دعت الممثلة السورية يارا صبري في مقطع فيديو عبر حسابها الشخصي في "فايسبوك" إلى فتح ملف أطفال المعتقلين، مركزة على أطفال المعتقلة الدكتورة رانيا العباسي، إحدى أشهر المعتقلات التي تسلط عليهن الضوء في وسائل الإعلام العالمية، بشكل قصة شخصية مؤثرة، بعيداً عن عرض المعتقلين كأرقام. وأشارت صبري إلى تقارير تحدثت عن وجود أطفال العباسي في مراكز تابعة لفرع منظمة قرى الأطفال "SOS" في سوريا. وأضافت صبري التي تابعت ملف المعتقلين منذ بداية الثورة السورية أن موضوع أطفال المعتقلين في ظل النظام المخلوع لا يتعلق فقط بالعباسي وأطفالها، بل يشمل مئات الأطفال المختفين الذين لا يعرف مصيرهم منذ العام 2011. وناشدت صبري العاملين السابقين والحاليين في المنظمة بالخروج إلى العلن للكشف عن الحقيقة أو التواصل مع العائلة من أجل تقديم معلومات بشكل سري، كما دعت الحقوقيين إلى التحقيق في مصير الأطفال المختفين.واعتُقلت العباسي، بطلة سوريا والعرب في الشطرنج، مع زوجها وأطفالها الستة في آذار/مارس 2013 بعد اقتحام منزلهم في حي دمر بدمشق من قِبل المخابرات العسكرية، بسبب دعمهما للنازحين السوريين الفارين من مدينة حمص حيث كان الزوجان يساعدان الأسر النازحة بتوفير الطعام والمأوى، وهو ما اعتبرته السلطات السورية نشاطاً معادياً للنظام، حسبما نقلت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في وقت سابق.وفي فيديو آخر لاقى انتشاراً واسعاً، أشار حسان العباسي، شقيق رانيا، إلى معلومات تفيد بأن أربعة من أطفال شقيقته موجودون في مراكز "SOS". وأوضح أن الفوارق العمرية بين الأطفال الموجودين في المراكز تتطابق مع أعمار أطفال رانيا وقت اختفائهم. وأضاف العباسي أن المنظمة تواطأت مع النظام السوري، حيث تم تغيير أسماء الأطفال مع إبقائهم في بيئة مغلقة تمنعهم من الخروج. ووصف تلك المراكز بأنها تشبه السجون الصغيرة.ورداً على تلك الاتهامات، أصدرت منظمة "SOS" سوريا بياناً رسمياً عبر صفحتها في "فايسبوك" نفت فيه أي علاقة لها بإخفاء أطفال المعتقلين. وجاء في البيان: "تلتزم قرى الأطفال SOS بتوفير الرعاية للأطفال الأكثر ضعفاً حول العالم. عملنا في سوريا مستمر منذ العام 1975، وننأى بأنفسنا عن أي صراعات سياسية".وأوضحت المنظمة أن الأطفال الذين دخلوا مراكزها خلال النزاع السوري تمت إحالتهم من قِبل السلطات السورية السابقة. وأكدت أنها لم تعد تستقبل حالات مماثلة منذ العام 2019، وأن جميع الأطفال الذين كانوا في رعايتها حتى العام 2022 تم لم شملهم مع عائلاتهم حيثما كان ذلك ممكناً. كما ذكرت أنها تعاونت مع عائلة العباسي وفتحت جميع ملفات الأطفال الموجودين، لكنها لم تجد أي تطابق مع بيانات أطفال رانيا.وانقطعت أخبار الأسرة منذ اعتقالها ولم تُعرف تفاصيل عن الأطفال تحديداً، لكن بعد عام، تأكدت العائلة من مقتل الزوج الذي ظهرت صورة جثته في ملف "قيصر" الذي يشكل صوراً لجثث أشخاص تعرضوا للتعذيب في مراكز اعتقال في سوريا، والتُقطت بين العامين 2011 و2013، كشف عنها في 2014 مصور سابق في الشرطة العسكرية يستخدم الاسم المستعار "قيصر" بعد فراره من البلاد، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".وكانت العباسي، بطلة سوريا في الشطرنج في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وكان عمرها 43 عاماً عند اعتقالها مع أولادها الذين كانوا يبلغون حينها 14 و13 و11 و8 و6 أعوام ورضيعة عمرها أقل من عامين.
ورغم مكانة رانيا العلمية كطبيبة أسنان وبطلة في لعبة الشطرنج، تعرضت هي وأسرتها للإخفاء القسري، وهي ظاهرة شائعة في سوريا حيث يُقدَّر عدد المختفين قسراً بأكثر من 122 ألف شخص، 86% منهم لدى قوات النظام السوري.وتصدرت قصة رانيا العباسي حملة "من دون وجه حق" التي أطلقتها وزارة الخارجية الأميركية العام 2018 لتسليط الضوء على السجناء السياسيين حول العالم، وأكدت فيها أن رانيا كانت تسعى لدعم مجتمعها المحلي عبر تقديم المساعدات الإنسانية، ولم تكن ناشطة في المظاهرات أو الأنشطة السياسية.وتأسست قرى الأطفال "SOS" في سوريا العام 1975 لتقديم الرعاية للأطفال الأيتام والمحرومين من الرعاية الأسرية، وهي فرع عن المؤسسة النمساوية العالمية لرعاية الأيتام. وافتُتحت أول قرية في دمشق العام 1981، وركزت على توفير بيئة أسرية للأطفال الذين فقدوا أهلهم.مع تصاعد النزاع السوري، ظهرت تقارير تشير إلى تدخل أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، في عمل المنظمة. ورصدت "المدن" في وقت سابق زيارات متعددة أجرتها أسماء التي بسطت نفوذها على العمل الخيري وغير الحكومي عبر "الأمانة السورية للتنمية"، إلى المراكز التابعة لـ"SOS" في ريف دمشق، ما أثار الشكوك حول استغلال النظام لهذه المراكز لأغراض سياسية.ورئيسة جمعية "SOS" في سوريا هي سمر دعبول، ابنة محمد ديب دعبول المعروف بـ"أبو سليم" الذي شغل منصب مدير مكتب حافظ الأسد ومن ثم ابنه بشار لعقود قبل وفاته، ما أمن لها كثيراً من الصلاحيات، ليس أقلها أن مقر إدارة جمعيتها يقع في حي المالكي، بالقرب من قصر الرئيس. ومقر الجمعية في الوقت نفسه هو المنزل الذي تقيم فيه سمر دعبول.ومع تضارب الروايات بين الاتهامات والردود الرسمية، تتزايد الدعوات لإجراء تحقيق دولي مستقل بشأن مصير الأطفال الذين وُضعوا في مراكز "SOS" خلال النزاع السوري. ودعت منظمات حقوقية إلى مراجعة شاملة لسجلات الأطفال في تلك المراكز وضمان توفير بيئة آمنة للأطفال بعيداً عن الاستغلال السياسي.