح كانت في سنة 1987 بعهد الرئيس الأسبق أمين الجميل، الذي وقع ورئيس الحكومة حينها سليم الحص على إتفاقية إلغاء إتفاق القاهرة، وكان يفترض أن ينهي ذلك حالة وجود السلاح غير الشرعي على الأراضي اللبنانية. إلا ان هذا السلاح لم يسلّم وطرح مصيره مجدداً مع توقيع "إتفاق الطائف". حينها إستمد السلاح قوة وجوده من السيطرة الأمنية والسياسية للنظام السوري على لبنان، في مقابل التسويق لوجودها على الأراضي البقاعية على أنها مواقع إسناد للجبهة الأمامية.
خرج الجيش السوري من لبنان سنة 2005 إلا أن سلاح المخيمات التابعة لإمرته بقي عصياً على تنفيذ الإتفاقات الدولية الموقعة ومن بينها الاتفاق 1559.لا بل برزت في هذه الفترة التصريحات التي أدلى بها مؤسس الجبهة أحمد جبريل وتحذيراته التي إعتبرت "المس" بهذا مقدمة للإنتقال الى نزع "سلاح المقاومة اللبناني".
إثر عدوان إسرائيل على لبنان في العام 2006 إنعقدت لجنة حوار وطنية خرجت بإجماع داخلي على سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. وفي حين وافق حتى "حزب الله" على الاتفاق، اصطدم تطبيق قراراته بغياب التوافق الفلسطيني- الفلسطيني ، والفلسطيني– اللبناني، وبدا الرئيس الفلسطيني حينها محمود عباس أضعف من أن يتمكّن من فرض إرادته السياسية على فصائل فلسطينية مسلحة تتمتّع بعلاقات واسعة مع سوريا. استمر النقاش حول هذا السلاح الى ما بعد أحداث نهر البارد في العام 2007، وأيضاً من دون أن تنجح السلطة اللبنانية بالتوصل الى إجماع وطني على وضع هذا السلاح بإمرة الشرعية اللبنانية.
منذ سنة 2011 برز الدور الذي لعبته المعسكرات الفلسطينية في البقاع تحديداً بتشكيل جبهة إسناد لمعركة النظام السوري مع شعبه، وخصوصاً عندما وضع حزب الله المواقع التابعة للجبهة في منطقة قوسايا تحديداً تحت إمرته. وعليه كان طبيعياً أن يسقط الغطاء الذي إحتمت به هذه المواقع العسكرية الفلسطينية لتسلّم عتادها بدون أي مواجهة مع الجيش.
في المقابل أعرب أهالي قرى السلسلة الشرقية التي يتوسط موقع حشمش المطل على الطريق العام بيوتها السكنية، عن ترحيبهم بالخطوة التي أقدم عليها الجيش اللبناني. وقال رئيس بلدية قوسايا ميلاد كعدي "أننا بقينا ننتظر هذا النهار لفترة طويلة. ونتمنى التحرير لكل الأراضي اللبنانية كما نتمنى للفسطينيين تحرير أرضهم."
وتمنى كعدي أن يتواصل العمل لإخلاء باقي المواقع التي تشغلها مواقع عسكرية فلسطينية ومن ضمنها موقع قوسايا حتى يتمكن الأهالي من الوصول الى أراضيهم بشكل طبيعي. خصوصا أن المنطقة في الجرد العالي تحوي على أرض زراعية ممتازة توقف استثمارها منذ سنة 1982" وأوضح "ان تواصل أهالي قوسايا والبلدية دائم مع قيادة الجيش لإخلاء هذه المواقع، ولحسن الحظ أننا وصلنا الى هذا اليوم."