تقول الرواية السائدة أن الشيخ إمام تعرّف على الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم عام 1962، عن طريق زميلٍ لابن عم نجم كان جاراً للشيخ إمام، حين سأل نجم إمام لماذا لم يلحّن إلى الآن؟ أجابه أنه لا يجد كلاماً يشجعه على ذلك، وبعدها بدأت الثنائية بينهما ودامت. ذاع صيت الثنائي نجم وإمام والتف حولهما المثقفون والصحفيون، خاصةً بعد أغنية: "أنا أتوب عن حبك أنا؟" واستطاع الشريكان أن يقولا ما يجب أن يقال في التوقيت المثالي، إذ لم يكن هذا النوع من الفن النقدي والملتزم متعارفاً عليه. وفي زمن فضاء أم كلثوم الغنائي.
كان نجم يكتب قصائده في الصباح ويلحنها ويغنيها إمام في الظهيرة ليبدأ فصل جديد في الأغنية العربية النقدية والروح الساخرة، حتى عرف الناس إمام بـ"إمام المغنين"، إذ اقتربت ألحانه من الناس والطبقة الفقيرة و"اليساريين". في البدايات استوعبت الحكومة المصرية الشيخ إمام وفرقته، وسمحت بتنظيم حفل في نقابة الصحافيين، وفتحت لهم أبواب الإذاعة والتلفزيون، لكن سرعان ما انقلب الحال بعد هجوم إمام في أغانيه على الأحكام التي برأت المسؤولين عن هزيمة 1967، فتم القبض عليه هو ونجم واتهامهما بتعاطي الحشيش سنة 1969.
أطلق القاضي سراحهما لعدم كفاية الأدلة، لكن قوات الأمن ظلت تلاحقهما، حتى تم القبض عليهما مجدداً وسُجنا وحكم عليهما بالسجن المؤبد، ليكون إمام أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية. واقترنت أغنيتهما المشهورة "شيّد قصورك" بوجودهما في السجن، تقول: والخمارات جنب المصانع/ والسجن مطرح الجنينة واطلق كلابك في الشوارع/ واقفل زنازينك علينا وقِلّ نومنا في المضاجع/ أدي احنا نمنا ما اشتهينا. تنقل إمام ونجم من سجن إلى آخر حتى أُفرج عنهما بعد اغتيال أنور السادات، لكن ذلك لم يمنعهما من نقد خلفه بأغانٍ أشد حدة.
"شيد قصورك" كتبها نجم، وعبر فيها عما قال إنها فترة من القمع السياسي والحريات. وأخذت الأغنية مناحي مختلفة، بعدما تحولت أغنية شعبية تقدم في المهرجانات والحانات والأمسيات، اذ أدتها فرقة "شكون" الغنائية التي انطلقت عام 2014، على يد الشاب السوري المقيم في ألمانيا، أمين خاير، أثار أداء الأغنية، وسط رواد منتجعات الساحل الشمالي المعروفين بالثراء والترف في مصر، ردة فعل واسعة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا أن أداء أغنيات إمام عموماً، و"شيّد قصورك" خصوصاً، بين أبناء هذه الطبقات المترفة على شواطئ المنتجعات الفارهة، "يمثّل استخفافاً بالأغنية التي ترصد كلماتها مظاهر هذه التناقضات الطبقية"، بحسب هيثم أبو زيد في العربي الجديد.
كانت "شيّد قصورك" حاضرة دائماً في مليونيات الربيع العربي، وفي التظاهرات الاحتجاجية في مصر وتونس ولبنان، رأى كثيرون أن الأغنية أُفرغت من مضمونها ومن حمولتها الثورية حينما أداها من ينتمون إلى طبقة لم تعرف معنى المعاناة يوماً، واليوم نرى وجها جديداً للأغنية، اذ يقدمها كورال الفيحاء اللبناني في الكنيسة المارونية في الجميزة، ويأتي التقديم في خضم سقوط نظام بشار الأسد وفتح السجون السورية المرعبة، وفي الوقت نفسه يصادف أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يشيّد قصوره الرئاسية السلطوية.